حقائق عن دور العثمانيين الجدد ومؤامراتهم على سورية

عبد الغني البيلاني

لكي نستطيع استيعاب الأحداث الجارية على الأرض السورية لا بد لنا من تقييمها على قواعد حقوقية واجتماعية معترف بها وقائمة في الوجود للولوج إلى الحقيقة، فالحقيقة هدف يسعى إليه كلّ مواطن مخلص لنفسه ولوطنه، ولا يمكن الوصول إليها إنْ لم يكن للحق الإنساني والاجتماعي مكان بين جوانبها.

ما بين أيدينا اليوم خبر طُرح منذ مدة في وسائل الإعلام موثق بالصور وخاصة التركية منها مختلف تماماً عن الحق والحقيقة، قد يبدو للوهلة الأولى حينها خبراً عادياً أن يزور رئيس وزراء تركيا السابق داوود أوغلو ضريح سليمان شاه الجدّ الأول للعثمانيين، كعنوان قد يجد البعض فيه البراءة، والموضوع عبارة عن إنعاش الذاكرة المتعلقة بالتاريخ، ولولا بعض الحقائق التي بحاجة للتأكد منها والتأكيد عليها لكان فعلاً خبراً بريئاً، لذلك لا بدّ لنا من العودة للتاريخ القريب والبعيد لنعيد اكتشافه لمن لا يعلم ونثبته انطلاقاً من الحدث اليوم.

ماهية الهدف…

منذ بدء الهجمة على سورية كثُرت تصريحات الأتراك عن إقامة منطقة عازلة على الحدود المشتركة، والهدف المعلن حماية المواطنين، وأخذوا يهدّدون ويتوعّدون بتدخل عسكري برّي لإنجاز هدفهم البريء، ولينتهي المطاف الأول بدخول أوغلو الأراضي السورية متسللاً بحجة زيارة الضريح، ليتبيّن في ما بعد أنّ الهدف الحقيقي من هذه التصريحات وهذا التسلل في الدخول، الدعاية الانتخابية واستنهاض النزعة التوسعية لدى القوميين الأتراك، وفعلاً استثمر ذلك مباشرة في الدعاية من طريقة نشر الخبر والصور المأخوذة في الضريح للموكب ومع مرافقيه ولتنكشف أكذوبة الحرص على المواطنين السوريين، والأهمّ برز جلياً واضحاً مدى الانغماس في تفتيت وحدة الأرض السورية، وظهرت العلاقة التزاوجية مع المسلحين من خلال تسهيلهم دخوله بعدّته وعتاده مع الصحافيين دون عوائق أو مواجهة مع أحد، إذاً دعونا نسجل ما تقدّم تحت عنوان الكذبة الأولى.

الارتباط الكذبة الثانية

يبدأ التمهيد لإنشاء معسكرات اللجوء عند بدء الأزمة أو بالتحديد قبل ثلاثة أشهر من بدء ما سمّي الحراك الشعبي وجُهزت هذه المعسكرات بالخيام والطرقات والمرافق العامة والأهمّ بالأسلاك الشائكة، التي احتضنت الجميع لإحكام السيطرة وزُيّنت بالعلم التركي، ومن يرجع للتاريخ سيلاحظ تماماً أوجه الشبه ما بين هذه المخيمات والمعسكرات النازية ابان الحرب العالمية الثانية، بفارق بسيط أنّ التصفية بدأت من حين عملوا على غسل عقولهم وشحنهم بأفكار هدامة، غُلّفت بإطار ديني للإيحاء بعكس الواقع أنهم جند الله المختارون لإعلاء كلمته، وليكتمل مشهد الإقناع اختاروا لهم أسماء تنظيمات من عمق التاريخ نور الدين الزنكي والسلطان مراد… وكنّوهم بأسماء شخصيات موغلة بالقدم من الصحابة أبو صهيب أو أبو خالد أو بعض أسماء الخلفاء الراشدين وبعدها اهتمّوا في الشكل واللباس لينسجموا مع الاسم والتاريخ، ومن ثم العتاد والسيارات التي تمّ وضع الرشاشات الثقيلة ولوحات تحمل الرمز « S A – A» ، وبعدها تمّ إرسالهم للقتال على الأرض السورية.

لم تتوقف الأبواق الإعلامية عن دعوة السوريين الأحرار لشغل هذه المعسكرات ليتبيّن في ما بعد أنّ الإدارة التركية أنفقت عليها أربعة مليارات دولار في عامها الأول.

السؤال يستدعي الآخر

هل الحكومة التركية بهذه السذاجة لهدر الأموال؟

هل الهدف إنساني بريء؟ أو هناك هدف شيطاني ما يقف خلف هذا الكرم؟

لمزيد من الإيضاح… يقف الساحر أمام الجمهور أنيق الملبس مع ابتسامة عريضة توحي بالطمأنينة، مع مساعدة جميلة لم تكف الأقمشة لملء كامل جسدها واضعة يديها على خصرها مع وقفة فيها من الغِنج الكثير ويبدأ العرض… مرة يُخرج أرنباً من قبعته، وأخرى منديلاً لا ينتهي من جيبه، والكلّ يدرك أنه يستخدم الخدع والإغراء ليمرّر حركات كهذه، وبالرغم من ذلك يتظاهرون بالدهشة لخفة يده وشطارته ويصفقون بحماس، والبعض الآخر يكافئه بقطع نقدية يضعها في قبعته عندما تدور عليهم مساعدته الحسناء.

وهذا ما كان حاصلاً منذ بدء الأزمة، فالصديق فوق العادة للديكتاتور رجب طيب أردوغان صاحب نظرية «صفر مشاكل» مع الجوار، الجاهز لتقديم النصائح والذي جفا النوم عينيه حرصاً على سورية ومواطنيها، مادّاً يد الصداقة والتعاون واليد الأخرى تعبث بحرية في هدم القيم الاجتماعية الجامعة للسوريين، ويقدم فصلاً فيه من الخداع والتضليل ما يسري على السذّج الذين يؤخذون بالسطحي والهيّن وينتشون بسحر الكلمات التي تدغدغ العواطف.

وكان السؤال الذي طرحه ضعاف العقول والنفوس: لماذا نعمل؟ ولمن نزرع الحقول؟

وهناك من يقدّم لنا الطعام والشراب ومستلزمات العيش ومصروف الجيب وخلافه وهكذا كان، وبدأوا بالتوافد لملء هذه المعسكرات…

وهنا نستطيع أن نسجل ما ورد أعلاه في إطار الكذبة الثالثة، بعد أسابيع بدأت الخطوة الثانية…

الكذبة الثالثة

أنتم أصحاب حقوق ولتحصيلها عليكم الجهاد ، نساؤكم أطفالكم أمانة، سلاحكم حاضر وعتادكم وذخائركم والأخضر والزهري وخراج يومكم.

بعد أشهر وثائق تنقّلكم وإقاماتكم لكلّ مجتهد بالنضال متاحة…

وهنا نعود لنقطة البداية.. لماذا استخدام القوة لإنشاء المنطقة العازلة؟

إذا كان مجموع هؤلاء السكان سيصبحون أتراكاً، هم وما يملكون قد تأخذ بعض الوقت لمرور السنوات المطلوبة لنيل الجنسية التركية.. ولم لا.. إنّ من يدفع الثمن المواطن السوري بتشتّت عائلته وإن زهقت روحه بالجهاد فهناك من ينتظر لأخذ مكانه فالسعي لنيل الحرية لا يأتي بدون تضحية.

الجنسية الكذبة الرابعة

مرت السنوات المطلوبة للحصول على الجنسية التركية، ولكنها لم تمنح للجميع ولم يشفع للبعض منهم أنهم من أصول أو جذور تركمانية، وليتبيّن أنّ أول الحاصلين على الجنسية سكان مدينة الباب والريف المحيط بها، ولينكشف المشهد بإعلان الأتراك عن تشكيل فصائل مسلحة بتغيير رايات وملابس الدواعش وتسميتها درع الفرات مدّعية محاربة داعش، وعلى الأرض تقتل الأكراد لتربّي بهم أكراد تركيا ولتقضي على حلم التحرّر لديهم.

التمدد الكذبة الخامسة..

على ضفاف نهر الفرات أنشأت تركيا أول معسكر جرابلس على الأراضي السورية بعد عام على بدء الهجمة، بهدوء ومن دون شوشرة إعلامية، لإسكان خمسة آلاف مواطن سوري مدّعية أنّ الهدف إنساني نبيل، بدليل رفعها العلم التركي فوق المعسكر، والصديق الأردوغاني والمجتمع الدولي جاهزون للدفع… وما إشراك الأوروبيين سوى لنيل الشرعية، بهكذا موطئ قدم فوق الأرض السورية الذي استُخدم بعدها كمعبر للسلاح ولتسرّب المقاتلين.

أمُّ الكذب أو الكذبة الكبرى

الجدّ الأول للأتراك هل هو حقيقة أم كذبة؟

1 ـ لمن يهتمّ ويراجع السجلات العثمانية فإنه لن يجد ما يثبت أنّ هناك شخصاً ما في التاريخ حمل اسم سليمان شاه المزعوم أو قام بأيّ عمل يعطيه أهمية أو صفة أنّه سلطان أو أمير.

2 ـ الموجود قوطلمُش أوغلو سليمان وسجِّل أنه انتحر بالسيف بوضعه على الأرض وإلقاء نفسه عليه وهو قائد صنف ثالث ومؤسس الدولة السلجوقية.

3 ـ تقول المؤرّخة التركية المعاصرة «عايشة حر» لا يوجد بالتاريخ ما يشير أو ما يثبت أنّ هذا القائد مؤسس الدولة السلجوقية حتى أنه لا يوجد أيّ شيء عن هذه الشخصية ولا عن إنجازات قام بها.

4 ـ بعد موت المذكور بقيت قلعة جعبر سنوات طويلة حتى سقطت بيد السلاجقة.

5 ـ ابنه قمُش أصلان الأول، غرق وهو يقطع نهر الخابور مع رجاله، وإنْ كان هو المقصود بالمزار فهناك مغالطة أن يقال غرق في نهر الفرات لبعد المسافة.

6 ـ يذكر التاريخ أنه بعد حرب ملاظ كورد عام 1071حدثت الوفاة أي بفرق خمسة عشر عاما عن تاريخ الوفاة المزعوم.

7 ـ يذكر المؤرخ أبو الفرج أنّ حاكم انطاكية التي كانت إمارة صليبية قاتل أخوه الملك شاه قاطوش قرب حلب في 5 حزيران 1086، وهو نفس التاريخ الذي يدّعون فيه أنّ المدعو سليمان شاه قد غرق.

8 ـ يقول بعض المؤرّخين الأتراك إنّ المزار الفارغ «لا رفات فيه»، قد يجوز أن يكون للسلطان أولت أرسلان شاه الذي انتصر على بيزنطة.

الحقيقة الكاملة

1 ـ اتفاقية أنقرة الأولى عام 1921هي ثنائية بين الفرنسي فرانكلين بويون والتركي حسين كمال ورد فيها:

المادة الثامنة: حدود الجمهورية التركية لا تشمل لواء اسكندرون.

المادة التاسعة: الدولة الفرنسية تمنح الجمهورية التركية رعاية المزار المزعوم وتسمح برفع العلم التركي فوقه وإقامة حرس عليه.

2 ـ الاتفاقية الدولية الائتلافية في لوزان 24 تموز 1923

المادة الثامنة المتعلقة بالحدود ثُبتت، وبقي لواء اسكندرون خارج حدود الدولة التركية.

المادة التاسعة: تمّ إغفالها إلغاؤها فهي غير موجودة المتعلقة بالمزار المزعوم .

بحكم هذه الاتفاقية الدولية التي وقعت عليها انكلترا – فرنسا ايطاليا – اليابان اليونان رومانيا – الصرب كرواتيا – سلوفانيا وأصبحت هذه الاتفاقية نافذة وشرعية من تاريخ التوقيع عليها.

من هنا نلفت الانتباه إلى أنّ صكّ الانتداب على سورية صدر عن عصبة الأمم في 24 حزيران 1922 أيّ أنّ فرنسا عندما اشتركت في إصدار اتفاقية أنقرة الأولى عام 1921 لم تكن مؤهلة ولا تحمل أيّ صفة لتفاوض باسم سورية، وهذا متروك للحقوقيين لمتابعته.

لذلك:

1 ـ إنّ المزار المزعوم فارغ «لا جثة فيه»، ومخالف لاتفاقية لوزان، ولا يوجد ما يبرّر وجوده على الأرض السورية، وآن الأوان لهذه الكذبة الكبيرة أن تزول وتنتهي بإزالته.

2 ـ لا يوجد أيّ حق أو استحقاق دولي في قلعة جعبر والمزار، وإنّ ادّعاء الجمهورية التركية غير شرعي وباطل.

– 3الزيارة التي قام بها داوود اوغلو قبل الانتخابات غير شرعية، وهي اعتداء على الدولة السورية ويجب على المراجع المختصة أخذ الإجراء الدولي المناسب بذلك، هذا من جهة، ومن جهة ثانية تفضح علاقة أوغلو مع المسلحين.

-4 حسب اتفاقية لوزان الدولية لا شرعية لاحتلال كيليكيا ولواء اسكندرون، وذلك مثبت في كتاب بعنوان الاتفاقيات التي أدت إلى تأسيس الجمهورية التركية الصادر عن مجموعة مؤرخين أتراك وباللغة التركية.

5- إنّ السنوات التي مرّت من عمر الأزمة الهجمة على سورية لا تشكل سوى مفصل صغير من عمر الأمة، وكلما مرت الأيام يظهر مدى تورط العثمانيين الجدد بالدم السوري.

-6التاريخ حافل بعشرات القصص عن الغزاة والطامعين بالأرض السورية ولكن في كلّ مرة كانت تنتصر إرادة الحق والحياة وتسطع أنوار الحقيقة.

مراجع

ـ المؤرخ الأرمني أليشار بايرا ميان قضية لواء اسكندرون والدبلوماسية الدولية 1936.

ـ الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير لواء اسكندرون – المقاومة السورية – علي كيالي 1995 «محنة اللواء».

ـ محمد علي الزرقة قضية لواء اسكندرون وثائق.

ـ الكاتب هـ غوردون سورية كما هي 1936 لندن.

ـ ل. لور ليفران وغونتو من أنقرة إلى لوزان 1924 باريس.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى