العراق يمدّ يده للسعودية بمباركة إيرانية… والردّ في البحرين بإعدام معارضين الحكومة تفقد زخم انطلاقتها وتبدأ التعثر في قانون الانتخاب والموازنة والنفايات

كتب المحرّر السياسي

بينما تستعدّ موسكو لرسم سقف سياسي لحوار أستانة يمكن الخروج به من دون إعلان الفشل، مع محاولة مشتركة لروسيا وتركيا لاعتماد الفصائل المسلحة بديلاً لهيئة تفاوض مؤتمر الرياض والائتلاف المعارض، يقول الميدان إن الفصائل التي شاركت في الهدنة تحت عباءة تركيا لم تتعلّم ما يلزم بعد لفهم رسالة حلب، وما تقوله معاركها من استحالة المضي بالخيار العسكري، والإقرار بأن الحل السياسي محكوم بالسير تحت هذا السقف، سقف يقوم على قدرة الدولة السورية وحلفائها على الحسم العسكري واستحالة المضي عسكرياً بالرهان على الفصائل. هذا النضج السياسي اللازم لنجاح الحوار يبدو مفقوداً عند قادة الفصائل، وفقاً لما يجري في ميادين القتال، خصوصاً في وادي بردى، حيث تم اغتيال اللواء أحمد الغضبان الذي كان يشكل عنوان التسوية في الوادي، وما ترتّب على ذلك من عودة للقتال، وإذا كان عدم النضج عاملاً حاضراً يُعقّد فرص أستانة، فإن تركيا لا تبدو بعيدة عن ترك أستانة مجرد رأس جسر بانتظار تبلور إدارة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب ورسم سياساتها، خصوصاً ما يهمّ تركيا منها، تجاه الأكراد ومستقبل طلب تسليمها الداعية فتح الله غولن المعارض المقيم في واشنطن.

على ضفة موازية يواكب العراق انتصاراته العسكرية على داعش بمسعى سياسي حواري لصياغة تسوية داخلية، يبدو أن الأطراف العراقية الفاعلة تخوض غمارها بجدية عكستها مقارباتها في مؤتمر حوار بغداد المنعقد في اليومين الماضيين، بمشاركة رؤساء الجمهورية والحكومة ومجلس النواب، وبمباركة إيرانية واضحة عبر عنها حضور رئيس لجنة الأمن والخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي، لكن كما في مسعى التسوية السورية، لا يزال المشروع رأس جسر، لا يُخفي تطلعه نحو ملاقاته من السعودية بإيجابية، تسهّل النجاح وتسهم في مناخات إقليمية تعتمد الحوار في حل قضايا الخلاف، بينما بدا الموقف السعودي متمترساً عند ضفاف الاشتباك الإقليمي ، في رسالة لم تتأخر عن نهاية أعمال المؤتمر مع إعلان حكومة البحرين عن إعدامها ثلاثة شباب معتقلين من المنضوين في صفوف المعارضة بعد اتهامهم ومحاكمتهم بتهمة تفجير عبوة بإحدى آليات «درع الجزيرة».

الحكومة اللبنانية التي انطلقت في مناخات من الاندفاع التوافقي سرّع تشكيلها وبيانها ونيلها الثقة، من ضمن رهان على احتضانها بتوافقات إقليمية شجّعت على توقعها زيارة رئيس الجمهورية إلى السعودية، تبدو متعثرة في مواجهة استحقاقات جدية، يصعب تخطّيها من دون توافقات عميقة لا تبدو في الأفق ولا يمكن للفشل في تحقيق الإنجاز في مواجهتها أن يمرّ من دون ترك آثار يصعب التهوين من تداعياتها على العهد وعلى الحكومة وعلى الآمال التي رافقت الشهر الأخير من العام الماضي. فقانون الانتخاب يبدو صعب الولادة، ويظهر قانون الستين عائداً على حصان أبيض، وقانون الموازنة أمام خيارَيْ الولادة بتسوية تتجاهل حسم قطع الحساب بالطرق القانونية واعتماد التغاضي بديلاً منها، وربما تأجيل سلسلة الرتب والرواتب، لتطل أزمة النفايات مجدداً بمعادلة رئيس شركة طيران الشرق الأوسط، «طير النورس أم طيران الميدل إيست»، ومعادلة الحوت والنورس والنفايات أمام مجلس الوزراء.

تقاعس حكومي في حلّ الأزمات

يبدو أنّ الحكومة التي ستعقد جلستها الثالثة الأربعاء المقبل، بعد نيلها ثقة المجلس النيابي، بدأت تتقاعس في اجتراح حلول جذرية للأزمات العالقة والموروثة من الحكومات المتعاقبة، وفيما لم تضع قانون الانتخاب على جدول أعمالها كما تعهّدت، وكذلك فعلت في ملف مدير عام هيئة أوجيرو عبد المنعم يوسف بإقالته من منصبه ووضعه في تصرف رئيس الحكومة بدلاً من إحالته الى القضاء، تقف عاجزة عن إيجاد حلّ صحي وبيئي لملف النفايات، خصوصاً لمكب برج حمود ومطمر الكوستابرافا والاستعاضة عن ذلك باللجوء الى قتل النوارس من خلال صيادين مزوّدين ببنادق لإبعادها عن مدارج المطار لتهديدها سلامة الطيران بناءً على طلب رئيس مجلس إدارة شركة «ميدل ايست» محمد الحوت الذي خيّر اللبنانيين بين طيور النورس وطيور الـMEA، في حين وصفت جمعيات بيئية ذلك بأنه جريمة بيئية موصوفة، ما يضع الأمر برسم وزارة البيئة التي لم يتمّ التنسيق معها، كما قال الوزير طارق الخطيب لـ»البناء»، مؤكداً أنّ «قتل الطيور التي تحلق على مدرج المطار بسبب مطمر الكوستابرافا لم يكن قراراً حكومياً ولا قرار وزارة البيئة، بل طلب من رئيس مجلس إدارة شركة «ميدل ايست» مع تفهّمنا للمخاطر التي تلمسها على سلامة الطيران».

ولفت الخطيب الى أنّ «هذا الإجراء حصل في ظروف طارئة وفي عطلة الأسبوع، والوزارة ستكلف اليوم فريق عمل مختصّ للتوجّه الى المكان والاطلاع على الوضع واتخاذ الإجراءات اللازمة وإيجاد حلول توازن بين سلامة الطيران وسلامة الطيور، وأشار الى «أننا في الاجتماع الأخير الذي ضمّ وزيري البيئة والأشغال مع رئيس الحكومة سعد الحريري طرحت حلول عدة للمشكلة بناءً على آراء اختصاصيين، لكن تبيّن أنها لم تعالج المشكلة»، موضحاً أنه حتى في الولايات المتحدة الأميركية يتخذ قرار بقتل الطيور عندما تهدّد سلامة الطيران وتعرقل الملاحة الجوية».

وإذ لم يدرج ملف النفايات على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء المقبلة، أشار الخطيب الى أنّ «الوزارة في طور دراسة وإعداد خطة كاملة لأزمة النفايات وعند انتهائها ستُعرض على مجلس الوزراء»، موضحاً أنّ موضوع الكوستابرافا حلّ موقت من قبل اللجنة الفنية برئاسة الوزير أكرم شهيب وأقرّته الحكومة السابقة ومجلس الوزراء الحالي لم يقارب الموضوع حتى الآن بانتظار مشروع الحلّ المتكامل التي تُعدّه وزارة البيئة».

ولن يطرح في الجلسة الوزارية المقبلة ملف الموازنة الذي يحتاج إقرارها إلى إنجاز قطع الحسابات المالية للسنوات السابقة والمتوقع أن تقرّها الحكومة في جلسات مقبلة وإحالتها إلى المجلس النيابي من دون سلسلة الرتب والرواتب، فهل ستنسحب التسويات الرئاسية والحكومية والتشريعية على مشروع الموازنة المفقودة منذ العام 2005 بعد أن أحالها وزير المال علي حسن خليل الى الحكومة؟ وهل ستعود الدولة الى الانتظام القانوني في عملية الإنفاق وهل تشمل أي تسوية الـ11 مليار دولار التي أنفقت من خارج الموازنات في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة؟

وأشار خليل أمس، إلى أنّ «الجميع حريص على إقرار الموازنة وكلّ الأجواء لدى فخامة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء تشير الى إقرارها بأقرب فرصة ممكنة».

وفيما تردّد عن أنّ تسوية التعيينات الأمنية والعسكرية تطبخ على نارٍ هادئة، فإنها لم تدرج على جدول أعمال جلسة الثلاثاء بانتظار التفاهم السياسي حولها بحسب ما علمت «البناء» والاتفاق على الأسماء التي ستعيّن على رأس المواقع الأمنية ضمن سلة كاملة تشمل قيادة الجيش التي حصرت بين العميدين جوزيف عون والياس ساسين، بينما حسم تعيين العميد عماد عثمان مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي وبات تعيين العميد سعيد فواز قائداً لشرطة مجلس النواب شبه مؤكد».

المجلس يُشرع أبوابه تشريعياً

وفي ظلّ تعثر الحكومة أمام كثافة الملفات وتشعّبها وبعد أن عطلت الخلافات السياسية دوره التشريعي لسنوات عدة، يشرع المجلس النيابي أبوابه على التشريع مع دعوة رئيسه نبيه بري الى عقد جلسة تشريعية عامة يومي الأربعاء والخميس المقبلين، لإقرار جدول الأعمال الذي يتضمن 46 بنداً يغيب عنه قانون الانتخاب، فهل تضيع الآمال بإقراره في سراب المصالح السياسية والانتخابية وهل بعض القوى التي استمدّت وجودها واستمراريتها منذ الطائف حتى اليوم من قوانين انتخاب مفصلة على مقاسها كـ»الستين»، ستعمل على إقرار قانون جديد يلغي وجودها أو يقلصه بالحد الأدنى؟

وبحسب ما قالت مصادر نيابية لــ«البناء» فإن لا تقدم إيجابي حتى الآن على هذا الصعيد والقانون الذي وعد الجميع بتقديمه هدية للشعب اللبناني لن يبصر النور ولا يزال يدور في حلقة مفرغة، والبديل حتى الساعة هو انتخابات في موعدها على القانون الحالي.

وأكد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد «أن الصيغة التي تحقق العدالة والفاعلية في التمثيل النيابي، هي التي تعتمد على النسبية الكاملة مع الدائرة الواحدة أو الدوائر الموسّعة، وعدا هذه الصيغة، ستبقى العدالة مشوّهة وكسيحة»، معتبرا «أنّ الذين يطيلون النقاشات ويجادلون في الصيغ المطروحة حتى تنقطع المهل ونعود إلى قانون الستين، إنما يرتكبون جريمة بحق الوطن».

ورأى رعد خلال احتفال تأبيني في الجنوب أنه «إذا لم يُصلح قانون الانتخاب، فلن يكون هناك متسع أو مجال لمحاسبة السلطة، لأنّ الذي يحاسبها هم ممثلو الناس، وبالتالي عندما ينتهي الحساب للسلطة، تصبح هذه السلطة مثل فرعون، تتصرف وفق رؤيتها وأوهامها وأطماعها ومحاصصات في ما بينها والتوزيعات التي يتقاسمها أهلها بينهم على حساب الناس ومصالحهم، وعليه فإننا نريد أن نقطع شوطاً وأن نتقدم خطوة في اتجاه قانون انتخابي عادل وشامل وفعّال لتمثيل جميع اللبنانيين».

وفي غضون ذلك، يحضر قانون الانتخاب على طاولة الحوار الثنائي بين «تيار المستقبل» و»حزب الله»، الذي ينعقد في جولته التاسعة والثلاثين اليوم برعاية الرئيس بري في عين التينة في محاولة للتوصل الى صيغة توافقية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى