خطاب وداع أوباما أم هزيمة أميركا؟

سعد الله الخليل

يستحق خطاب نهاية العهد الذي أطلقه الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي شارف على الخروج من البيت الأبيض، أن يطلق عليه الخطاب الأضعف لأسوأ رئيس مرّ على تاريخ بلد بحجم الولايات المتحدة الأميركية، التي خسرت في عهده دورها المحوري كالبلد الأعظم عالمياً.

بدا واضحاً ضعف الإدارة الأميركية في التعاطي مع القضايا الأساسية في السياسة الأميركية، التي أضعفتها سيطرة أعضاء الكونغرس، من الجمهوريين، على سلطة ولاية أوباما، طيلة فترتي رئاسته وإصرارهم على وداعه بجملة من الاخفاقات على أكثر من صعيد، سواء بالسياسات الداخلية أو الخارجية وعلى المستويات الدولية، حصوصا تلك المتعلقة بقضايا الأمن القومي، التي لطالما اعتبرتها واشنطن أولوية وبوابة أساسية لشنّ حروبها، وفق مقتضيات المصلحة الأميركية العليا، التي يلتزم الرئيس بتحقيقها. فبدا أوباما كالمحارب الفاشل الذي لم يكتف بخسارة كلّ حروبه، بل سمح لخصومه بإعلان انتصاراتهم ووقف على الهامش ينتظر فتات الغنائم.

فشل أوباما باستثمار الزخم الكبير الذي رافق تسلمه سدة الحكم في واشنطن، بتحقيق مساحات من السلام حول العالم. وعلى الرغم من إصراره على سحب الجيش الأميركي من العراق، مطلع عام 2012 ، بعد تسع سنوات من الاحتلال وسحب جزء كبير من قوات بلاده في أفغانستان، فإنّ أوباما أشعل من الحروب أضعاف حروب سلفه جورج بوش، مع فارق جوهري، بأنّ حروب بوش، الابن، رسمت خرائط جديدة للمنطقة ووضعت قواعد اشتباك عالمية يصعب تجاوزها ورسخت مكانة الولايات المتحدة كصانع أوحد للسياسات العالمية وزادت من رصيد استهلكه أوباما بسنوات حكمه الثمانية، بحروبه العبثية في الشرق الأوسط وارتداداتها التي شملت العالم كله، بما فيها الولايات المتحدة، من دون أن تحقق أيّ مكسب لواشنطن، أو حلفائها في المنطقة. وحتى الحرب ضد طهران، التي لطالما اعتبرتها واشنطن حرب الخير ضدّ الشرّ، اضطر أوباما للسير في تسوية الملف النووي وفق رؤية طهران.

من بوابة الإسلام التي دخلها أوباما «للبحث عن بداية جديدة بين الولايات المتحدة والمسلمين حول العالم، استناداً إلى المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل»، كما ورد في خطابه الشهير عن الإسلام في القاهرة. وصلت واشنطن بنهاية عهده، لقناعة راسخة بالدور المشبوه لإدارة «أبو حسين» بإيجاد «داعش» و«النصرة»، كتفسير لرؤية أوباما «بأنّ أميركا والإسلام لا يعارضان بعضهما البعض ولا داعي للتنافس في ما بينهما، بل لهما قواسم ومبادئ مشتركة يلتقيان عبرها». وهو ما كشفت عنه السنوات الست الماضية، عن الرابط الوثيق بين واشنطن والتنظيمات الإرهابية، بما لا يقلّ عن أهمية الروابط المتينة التي جمعت تنظيم «القاعدة» بواشنطن، في عهد جورج بوش، الابن. أما «مبادئ العدالة والتقدّم والتسامح وكرامة كلّ إنسان» فذهبت في أدراج الحروب العبثية.

لم ينتظر وزير الخارجية الأميركي جون كيري، انتهاء فترة حكم رأس إدارته، ليكشف رهان أوباما على انتشار تنظيم «داعش» الإرهابي، لحصار الدولة السورية ولإسقاط الرئيس بشار الأسد، أو دفعه للتفاوض مع واشنطن. وهو ما يدلل على الرؤية القاصرة لدى أوباما، التي عبّر عنها كيري بالقول: «بدلاً من التفاوض، حصلت سورية على دعم بوتين». وبالتالي، أسقط «داعش» واشنطن في فخ الاستخدام الوظيفي وشرعن التدخل الروسي في سورية وجعل من موسكو شريكاً في الحرب على الإرهاب ليقدم دليلاً جديداً على كذب الادعاء الأميركي بمحاربة الإرهاب و«داعش» على وجه الخصوص، يضاف إلى مئات الأدلة التي قدمتها سورية وروسيا، على لسان أحد أبرز أركان الإدارة الأميركية.

سلّمت واشنطن انطلاقاً من الحرب على سورية، موسكو الزعامة العالمية وصناعة القرار، مرغمة. وانطلاقاً من خسارة رهاناتها، كتتويج لخسائر سابقة في ليبيا واليمن والعراق، بعد أن أثبتت موسكو كذب مزاعم مكافحة الغرب للإرهاب، انطلاقاً من مواقفها العدائية ضدّ سورية خط المواجهة الأول مع الإرهاب، فتحوّلت سورية إلى ساحة المواجهة الأولى، التي أرادت موسكو أن تمسك بها، بالاعتماد على حلفاء أقوياء، بعد أن أثبتت فشل واشنطن وحلفائها بكسر الدولة السورية، لتتحوّل الحرب السورية من حرب على سورية، إلى حرب لتحديد مصير العالم. وهو ما دفع عقلاء السياسة ومجانين الحرب، على حد سواء، للبحث عن حل سياسي للأزمة في سورية والمحافظة على سيادة أراضيها، لضمان الأمان العالمي. وأمام حالة الترقب الأميركي، لتولي ترامب الحكم والتحرك الروسي السريع، لملء الفراغ، فرضت التطورات وقائع جديدة عسكرية على الأرض، تتمثل بتوسيع نطاق سيطرة الجيش السوري على مساحات جديدة في حلب وريف دمشق ودرعا وتفاوضية، تمثلت بالبدء بالتحضير للمباحثات السورية – السورية في العاصمة الكازاخية أستانة، التي لا يمكن بأي شكل من الأشكال، السماح فيها بفرض معادلات سياسية جديدة، رفضت في محافل أخرى، سواء في جنيف أو لوزان.

دخل أوباما البيت الأبيض كداعية سلام وساع لنشر الأمن والرفاهية. وخرج منه مهزوما لا حول له ولا قوة. إنجازه الوحيد أنه أوجد «داعش» وأخرج بلاده من دائرة الضوء وبصم بالعشرة على تسليم قيصر موسكو زعامة القرار الدولي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى