المجلس الوطني الفلسطيني… العقبات والمعيقات

رامز مصطفى

منذ أن تقرّر عقد المجلس الوطني الفلسطيني، كأحد مخرجات المؤتمر العام السابع لحركة فتح الذي عُقد في التاسع والعشرين من تشرين الثاني من العام الفائت، انصرفت الساحة الفلسطينية بكليتها نحو متابعة خطوة عقد المجلس، وفي المقدمة منها الفصائل التي أبدت مواقف متفاوتة في ما بينها، وهذا لا يمنع أن قاسماً مشتركاً التقت عنده وهو أهمية عقد المجلس على اعتبار أنه أم المؤسسات الوطنية الفلسطينية. ولكن السؤال الأبرز والمطروح، هو في الكيفية والآلية لعقد المجلس في ظلّ هذا الكمّ الكبير من الخلافات التي تعاني منها الساحة الفلسطينية؟ والفشل في إنهاء الانقسام ومن ثم إنجاز المصالحة يمثل قاعدة تلك الخلافات ورأسها، لأن جذر الخلاف كان وسيبقى سياسياً بامتياز.

رئيس السلطة كان السباق في تحديد رؤيته لعقد المجلس، والقائمة على محددين، الأول أن مكان التئام المجلس ومكانه هي أراضي السلطة، والثاني، أنّ انضمام حماس والجهاد لمنظمة التحرير مدخله المُلزم يتطلب منهما الاعتراف بالبرنامج السياسي للمنظمة. بمعنى أوضح الاعتراف بـ»أوسلو « ومخرجاته. والمبرر الذي يسوقه رئيس السلطة، أنّه ومن دون الاعتراف بالبرنامج السياسي، سيعرض المنظمة والسلطة للقطيعة من قبل الأميركيين والأوروبيين، ويستحضر في هذا السياق القطيعة التي تعرضت لها السلطة بعد فوز حماس الكاسح في انتخابات المجلس التشريعي كانون الثاني 2006، من دون التناسي أو النسيان أن التشريعي هو أحد إفرازات «أوسلو».

تحت هذين المحددين في رؤية رئيس السلطة السيد أبو مازن تعمل الماكينة المحيطة به في كل من المنظمة والسلطة وفتح. وهي قد تبلغت مواقف العديد من الفصائل حول رفضها حضور المجلس تحت حراب الاحتلال «الإسرائيلي»، سواء بالمباشر أو عبر وسائل الإعلام. وهناك من قدمّ النصيحة لبعض قيادات فتح، في عدم استعجال الأمر وضرورة عقد اجتماعات للجنة التحضيرية وهي التي تشكلت منذ اتفاق القاهرة في أذار 2005، وتم التأكيد عليها في أيار 2011 أيضاً في القاهرة. الأمر الذي تمّ تلقّفه باهتمام، حيث تمّ الإيعاز للأخ سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني المنتهية ولايته منذ ما يزيد عن العقدين من الزمن، إلى المبادرة في دعوة اللجنة التحضيرية للاجتماع في بيروت، وفي عدادها رئيس المجلس الوطني والأمناء العامون للفصائل أو من ينوب عنهم، وأعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة. من دون معرفة نقاط جدول أعمال اجتماعاتها سوى مناقشة عقد المجلس. والمؤكد أن جميع مَن وجّهت إليهم دعوة الحضور سيشاركون، وهذا أمر إيجابي يقطع الطريق أمام الرهان أن الدعوة ستواجه بالرفض من قبل الكثير من الفصائل.

وحتى لا نستبق نتائج اجتماعات اللجنة التحضيرية خلال الأيام المقبلة، في تقديري أنّ اللجنة لن تناقش كافة المواضيع والعناوين التي يحملها أعضاء اللجنة، لا من حيث رغبة البعض المشارك، ولا من حيث الوقت المتاح، خصوصاً كما أسلفت أن حجم الخلاف كبير. وما نخشاه أن تنتقل نقاط الخلاف إلى اجتماعات «التحضيرية». وهذا ما يُفسر الاجتماع الذي جمع عزام الأحمد مع كل من خالد مشعل واسماعيل هنية والدكتور موسى أبو مرزوق في الدوحة قبيل اجتماعات «التحضيرية» بأيام قليلة. وهو اجتماع لم يكن مقرّراً سابقاً، وكأن اللقاء جاء محاولة من الرئيس في الطلب من قيادة حماس إلى عدم التطرق إلى نقاط خلافية قد تُفجّر اجتماعات «التحضيرية»، أو محاولة للتفاهم على مخرجات محددة لاجتماعات «التحضيرية». هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة وكواليس اجتماعات «التحضيرية» واللقاءات التي ستعقد على هامشها بين الفصائل.

المجلس الوطني وعقده في دورة عادية دونه عقبات ومعيقات كثيرة، ويقع في مقدمتها:

البرنامج السياسي الذي يفُترض الاتفاق عليه، مما يعني فتح الباب أمام تقييم للسياق السياسي خلال المرحلة السابقة، وعلى نتائج التقييم تحميل للمسؤوليات وإن لم يكن الإفصاح عنها صراحة، لحسابات من هنا أو هناك. ورئيس السلطة سلفاً قد حدد سقف هذا البرنامج في اشتراطه دخول حركتي حماس والجهاد إلى منظمة التحرير. وهذا يعني أن حركة الجهاد عليها إسقاط مبادرتها، التي أدخلها رئيس السلطة في الغيبوبة السياسية، بعد أن تهرّب من مناقشتها من قريب أو بعيد.

مكان انعقاد المؤتمر، سيكون مثار خلاف، لأن هناك رفضاً لعدد لا يُستهان به من الفصائل لعقده في رام الله، تحت حراب الاحتلال، وهذا يُعاكس رغبة أبو مازن. وهناك مَن بدأ القول إذا ما عُقد المجلس في الشتات من سيضمن حضور من في الداخل إذا ما منعهم الاحتلال من المغادرة، وتحديداً أعضاء المجلس التشريعي من حركة حماس وغيرها. وهنا على ما يبدو أنّ المُسرّب في وسائل الإعلام ليس بريئاً أو محض أفكار، أن يعقد المجلس في الداخل الفلسطيني المحتل، ومن لا يتمكّن من الحضور يمكن ربطه عبر «راديو كنفرانس «.

المصالحة وإنهاء الانقسام، فهناك مَن يرى أن إنجازها أمر حيوي جداً لتمرير المجلس بهدوء، ومن دون خلافات قد تفجر كل شيء، وتغلق الأفق نهائياً أمامها، وهو في الأصل مغلق. وفشل حركتي فتح وحماس فتح الطريق أمام تدخل العديد من الدول ليس آخرها روسيا التي وجهت دعوات لعدد من الفصائل لإجراء حوارات بينها. وكان قد سبقتها سويسرا الشهر الماضي لهذه الغاية.

توزيع النسب بين الفصائل والقوى، نقطة خلافية، فعلى سبيل الذكر كانت حماس سابقاً تطالب بـ 40 بالمئة من عدد مقاعد المجلس الوطني. وبالتالي من الرئيس القادم للمجلس وأعضاء مكتبه. وسؤال مشروع هل الفصائل ستتقاسم النسب بينها؟ من دون أن تكون المشاركة الجدية للنخب والقطاعات الشعبية الفلسطينية، التي يجب أن يُؤكد عليها وبقوة، وعدم السماح بتهميشها على الإطلاق.

وكيف سيتم الاتفاق على أعداد أعضاء اللجنة التنفيذية، وهل ستقبل مثلاً حماس بممثل واحد لها، في الوقت الذي تستحوذ فتح على العدد الأكبر من أعضاء «التنفيذية»؟ وهل مشروط بعضو اللجنة التنفيذية أن يتواجد في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟ وبالتالي دوائر المنظمة كيف ستوزع بين الفصائل؟

من الآن وحتى عقد المجلس الوطني الفلسطيني في دورته العادية، علينا الانتظار، أولاً إلى ما ستفضي إليه اجتماعات اللجنة التحضيرية من نتائج، والتي من المقدّر لها أن تعود للاجتماع مجدداً إذا سارت الأمور بشكل هادئ ومن دون خلافات طاغية، وثانياً إلى ما ستقود إليه الحوارات المقرّرة وبدعوة روسيا، في النصف الأول من الشهر الجاري في موسكو. وثالثاً وأخيراً، علينا ألاّ نُسقط من حساباتنا أن عقد المجلس قد يكون مرهوناً إلى ما سيفضي إليه مؤتمر باريس حول التسوية، بمعنى إذا سارت الأمور باتجاه يُرضي أبو مازن قد يُدير الظهر له بحجة الخلافات التي قد تقع وهي مرجحة، وأنّ الظروف لا تسمح بعقده، وتطيير الانتخابات المحلية في الأراضي المحتلة لا يزال ماثلاً أمامنا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى