«الوحشية» التي أعادت الحريري رئيساً للوزراء

روزانا رمّال

الحكومة الجديدة أبصرت النور…

مفاجأة من عيار «متوقع» و«غير متوقع» معاً. فأيام الآحاد في لبنان لا تحمل الكثير من الحراك السياسي والمتابعات المفترضة للاستحقاقات الكبرى، لكن هذه الحيوية في الإسراع بتشكيل الحكومة تؤكد على ما اجتمع عليه الأفرقاء بضرورة الإسراع في تشكيلها وبأن أحداً لا يريد تعقيد مسألة التأليف.

لم تكن تعني لحظة قبول الأفرقاء الدوليين بترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية إلا وان هوية الحراك السياسي في لبنان قد سلك طريقاً أخرى مغايرة لتلك التي سادت في العهد السابق. وهو يعني ان الايجابية التي ادت الى القبول بما كان محظوراً «عون رئيساً للجمهورية» بات اليوم «مقبولاً» اقليمياً ودولياً، وبالتالي يبنى على الشيء مقتضاه.

اولا: تسريع تشكيل الحكومة اللبنانية لإقلاع العهد الذي ينتظره أكثر من استحقاق أولها حسب معلومات «البناء» مسألة مكافحة الإرهاب كأولوية توضع على طاولة مجلس الوزراء الذي عايش انقساماً في المرحلة السابقة حول تعريفه والتصرف على أساس طوارئ البلاد بدل حسابات السياسة التي كانت تعوق عمل الجيش اللبناني الذي عاش في العهد الماضي ذيول الاصطفاف السياسي في محطات مثل معارك صيدا الإرهابي أحمد الأسير ومعارك طرابلس، فإحراج الجيش ضمن مفاهيم الإرهاب وتسمياته التي لم تعد ممكنة في العهد الجديد.

ثانياً: حكومة انتخابات عمرها لا يتجاوز خمسة أشهر، كما هو مفترض، وكل الصراع الدائر في الفترة الماضية بين الافرقاء لا يجوز استمراره على اعتبار انها حكومة انتقالية من أجل استكمال تغيير الصورة وإعادة رسم التوازنات من خلال اقرار قانون انتخاب جديد واجراء الانتخابات على اساسه.

ثالثاً: تشكيل الحكومة اللبنانية جاء على وقع تحرير حلب من أيدي المجموعات الإرهابية المتطرفة التي جاءت بشكل سريع جداً بعد استعصاء دام سنوات إلا ان انهيار الدول الداعمة بالأخص تركيا أمام تضييق فرضته روسيا وحلفاؤها في سورية سياسياً واقتصادياً أنتج تطوراً وضع المنطقة بشكل أوضح امام المرحلة الجديدة التي تعد بالتسليم لحضور النظام السوري على الأرض ورفع ملف مكافحة الارهاب بالمنطقة إلى أعلى سلم أولويات الدول الكبرى التي ترسم مستقبلها في الشرق الأوسط مثل روسيا. بالتالي لا يمكن فصل ما يجري في لبنان عن حلب بالشهرين الماضيين.

وعلى وقع تحرير حلب تتشكل الحكومة اللبنانية، وهي التي كان ينتظر البعض تأخيرها لوقت طويل إذا ما جاءت المعارك في حلب بغير التوقعات وتراجعت أسهم النظام السوري فيه مما سيؤدّي إلى رفع أسهم حلفاء الخليج في لبنان وتعقيد التشكيلة الحكومية برفع السقوف ومعها أيّ امل في قانون انتخابي مناسب للأفرقاء كافة، مع تعطل إمكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية بشكل أكيد، فالأجواء كانت ستؤسّس لمفترق طرق ينتظر الدوامة السورية ومخارجها بعيداً عن استكمال البحث بمسألة الشراكة المحلية.

الحريري الذي صرّح بعد إعلان الأمين العام لمجلس الوزراء فؤاد فليلفل عن التشكيلة الحكومة أكد في أول تصريح له كرئيس «أن الحكومة تضع في رأس أولوياتها الحفاظ على الاستقرار الأمني في ظلّ الحرائق في المنطقة وعزل لبنان عن التداعيات السلبية للأزمة السورية دعا المجتمع الدولي ان يتحمّل المجتمع مسؤوليته كاملة في مساعدة لبنان على تحمّل أعباء نزوح الأخوة السوريين الهاربين من المجازر «الوحشية» في حلب.

أول كلمة للحريري كرئيس فعلي لرئاسة الحكومة اللبنانية حضرت فيها حساباته الإقليمية، وهو ما وصفته مصادر سياسية لـ»البناء» بجرعة دعم إقليمية مطلوبة وضرورية من الحريري الذي تسلّم رئاسة الوزراء اللبنانية. وهي منبر لا يستهان به من أصل المواقف العربية في وقت تعاني الدول الداعمة للمعارضة المسلحة التي اصطفّ الى جانبها الحريري من هشاشة الموقف وضعف الرؤية سياسياً وأمنياً إن كان في الملف السوري وحتى الملف اليمني، ويتابع: «موقف الحريري يضاف الى محاولات لفت الانظار دائماً الى انّ مشاركته مع حلفاء حزب الله بين التيار الوطني الحر والمردة وغيرهما، إلا انّ هذا لا يعني أنّ شيئاً من مواقف الحريري قد يتبدّل قبل أن يخرج موقف علني ونهائي من المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص من النظام السوري وشخص الرئيس الأسد.

ويختم المصدر لـ»البناء»: من المتوقع أن تحمل هذه الحكومة على ما بشر فيه خطاب الحريري الأول الكثير من رسائل التشنّج والتحريض، فحكومة انتخابات لا تسعى غالباً إلا لحشد اكبر قدر ممكن من الناس في صندوق انتخابي واحد، فكيف بحالة الرئيس الحريري غير المطمئن لوضعه الانتخابي حتى اللحظة بوجه التطرف السني الذي ظهر مؤخراً؟ فليتحضّر اللبنانيون لحكومة حشد وجذب حتى تاريخ الانتخابات».

لا يغفل عن الحريري أنّ الوحشية التي يتحدث عنها أنتجت ترجمة لانتصار سورية وحلفائها بتمسك حزب الله بعون رئيساً، وأنه لم يكن قادراً لولا هذه الصيغة أن يسمّى رئيساً للوزراء بـ 112 صوتاً نيابياً في وقت كانت أسهم الحريري تتراجع في المملكة بوجه خصمه ريفي.

يعرف الحريري أنّ كواليس السياسة تنسب المعادلة التالية لأمين عام حزب الله التي فرضها بقوة حضور حزبه إقليمياً: «رئيس سني قوي مقابل رئيس مسيحي قوي» وأنه بدونها لم يكن ليحصل على ثقة السعوديين بعدما أخفق محلياً وغادر وعاد مع أزمات مالية بتعرية سعودية.

«وحشية» انتصر فيها النظام السوري وقبل الحريري بركاتها…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى