الجيش السوري يتقدّم في عين الفيجة واحتمالات الحسم قبل المؤتمر ثورة دبلوماسية لعون أمام السفراء… وطائرة الاستطلاع بيد المقاومة

كتب المحرّر السياسي

يتصرّف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف تجاه مؤتمر أستانة الخاص بسورية، تماماً كما كان حال وزيرَي خارجية أميركا جون كيري وفرنسا لوران فابيوس في مؤتمر جنيف، في أبلغ تعبير عن التغيير الذي لحق بموازين القوى ما بعد معركة حلب، وتبدو تركيا في موقع روسيا الحريص على عدم تحمّل مسؤولية الفشل، وتضغط أنقرة على الجناح السوري المسلح الذي تقدّم نفسها كراعٍ له وضامن لالتزاماته بمنطق الضغط للحصول على تنازلات، ولو بالشكل تحت شعار إثبات حسن النية، بينما ترسل موسكو لواشنطن رسالة اختبار بالحدث عن دعوتها للمشاركة، في يوم واحد يلي تسلم الرئيس الجديد دونالد ترامب لمسؤولياته في البيت الأبيض، بينما تردّ إيران بأنها لا توافق على دعوة واشنطن، من موقعها كشريك في رعاية المؤتمر، مثلما قالت عن رفضها دعوة السعودية، كما فعل الفرنسيون والسعوديون في رفض مشاركة إيران فاستجابت أميركا وضغطت على روسيا يومها لتقبل مواصلة المشاركة في المؤتمر من دون إيران.

يظهر خلط الأوراق الذي أحدثه انتصار حلب في ارتباك فريق الجماعات المسلحة بين مَن يدعو للمقاطعة، لأنّ كلّ المناشدات والتهديدات بعدم المشاركة لم تنفع لوقف الهجوم الذي يشنّه الجيش السوري وحلفاؤه في وادي بردى، وأنّ الذهاب للحوار مشروط أصلاً في تفاهم موسكو بتثبيت وقف النار لمدة شهر، وهو لم يثبت، بينما يردّ الآخرون أن لا بدائل للمشاركة سوى خسارة الرعاية التركية، وهي آخر ورقة توت تستر المعارضة المهزومة في حلب، وأنّ التهديد بنسف وقف النار ينتظره الجيش السوري ليخوض معركة إدلب ويحصد نصراً شبيهاً بنصره في حلب.

في هذا المناخ يستعدّ فندق «برزيدانت أستانة» لاستضافة قرابة المئتي شخص، هيأ لهم غرفه وأجنحته وقاعاته، حيث تقول مصادر خاصة على صلة بالتحضيرات للمؤتمر إنّ الحوار لن يتمّ وجهاً لوجه بين الوفدين اللذين يضمّ كلّ منهما ما بين الثلاثين والخمسين شخصاً، من أعضاء ومستشارين وخبراء وإعلاميين ومرافقين، وأنّ الخبير الروسي في شؤون سورية فيتالي نعومكين الذي قام برعاية الحوار بين وفدين للمعارضة والحكومة السوريتين في موسكو سيتولى من موقعه كنائب للمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا مهمة رسمية بهذه الصفة كميسّر للتفاوض بين الوفدين، بصورة غير مباشرة متنقلاً مع معاونيه بين قاعتين يشغل كلّ وفد قاعة منهما، ومعه وفد من معاوني نعومكين، وأنّ تثبيت وقف النار سيكون المهمة الأولى على جدول الأعمال، وما يتضمّنه من دخول شائك بقضية القضايا التي يمثلها فصل الجماعات الراغبة بدخول الحلّ السياسي لوجودها عن جبهة النصرة وتحديد مواقع النصرة المستثناة من الهدنة، ومواقع المعارضة المنفصلة عنها، والإعلان عن إنهاء أي تشابك في الجغرافيا بينهما، وإلا فلن تقبل الدولة السورية بهدنة تستفيد منها النصرة، وهذا بند حاسم من بنود تفاهم موسكو الذي صدر عن وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران رعاة حوار أستانة. ووفقاً للمصادر الخاصة ذاتها، فإنّ الموقفين الروسي والإيراني، وكذلك موقف الوسيط ستكون منطلقة من بيان موسكو في هذا الشأن ومن دون أيّ مساومة أو مراعاة ما يضع الأتراك والجماعات المسلحة في وضع لا يُحسدون عليه. ولم تستبعد المصادر مواصلة الجيش السوري تقدّمه السريع في وادي بردى وسط اشتباكات عنيفة تدور منذ بعد ظهر أمس في مناطق شديدة الوعورة، وربما يتمكن من حسم السيطرة على الوادي وإنهاء أزمة المياه في دمشق قبل حلول موعد المؤتمر في أستانة بعد أسبوع.

لبنانياً، خاض رئيس الجمهورية العماد ميشال عون غمار ثورة دبلوماسية في خطابه أمام السلك الدبلوماسي بفتح ملف القرارات الدولية وآليات تعامل المجتمع الدولي مع أزمات وقضايا المنطقة، فتساءل عن قرار تقسيم فلسطين الرقم 181 والمنسيّ في الأدراج بعدما أسقطته «إسرائيل» بالتطهير العرقي تحت أعين الأمم المتحدة والمجتمع الدولي وهو يمنح الفلسطينيين دولة على نصف فلسطين المحتلة عام 1948. وتساءل عن كيفية الانتقائية بمعايير مزدوجة في استعمال أوصاف مثل الإرهاب والثورة، فيصير الثائر إرهابياً عندما لا يلبّي مصالح القوى العظمى، ويصير الإرهابي ثائراً عندما يخدم هذه المصالح. وتوقف الرئيس عون أمام قضية النازحين السوريين مذكّراً بمواقفه الرافضة لكلّ تسويق لدمجهم في لبنان، والداعية لضمان أيّ فرصة لعودة آمنة لهم قبل الحلّ السياسي أو معه أو بعده، مواجهاً العالم بمعادلة أنّ الذين أشعلوا نار الإرهاب يحرقون أصابعهم اليوم، آملاً أن يكون ذلك درساً للتعاون في عمل دولي مشترك للخلاص من خطر الإرهاب الذي بات آفة تهدّد الجميع.

في الشأن الداخلي، كان الرئيس حاسماً في إعلان تمسكه بقانون جديد للانتخابات النيابية، مستعداً لطمأنة مَن يجب، لكن من دون الخضوع للابتزاز، فقد «يخسر البعض بعض المقاعد لكننا سنربح الاستقرار للوطن»، ويتوقع أن يترك خطاب رئيس الجمهورية ردود فعل خارجية وداخلية، بعدما رسم صورة شخصيته وسياساته التي عطف فيها الالتزامات على خطاب القسم لتشكّل مضمون تعهّداته ومواقفه خلال فترة ولايته الرئاسية.

لبنانياً أيضاً، وبعد انتظار لساعات أعلنت المقاومة أنها وضعت يدها على جسم الطائرة بدون طيار التي أسقطتها بالأمس، وأعلنت أنها لم تعثر عليها بسبب وعورة المنطقة التي سقطت فيها، فيما فسّره خبراء أخذ الوقت اللازم لسحب جسم الطائرة إلى منطقة آمنة قبل الإفصاح عن وضع اليد عليها، نظراً لكونها من طراز متطوّر يملك خاصيات حديثة بين جيل جديد من الطائرات من دون طيار، وقد بقيت أغلب أجهزتها سليمة وصالحة للعمل ما يمنح الفرق الهندسية في المقاومة فرص تفكيكها وفهم أسرارها.

عون: قانون الانتخاب أولويتنا

بعد تلويح التيار الوطني الحر أمس، بالشارع والثورة الشعبية في حال إجراء الانتخابات النيابية وفق قانون الستين أو التمديد للمجلس النيابي الحالي، حسم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون موقفه حيال قانون الانتخاب موجّهاً رسائل في اتجاهات عدة، مشدداً على أن «تخوّف بعض القوى من قانون نسبي في غير محله، لأن وحده النظام الذي يقوم على النسبية يؤمن صحة التمثيل وعدالته للجميع وعليه، قد يخسر البعض بعض مقاعدهم، ولكننا نربح جميعاً استقرار الوطن». واعتبر أن «أولى أولوياتنا تنظيم انتخابات نيابية وفق قانون جديد يؤمن التمثيل الصحيح لكافة شرائح المجتمع اللبناني، ما يوفر الاستقرار السياسي».

وخلال استقباله ممثلي البعثات الدبلوماسية أمس، في بعبدا، دقَّ الرئيس عون ناقوس خطر أزمة النازحين على لبنان، مناشداً الأسرة الدولية «تحمّل مسؤولياتها كاملة، لأن تداعيات موجات النزوح الكثيف غير المسبوقة في تاريخنا المعاصر تهدّد وجود جميع الأوطان واستقرارها». وطالب عون المجتمع الدولي بأن يعترف بخصوصية لبنان ويرفض أي فكرة لاندماج النازحين فيه، مناشداً إياه «مؤازرة جهودنا للتوصل إلى الحل الوحيد المستدام لأزمة النازحين السوريين إلى بلدنا، وهو في عودتهم الآمنة إلى بلدهم»، مشيراً الى أن «لبنان يرحب بكل مبادرة من شأنها أن تؤدي إلى حل سلمي سياسي للأزمة في سورية».

مواقف عون لاقت صداها في عين التينة التي رصدت خلال الأيام القليلة الماضية تملّصاً لدى بعض القوى السياسية من وعودها بإقرار قانون جديد للانتخابات، فأجرى رئيس المجلس النيابي نبيه بري اتصالاً هاتفياً بالرئيس عون مهنئاً بالكلمة التي ألقاها أمام السلك الدبلوماسي وما تضمنته من مواقف حول مختلف القضايا.

وفي غضون ذلك، تابع الحزب التقدمي الاشتراكي حملته التصعيدية ضد قانون النسبية، على أن يبدأ وفد وزاري من الحزب جولته من بعبدا اليوم لشرح موقفه المتمسك بالنظام الأكثري والتسويق له، وإعلان رفضه النسبية الكاملة على أن تشمل الجولة رئيسَيْ المجلس النيابي والحكومة والقوى السياسية كافة».

وعلمت «البناء» من مصادر نيابية أن «التيار الوطني الحر لن يقبل بأيّ انتخابات على قانون الستين ويسانده في هذا الموقف حزب الله وحركة أمل ويتكفّل الرئيس بري عبر الوزير علي حسن خليل التفاهم مع النائب وليد جنبلاط وتبديد هواجسه، في ما يتولى التيار الحر التشاور مع الرئيس سعد الحريري للتوصل الى اتفاق على قانون جديد خارج الستين»، متوقعة أن يعود قانون حكومة الرئيس نجيب ميقاتي إلى التداول، مشدّدة على أنّ صيغ القوانين المختلطة سقطت الى غير رجعة لعدم مراعاتها المعايير الموحّدة.

وقالت مصادر عونية لـ«البناء» إنّ «التيار سينفذ وعده للبنانيين بإقرار قانون انتخاب جديد يحقق طموحاتهم والعدالة في التمثيل في مطلع العهد الجديد، ولن يسمح للفريق الآخر بأن يمرّر حساباته ومصالحه الانتخابية على حساب الوطن»، مشدّدة على أنّ التيار جدّي في مواقفه وأنّ الرئيس عون لن يساوم بأيّ من حقوق الشعب وعلى رأسها قانون انتخاب جديد».

وتحدّثت مصادر في تكتل التغيير والإصلاح لـ«البناء» عن «مجموعة صيغ يتمّ تداولها تبدأ بالقانون الأرثوذكسي الى لبنان دائرة واحدة على أساس النسبية وغيرهما، ولكن أيّ قانون لن يُقرّ إلا بالتوافق العام بين القوى كافة غير أنّ رفض الستين لدى التيار لا يزال سيد الموقف». وأشارت المصادر الى أنّ «أيّ قانون سيتمّ إقراره يجب أن يعتمد معايير موحدة وقرار قيادة التيار والتكتل الأساسي باتجاه الحوار، لكن لن نوفّر أيّ تحركات شعبية إذا لمسنا رفضاً من الفريق الآخر على هذا الصعيد، ولم تتخذ أيّ إجراءات عملية على الأرض حتى الآن».

وأوضحت المصادر أنّ النائب جنبلاط يتحدث عن الخصوصية الجنبلاطية، وليس عن الخصوصية الدرزية، ورئيس الجمهورية لا يقبل بأن تُهدّد أو تلغى أيّ طائفة، وهو الذي رفض إلغاء أيّ طرف سياسي في تشكيل الحكومة الحالية، مشيرة الى أنّ النسبية تضعف قوة جنبلاط وليس الطائفة الدرزية، بينما القانون الأكثري يكرّس زعامته، لكن الدروز هم أول المستفيدين من النسبية التي تؤمّن مصلحة الوطن»، ولفتت الى أنّ «دمج دائرتي الشوف وعاليه يضمن لجنبلاط عدداً أكبر من الأصوات ويتحكّم بمصير المقاعد المسيحية والسنية في الدائرتين».

واعتبر رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، أنّ «ثمّة خيارات سياسية وأخرى شعبية لمنع فرض أيّ واقع محتوم باعتماد الستين والمقاطعة واردة مرحلياً أو المشاركة على أساس تغيير القانون». وقال باسيل بعد اجتماع تكتل التغيير والاصلاح: «متفقون والقوات على خوض الانتخابات معاً ووفق النظام الأكثري سنفوز لكننا لا نسعى للثنائية والإلغاء ونريد التفكير بالمستقبل، ولن نقبل بالستين».

وفي حين لم تدرج الحكومة الحالية قانون الانتخاب الوارد في بيانها الوزاري على جدول أعمالها بعد جلسات عدة عقدتها عقب نيلها الثقة، ويغيب أيضاً عن الجلسة التي تعقدها اليوم، اعتبرت كتلة الوفاء للمقاومة خلال اجتماعها الأسبوعي أنّ «وضع قانون جديد للانتخاب هو تعهّد التزمته الحكومة في بيانها الوزاري، رغم معرفتها المسبقة بالفترة المتاحة لها من أجل إنجازه، وأنّ الإخلال بهذا التعهّد سيؤثر حكماً على الثقة بحكومة «استعادة الثقة».

وجدّدت تأكيدها «اعتماد النسبية الكاملة مع الدائرة الواحدة أو الدوائر الموسّعة كصيغة تلتزم المناصفة وتؤمّن الشراكة الحقيقية وتحقق صحة التمثيل وفاعليته»، مشدّدة على رفضها «قانون الستين والتمديد».

وإذ سيجد الرئيس سعد الحريري نفسه وتياره وحكومته في مواجهة مع تحرّكات الشارع، إذا لم يستجب لدعوات غالبية الشعب اللبناني الذي يطالب بالنسبية الكاملة، يُصرّ تيار المستقبل على رفض القانون النسبي الكامل ويؤكد على المختلط، وأكدت كتلة «المستقبل» بعد اجتماعها في «بيت الوسط» أمس، أنها «لا تزال ثابتة على موقفها بضرورة العمل المتضافر من جميع الأطراف السياسية من أجل التوصل إلى إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية يرتكز على النظامين الأكثري والنسبي مع استمرار التمسك والالتزام بضرورة أن تتمّ الانتخابات في موعدها من دون أيّ تأخير».

وعلى وقع احتدام المواقف إزاء القانون الانتخابي، ينطلق قطار التشريع بدورته الاستثنائية اليوم بجلستين متتاليتين وتُستكمل غداً، وعلى جدول أعمالها 73 بنداً يغيب عنها قانون الانتخاب.

طائرة الاستطلاع بيد المقاومة

على صعيد آخر، أضافت المقاومة الى سلسلة إنجازاتها في إطار إحباط عمليات التجسس «الإسرائيلي» على لبنان، إنجازاً أمنياً جديداً، تمثل بالعثور على الطائرة «الإسرائيلية» التي سقطت على الحدود مع فلسطين المحتلة ونقلها الى مكان آمن للكشف عليها، بحسب ما أعلنت المقاومة في بيان.

وقالت مصادر عسكرية لـ«البناء» إن «الطائرة هي صناعة إسرائيلية صغيرة الحجم وقليلة الوزن حوالي 7 كلغ، وتستعمل للمراقبة الأرضية القريبة على الحدود مع فلسطين المحتلة وتشغّل من دون أن تُصدر صوتاً وتستعملها إسرائيل بكثافة في منظومة المراقبة والتجسس لتفاجئ بها العناصر التي تقترب من الحدود لخوفها من وجود المقاومة على الحدود». وتعتبر الطائرة بحسب المصادر من الصناعات العسكرية «الإسرائيلية» التي تفتخر بها في إطار الطائرات من دون طيار وزوّدت أعداداً منها لأكثر من جهة في السوق العالمية». وأوضحت المصادر أن «إسرائيل تتجسس على الحدود اللصيقة بشكلٍ دائم لمراقبة المراكز والمواقع العسكرية التي تفترض أنها للمقاومة لكن فقدت السيطرة عليها والتحكم بها بعد أن أسقطتها المقاومة وصادرتها لتحليلها لمعرفة أسرارها وما هي المواقع التي صوّرتها». وأشارت الى أنه «من المبكر معرفة هدف هذه الطائرة، إن كان استطلاعاً فقط أو التحضير لتنفيذ عملية اغتيال أو عملية أمنية أخرى قبل تحليل الصور».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى