طهران: «لا إمكانية» لإلغاء الاتفاق النووي

روزانا رمّال

لم تكن لحظة التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني بين الإدارة الأميركية والدول الخمس زائداً واحداً «فرصة» انتخابية بالنسبة للدول المعنية، ولم تكن لحظة «بازار» أو «ترف» سياسي أخذ الإدارة الأميركية باتجاهه، فقرار من هذا النوع اتخذ باجتماع عناصر ترى فيها المؤسسة الأميركية الحاكمة – establishment لحظة مناسبة وتوقيتاً أمثل لإجراء انعطافة من هذا النوع نحو إيران.

يتحدّث دبلوماسيون عايشوا لحظات المفاوضات العصيبة في الملف والتحديات التي واجهت إيران بين مواجهة العزلة والعقوبات السياسية على مدى 12 عاماً، وصولاً حتى مفاوضات لوزان عن دقة الملف والإنجاز التاريخي فلحظة الاتفاق على حلّ «المعضلة» لم تولد «ميتة»، بل كانت خياراً مدروساً من الجهتين.

لم يكن التطور بالملف النووي في توقيت «طبيعي» من عمر الشرق الأوسط أيضاً، فالأزمات التي تتعلق بهذا الملف إطاراً وخياراً بالنسبة للإيرانيين الذين يرفضون إقحام ملفات أخرى لدى النقاش، لكنها أرخت بثقلها على الخيار الأميركي وعلى الخيار الإيراني أيضاً.

نقطة التحوّل الروسية في سورية والمشاركة العسكرية فيها، إضافة الى تطور الدور الإيراني في أكثر من خمسة ملفات شرق أوسطية تعني الولايات المتحدة أو حلفاءها مباشرة «افغانستان العراق سورية اليمن لبنان»، جعلت طهران محطة ضرورية في ايّ عملية تفاوضية ترعاها الولايات المتحدة التي تهمّ بالانسحاب من افغانستان كأجندة اتفق عليها مسبقاً، إضافة الى ما أفرزته الأزمة السورية من إعادة رسم سياسات المنطقة الجديدة.

يتحسّب العالم لمواقف الرئيس المنتخب دونالد ترامب المتشنجة كجمهوري مستفزّ يرغب في إرخاء أكبر قدر ممكن من الطمأنينة على مسامع المسؤولين «الإسرائيليين» وهو الذي وضع أولوية الامن «الاسرائيلي» في أعلى اهتماماته قبل ايام من تنصيبه رئيساً في العشرين من الحالي. تصاريح متبانية حتى اللحظة لترامب بينها ما يتحدث عن إلغاء للاتفاق وما يعلن فيه عن مراجعة له. الأمر نفسه يعيشه المرشحون لتسلم وزارات او حقائب في ادارة ترامب أيضاً.

هذا الأمر لا يقتصر على رغبة أميركية فقط، بل هو رغبة بعض الإيرانيين المحافظين ايضاً الذين لم يجدوا في هذا القرار فائدة مباشرة أو ملموسة غيّرت شكل الإيرانيين وحياتهم، كما كان مفترضا حتى الآن.

الاعتراض الموجود في البلدين لا يعني أنّ التهديد او الوعيد مخوّل بحساب انتخابي من هنا او هناك واذا كان هذا جدياً فإنّ هذا يعني أن الاستحقاق الذي ينتظر الرئيس «الإصلاحي» الشيخ حسن روحاني «ليضمن فوزه بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية المقررة في أيار المقبل سيكون معركة يتوجّه فيها المحافظون لإطلاق وعود بإلغاء أو نكث الاتفاقية النووية مع الغرب فهل هذا ممكن في حسابات دولتين واحدة قوة عالمية بحجم الولايات المتحدة الأميركية والثانية قوة إقليمية كإيران؟

التساؤلات هذه تأخذ نحو منهجية العمل السياسي في كلا البلدين والمرجعيات الاساسية التي تتحكم بقرارات من هذا النوع. وفي الحالة الإيرانية لا يمكن الاعتماد على قرار منفرد من الرئيس الشيخ حسن روحاني في وقت معروف ان المرشد الاعلى السيد على خامنئي كان مشرفاً وداعماً للخيار، ما يعني ان لعب المحافظين على هذا الوتر انتخابياً لن يفيد ولن تجدي نفعاً أيضاً مسألة التلويح بإلغائه من جهتهم. الأمر نفسه في واشنطن حيث تحكم المؤسسة الأميركية حساباتٌ بعيدة لا تعتمد على اشخاص.

تبدي القوى الاوروبية المشاركة بالاتفاق رضاها عن آلية تنفيذه وتبدي أيضاً ترحيبها للعلاقات المنفتحة والمريحة التي أصبحت موجودة بينها وبين إيران، زيارات ناجحة لكلّ من ايطاليا وفرنسا قام بها الشيخ روحاني أنتجت صفقات كبرى أصبحت أمراً واقعاً اليوم، بعد كلّ الحديث الذي دار عن أن إيران لن تستفيد وأنّ هناك بطئاً ملحوظاً في التنفيذ.

منذ أيام وعلى مقربة من تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب ودخوله البيت الأبيض تسلّمت إيران أول طائرة ايرباص من طراز اي 321 كدفعة أولى تضمّ عشرات الطائرات من طرازات مختلفة اشترتها طهران مؤخراً من الشركة الأوروبية. ومن المقرّر أن يتمّ تسليم إيران 7 طائرات أخرى خلال العام الحالي من قبل شركة ايرباص الفرنسية.

قناة «سي ان ان» الأميركية كشفت بدورها عن إعلان شركة «بوينغ» الأميركية في 11 كانون الأول 2016، عقد صفقة لبيع 80 طائرة لشركة «طيران إيران» تبلغ قيمتها 16.6 مليار دولار، بعد منح الحكومة الأميركية الموافقة النهائية على الصفقة أيلول الماضي في صفقة تشمل 50 طائرة من طراز «737 Max 8s» و15 طائرة من طراز «777-300ERs» و15 طائرة من طراز «777-9s.

إطلاق العنان لتنفيذ اتفاقيات من هذا النوع، وبهذا الحجم على مقربة من تسلّم ترامب ليس قراراً فرنسياً أحادياً. وهو يعني أن هناك قوة «أمر واقع» لا تريد وضع مسألة إلغاء أو تسييس الاتفاق أمراً قيد التداول، إضافة الى ان صفقات تجارية بهذا الحجم تجعل الأمور أكثر تعقيداً في حال قرر أحد الأطراف نكث الاتفاق.

ماذا سيقول ترامب القادم باسم تحسين وضع الشركات عن إلغائه إحدى أكبر الصفقات لواحدة من أضخم الشركات الأميركية في ما لو حصل؟

تبدو إيران بلسان الناطق باسم خارجيتها بهرام قاسمي شديدة الثقة بأنّ الاتفاق النووي لا يمكن مراجعته أو تغييره، فهو اتفاق دولي ليس بين إيران والولايات المتحدة فقط، بل هو بين إيران ومجموعة «1+5» والاتحاد الأوروبي وقد حظي بتأييد منظمة الأمم المتحدة أيضاً، حسب تعبيره، مؤكداً أن «الكل» مصرّون على تنفيذه الكامل والدقيق.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى