مقارنات تكشف حجم التغيير في سورية

ناصر قنديل

– منذ بدأت المساعي الدولية والإقليمية لحلّ سياسي في سورية كانت أحجام أدوار الحلفاء الإقليميين والدوليين للفريقين السوريين المتقابلين، الدولة وتشكيلات الجماعات المعارضة السياسية والعسكرية، تعكس حاصل موازين القوى الميدانية بين هذين الفريقين من جهة، والموازين الحاكمة للمعادلات الدولية والإقليمية ومتغيّراتها. ففي بداية المساعي كان بيان جنيف قي عام 2012، وقد كانت إيران غائبة عنه، والأصحّ مغيّبة، وكان حلفاء الجماعات المعادية للدولة السورية طاغية على الحضور، حتى يكاد يبدو حضور روسيا والصين هزيلاً وسط هذا الحشد المعادي، فقد ضمّ الاجتماع الذي عقد في 20 أيار 2012 كلاً من الأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام لجامعة الدول العربية ووزراء خارجية الاتحاد الروسي وتركيا والصين وفرنسا وقطر رئيسة لجنة جامعة الدول العربية لمتابعة الوضع في سورية والعراق رئيس مؤتمر قمة جامعة الدول العربية والكويت رئيسة مجلس وزراء الخارجية التابع لجامعة الدول العربية والمملكة المتحدة وإيرلندا الشمالية والولايات المتحدة وممثلة الاتحاد الأوروبي السامية للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، بوصفهم مجموعة العمل من أجل سورية، برئاسة المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لسورية، ونسبة الأصدقاء للدولة السورية من خصومها هنا هي ثلاثة من ثلاثة عشر أيّ أقلّ من الربع، ولم يكن غياب إيران سهواً بل قرار سياسي.

– في الاجتماع الذي عُقد بعد أربع سنوات ونصف في 20 كانون الأول 2016 في موسكو وضمّ وزراء الخارجية والدفاع في روسيا وتركيا وإيران والذي انتهى بوثيقة للحلّ السياسي، وحلّ بذلك مكان اجتماع جنيف النسبة لأصدقاء الدولة السورية قياساً بخصومها هي الثلثان، ولم يكن الغياب السعودي سهواً بل قرار سياسي.

– في مفاوضات جنيف التي بدأ التمهيد لها نهاية 2013 وعقدت مطلع العام 2014 أيّ قبل سنتين تماماً، وجهت الأمم المتحدة بعد مداخلات روسية حثيثة بطاقة دعوة إلى إيران، للمشاركة في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر لم يلبث أن سحبها الأمين العام بان كي مون، ولم يكن بيد وزير خارجية روسيا سوى الاعتراض وقبول الأمر الواقع بالمشاركة، رغم هذا الاستفزاز، وصدر بيان سعودي علني يدعو لاستبعاد إيران. ففي 20 كانون الثاني 2014 أعلنت السلطات السعودية أنها ترفض مشاركة إيران في مؤتمر «جنيف – 2» الهادف لبحث الأزمة السورية بسبب رفض طهران شرط تشكيل حكومة انتقالية ولوجود «قوات تابعة لها تحارب مع النظام السوري»». ونقلت وكالة الأنباء الرسمية عن مصدر مسؤول قوله إنّ «الموافقة العلنية على شروط الدعوة هو أن يعلن رسمياً وعلنياً عن قبول الشروط وأولها إنشاء حكومة انتقالية للسلطات، أما إيران فلم تعلن عن هذا الموقف مما لا يؤهّلها للحضور خاصة أنّ لها قوات عسكرية تحارب جنباً إلى جنب مع قوات النظام».

– في التمهيد لمفاوضات أستانة أعلنت روسيا وتركيا الرغبة بضمّ مشاركين جدد لرعاية المسار السياسي، ومن ضمن المعنيين السعودية، فأعلنت إيران رفض مشاركة السعودية، فأعلنت إيران بلسان وزير دفاعها يوم 28 كانون الأول 2016 أنه يجب عدم السماح بمشاركة السعودية في عملية السلام في الجمهورية السورية، وذكرت وكالة الإعلام الروسية الثلاثاء أنّ تصريحات دهقان جاءت خلال مقابلة مع قناة «موسكو اليوم» التلفزيونية الروسية. ونقل عن دهقان قوله إنه يعتقد أنّ إصرار السعودية على تنحّي السيد الرئيس بشار الأسد يعني أنه يجب ألا تشارك الرياض في محادثات السلام السورية المستقبلية.

– قبل سنة عندما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه جاء بقواته إلى سورية ليسقط شعار إسقاط النظام، وفرض معادلة قوامها أولوية الحرب على الإرهاب وحلّ سياسي سوري سوري، يحتكم فيه السوريون إلى صناديق الاقتراع، سخر الكثيرون من كلامه. وها هو الرئيس بوتين بعد سنة من كلامه، يصادق على أول اتفاقية جدية لوقف النار وبدء مسار سياسي بين الفصائل الوازنة في ميدان القتال التي ترعاها تركيا، والحكومة السورية، تستثني تنظيم داعش وجبهة النصرة، بينما تغيب واشنطن عن المشهد، ويستعدّ رئيسها باراك أوباما للرحيل بعدما حدّد مواعيد متعدّدة ومتكرّرة لرحيل الرئيس السوري، وحذر موسكو مراراً من الفشل الذي ستحصد ثماره بسبب تدخلها في الحرب السورية. ويستعدّ الرئيس الجديد لتسلّم السلطة وهو يقول إنّ أولويته هي التعاون مع الرئيس الروسي وإنّ قضية تغيير النظام وإسقاط الرئيس السوري ليست قضية تهمّ الأميركيين، متسائلاً: لماذا لا نتعاون معه طالما أولويتنا قتال الإرهاب وهو يقاتل الإرهاب؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى