هل تتحضّر «إسرائيل» لخوض حربٍ جديدةٍ ضدّ حزب الله؟

ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

نشرت صحيفة «هافنغتون بوست» الأميركية تقريراً جاء فيه: كتب آلاستير كروك مؤلف كتاب «المقاومة، جوهر الثورة الإسلامية»…

بيروت ـ كيف تقرأ «إسرائيل» الشرق الأوسط هذه الأيام؟ فهي تعبّر عن بعض التفاصيل في استراتيجايتها الأمنية الوطنية صراحةً وعلناً. لكن، في مؤتمر «هرتزيليا» الأمني الذي عُقد في أواسط حزيران من السنة الماضية، كان من الممكن قراءة هذه التحذيرات الخفيّة بين السطور، والتي تجلّت في خطابات المسؤولين، وتكوين صورة دقيقة إلى حدّ ما من طريقة مقارباتهم مسألة الشرق الأوسط.

وجاءت خلاصة تحليلات قوات الدفاع «الإسرائيلية» من اللواء هرتزل هاليفي، رئيس مديرية الاستخبارات العسكرية في الجيش «الإسرائيلي»، كما الحال مع معظم الخطابات السياسية التي تضمّنت بعض الكلمات المبهمة.

«سأقول، إنّ الحذر واجبٌ حيال ما يحصل، لكن ما من جيشٍ يدرك حقيقة عدوّه كما يفعل حزب الله»، يقول رئيس الاستخبارات، ثم يضيف، «لكن على رغم هذا، فإن الحرب المقبلة لن تكون بسيطة أو حتى سهلةً، فالبنسبة إلى إسرائيل، لا بدّ أن يصبح حزب الله ضعيفاً أو مدمَّراً فالحرب لا ترحم».

وكانت صحيفة «تايمز» «الإسرائيلية» قد علّقت باقتضاب على لسان هاليفي أنه صرّح بما يلي: «لن أقول إنّ الجولة المقبلة من العنف مع الجماعة الإرهابية ـ المدعومة من إيران ـ ستؤدّي إلى وقوع عدد كبير من الضحايا بين الإسرائيليين المدنيين، لكنها في الواقع قد تفعل ذلك».

من الواضح إذاً، أن مصطلح «الحرب المقبلة» يجري تداوله بحذرٍ بين المسؤولين «الإسرائيليين». لكن لماذا؟ أليس ينبغي أن الصواريخ الحديثة المئة ألف، وخبرة مقاتلي حزب الله التي اكتسبوها من الحرب في سورية، ستؤخذ بعين الاعتبار، وتشكّل رادعاً رئيساً للهجوم «الإسرائيلي»؟

حسناً، فلْنبقَ في إطار تحليل هاليفي، الذي لا يؤمن بضرورة التوصّل إلى تسوية سياسية لتوحيد الدولتين وإحلال السلام في سورية، وقد حذّر من صعوبة توفّر فرصة ضئيلة جدّاً لحدوث ذلك في بلد شبعت غرقاً في الدماء.

والأسوأ من هذا كلّه، من وجهة النظر «الإسرائيلية»، وكما أكّدت صحيفة «Jewish Chronicle» البريطانية: «أن حزب الله ينشر القادة العسكريين الإيرانيين الآن وأكثر من أيّ وقت مضى، قريباً من الحدود الإسرائيلية، وأنه لمن الشائع أن تتحقّق نبوءة المحلّلين الإسرائيليين من أنّ أفراد الحرس الثوري الإيراني سينتشرون في الجولان على نقاط المراقبة».

وهنا تكمن المعضلة الثانية، أي فرضية العمل على المستويات العليا لاستخبارات «جيش الدفاع الإسرائيلي»، حيث اكتسبت إيران من وجهة النظر «الإسرائيلية»، شرعية دولية غير مستحقّة، خصوصاً لناحية الاتفاق النووي، في وقتٍ لم تخفت حدّة العداء الإيراني ـ «الإسرائيلي». وباختصار، فبالنسبة إلى الجيش «الإسرائيلي» والأحداث في سورية، فإنها لن تؤدّي إلى النتيجة السياسية المرجوّة من قبل الولايات المتحدة الأميركية وروسيا بل على البدل من ذلك، فإننا نتوقّع أن نرى الهلال الشيعي الممتدّ من إيران إلى المتوسّط يغرق أكثر فأكثر في السلاح.

لكن، ظهرت بعد ذلك فرضيتان أساسيتان لتفسير غموض تصريحات هاليفي. كما تشير مصادر أخبار الدفاع: فهاليفي يرى أنّ «إسرائيل» لم تقدّم النتيجة المرجوّة في الحرب المستعرة على حدودها الشمالية المتاخمة لسورية. ومع ذلك، قدّم سيناريو لا يعتقد أن «إسرائيل» ستتقبّله.

«ويكمن السؤال في كيفية بلوغ هذه القصّة خواتيمها»، ويقول: «فلْنسلّم جدلاً أنه تمّ احتواء داعش، فها هي القوى العظمى قد انسحبت من المنطقة، وبقينا نحن عالقين هنا مع مخابئ الأسلحة المتطوّرة للمحور الإيراني».

ولتجنّب مثل هذه النتيجة، يقول هاليفي إنّه على «إسرائيل» أن تعمل من خلال التنسيق مع القوى العظمى ومن خلال وسائل أخرى كذلك.

إذاً، يكمن جزءٌ أساسيّ من حديث هاليفي في اعتقاد «إسرائيل» أنّ الغرب قد انسحب من المنطقة. يبدو أنّ هذه هي الحكمة التقليدية الأكثر رواجاً في الوقت الحالي. أما الأكثر إثارةً من هذا كلّه، فهو وبحسب صحيفة «Jewish Chronicle»، أنّ «إسرائيل» قد أصبحت على وشك توقيع اتفاق اختراق مع مجموعة من الدول العربية السنّية. وإذا ما كان هناك من تقاطعٍ للمصالح بين «إسرائيل» وبين الدول العربية السنّية، فهي سوف تتمحور حول العداء لإيران وحزب الله والهلال الشيعي، من دون أن نستثني الحشد الشعبي في العراق والحوثيين في اليمن.

ويجدر بنا أن نلاحظ أمرين اثنين، يلعب هاليفي على وتر التهديد الجهاديّ، فضلاً عن أنه أعرب عن العواقب الاستراتيجية لسلسلة من النجاحات الجهادية التي تمتدّ عبر الشرق الأوسط.

لا يرتبط التهديد الاستراتيجي بـ«داعش» أو بـ«القاعدة». إذ إنه من الواضح بحسب هاليفي، أن حزب الله يشكّل التحدّي الرئيس في الوقت الحالي. وبالنسبة إلى «إسرائيل»، فإنه لمن الضروري أن يصبح حزب الله عاجزاً أو مدمَّراً فالحرب لا يمكن أن ترحم.

والسؤال هنا، ما كان هدف «إسرائيل» من تعيين آفيغادور ليبرمان مؤخّراً وزيراً للدفاع؟ وهل صحيحٌ أنها خطّطت لشنّ حربٍ على حزب الله إبان انهماك الولايات المتحدة الأميركية في انتخاباتها الرئاسية؟ فهل يكون ليبرمان الصقر الذي سيتولّى إدارة الحرب؟ وماذا عن استدعاء حزب الله نخبتَه العسكرية من سورية، وتحذير أمين عام حزب الله حسن نصر الله من أنّ لانتقالهم من سورية مفاعيل خطيرة وصعبة؟ هل في ذلك مؤشّرات على أنّ حسن نصر الله استنتج أنّ إمكانية حدوث هجوم وشيك، قريبة وحقيقية؟

ووفقاً للمصادر التي تحدّثت مع المراسل الإقليمي للصحيفة إيليا ماجنير، فإن «نصر الله كان جدّياً للغاية عندما أكّد أن المنطقة تسير بشكل حثيث نحو الصراع وأنه يُحتمل وقوع خسائر في الأشهر القليلة المقبلة. وذلك، بعد أن تمكّن من الحصول على بعض المعلومات التي أفادت بأنّ إسرائيل تستعدّ للحرب وأنها بصدد مواجهة حزب الله عسكرياً».

والجدير ذكره، أنّ هاليفي تحدّث عن «التحدّي الاستراتيجي» الذي من المتوقع أن «يُحدث تغييراً»، وللقيام بذلك «عبر التنسيق مع القوى العظمى». فهل يتوقّع أن تكون الولايات المتحدة الأميركية من بين هذه القوى العظمى التي ستتدخّل في الحرب؟

كنتُ قد كتبتُ في وقت سابق عن تقرير 16 أيار الصادر عن مركز الأمن القومي الأميركي الجديد، والذي وضعه فريقٌ عمل كبير من الحزبيين من كبار أعضاء المؤسّسة السياسية الخارجية الأميركية، بعد أن أُضيف إليه مناقشات مع الخبراء المدعوّين. ويناقش التقرير كيفية الحفاظ على الهيمنة الأميركية، أو كيفية الحفاظ على توسيع النظام المالي ـ الجغرافي، أسوةً بذلك السياسي، كمثل عودة روسيا إلى قلب النظام الدولي، إلى التنّين الصينيّ الصاعد الذي يتحدّى القواعد الرئيسة للنظام العالمي الغارق في الفوضى، وصراع القوى في الشرق الأوسط. ويؤكد التقرير، أن الولايات المتحدة بحاجة ماسّة إلى قوّة قادرة على ثني بعض الأفكار التي تشدّد على أولوية مفهوم «القرن الأميركي»، الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية الساعية دوماً إلى جعل النظام العالمي أحاديّ القطب.

ويرى واضعو هذا التقرير أنّ الولايات المتحدة الأميركية تحتاج إلى «تقزيم طموحات إيران النووية في الشرق الأوسط الكبير وتقويضها… سواء في لبنان، اليمن، سورية أو البحرين، ويجب اعتبار تقدّم طهران ونموّ طموحاتها واتّساعها، مبعثاً على القلق على المدى البعيد، ويشكّل تهديداً للاستقرار الذي لا يصبّ في مصلحة الولايات المتحدة الأميركية لناحية المواجهة والردع».

وكما لاحظتُ سابقاً، فإنّ التقرير ينصّ على تراجع دور المملكة العربية السعودية في الصراعات الإقليمية: «نحن نرفض أيضاً محاولة إيران إلقاء اللوم على الآخرين بسبب التوترات في المنطقة، من دون أن ننسى تأثير الحملة الشعبية العارمة لتشويه صورة الحكومة السعودية». إنه تقليمٌ دقيقٌ وواضح. فهل صحيح أنّ المملكة السعودية هي التي تنشر عنف الإسلام الأصوليّ المرتبط بالصراع الإقليمي؟ يبدو إذاً، أنّ ملاحظة هاليفي حيال التنسيق مع القوى العظمى لم تكن مجرّد ازدهار غريب الأطوار. وهو يرتكز في ذلك على إدراك مصالح التحالف الوثيق بين «إسرائيل» والحزب الديمقراطي الأميركي، الذي استمات لإيصال هيلاري كليتون إلى سدّة الرئاسة.

وكان أحد أبرز خيارات كلينتون لتولّي وزارة الدفاع ميشال فلورني، وهي عضو في مجموعة «CNAS» التي كتبت التقرير. وفي أحد مؤتمرات هذه المجموعة، ووفقاً لوزارة الدفاع، فإنّ فلورني أعربت عن قلقها إزاء ازدياد نسبة المشاركة الروسية في الحرب السورية، وما يؤشّر إلى ضعف الموقف التفاوضيّ الذي تودّ الولايات المتحدة الأميركية العثور عليه. وكما كانت قد أخبرت «Defense One»، وهي واحدة من الوسائل الإعلامية المعنيّة بمتابعة الشؤون السياسية العسكرية والأمنية، في مقابلة لاحقة لها، أنه من المفترض أن تتضمّن سياسة الولايات المتحدة «استعمالاً محدوداً للإكراه العسكري» ـ على شكل ضربات في المقام الأول باستخدام «أسلحة المواجهة» ـ «بهدف الانتقام من الأهداف العسكرية السورية لوقف العنف والانتهاكات، وردع الروس في سبيل إيقاف الأعمال العسكرية ضدّ المدنيين الأبرياء وجماعات المعارضة السورية».

لكن، ما علاقة هذا كلّه بخطاب هاليفي؟ ليس من المستغرب أن يكون هذا الخطاب قد ترك انطباعاً عميقاً وصدىً لافتاً للأنظار، حول كيفية تعاطي المسؤولين «الإسرائيليين» اليوم مع قضايا الشرق الأوسط. لكن، ألا يمكن أن يكون خطاب هاليفي في مؤتمر «هرتزيليا» مؤشّراً إلى أنّ الجيش «الإسرائيلي» كان يحبّذ ـ وبشدّة ـ وصول هيلاري كلينتون إلى سدّة الرئاسة؟

لطالما كانت القوات السنّية الجهادية أداةً أميركية في وجه إيران بهدف تقويضها. كما أنّ دول الخليج السنّية تبقى حريصة على عدم نجاح «القاعدة» أو «داعش» بالكامل وعدم هزيمتهما بالمطلق، إذ سيكون حينذاك من المنطقيّ لـ«إسرائيل» أن ترى في الجهاديين الذين يتولّون القتال في سورية، كي يستفيدوا منهم في معركتهم ضدّ تحالف إيران ـ حزب الله.

وكما قال هاليفي في مؤتمر «هرتزيليا»، «إن بعض مصالح الدول السنّية البراغماتية تقترب أكثر فأكثر من مصالحنا. إنه لتطوّر لافت ومهمّ، فضلاً عن اعتباره فرصةً لا تُفوّت». يمكن لـ«إسرائيل» أن تتصوّر أنّ المملكة السعودية تنظر إلى الجماعات الجهادية في سورية، مثل «داعش» و«جبهة النصرة» أدوات مفيدة في مواجهة النفوذ الإيراني في سورية، حتى في الوقت الذي يصرّون فيه على نعتهم بالجماعات الإرهابية. و«إسرائيل» ـ يلمّح هاليفي ـ ترى أنّ المصالح المشتركة تفترض براغماتية المملكة العربية السعودية في هذا الصدد. فهي ترفض بالمطلق فكرة وقوف الجيوش الإيرانية على حدودها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى