ظريف يكشف «المنتفعين» من الرئاسة

روزانا رمّال

لم تكن التسوية اللبنانية للحظة واحدة صنيعة محلية، وإنْ كابرت قوى أساسية محلية مؤكدة استثنائية المرحلة التي سمحت للبنان أن يقتنص فرصة محلية لانشغال الدول العربية المعنية بمشاكلها. وكان المقصود دائماً انشغال المملكة العربية السعودية بحرب اليمن وسورية، كذلك الأمر انشغال إيران والولايات المتحدة بما يجري في سورية والعراق والمنطقة بمجملها، هي عبارات ردّدها رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع قبل أيام من انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية قال فيها: «لأول مرّة منذ زمن سيكون لنا رئيس صنع في لبنان 100 ، بعض الأطراف اللبنانية ترفض الاقتناع أننا نتمتّع بإرادة وطنية، فحتى لو أنّ بعض الدول لا تريد الانتهاء من الفراغ في سدّة الرئاسة، ولكن بمجرد أن تفاهمت قوى سياسية في لبنان تمكّنّا من الوصول إلى إجراء انتخابات رئاسية صُنعت في لبنان».

هذا الكلام الذي يردّده جعجع لا يأتي على لسانه فقط من بين المسؤولين.

في المقابل، يفصلنا يومان عن دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ليكون الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الاميركية وسط اعتراضات وشكوك بالنتيجة وبأنّ تأثيرات وعوامل خارجية تتعلق باحتمال أن تكون روسيا أثرت على الناخب الأميركي. الكلام هذا رغم عدم ثبوته لا يعني استبعاد مسألة التأثيرات الخارجية على الانتخابات الاميركية، كالتأثير «الإسرائيلي» المستمر منذ عقود. وهو الأمر الذي لم يشكل يوماً استفزازاً للرأي العام الأميركي أو الدستوريين وأعضاء الكونغرس من الفريقين الجمهوري والديمقراطي.

المفارقة هنا، هي أنّ المجاهرة بتأثير قوى وعوامل خارجية في الانتخابات الرئاسية بات موجوداً في إحدى أعرق الديمقراطيات، في وقت يتمسّك بعض المسؤولين اللبنانيين ممن جاءت حسابات الميدان إقليمياً بعكس ما كان متوقعاً بالتغنّي بإنجاز استحقاق لبناني محلي بامتياز لأسباب معروفة.

بالنظر إلى التقارير الواردة منذ لحظة الانتخاب حتى الساعة فإنّ نسبة التشكيك في خلفيات الإنجاز التوافقي اللبناني عالية بعد نزيف الدماء الذي حلّ بالمنطقة واصطفافات الحلفاء المعنيين فيه كحزب الله وتيار المستقبل الموزّعين بين إيران والسعودية سياسياً؟

تقرير واحد لقناة «الجزيرة» بتاريخ 31/10/2016 غداة انتخاب الرئيس يشرح ما يكفي كجهة إقليمية خليجية عن نسبة التشكيك في نقد يشبه الاستخفاف بما يروّج لبنانياً وفيه التالي: «تكاد المرجعيات السياسية في لبنان تُجمع على أنّ تسوية ملف الرئاسة جاءت نتيجة تفاهمات محلية، من دون وساطات إقليمية أو دولية، خلافاً لما جرت عليه العادة في مناسبات سابقة. وللمرة الأولى منذ زمن بعيد «يُصنع» رئيس الجمهورية في لبنان، حسب سياسيين لبنانيين. ويسعى «مهندسو» التفاهمات الحالية لإدراج اتفاقهم في سجل «الإنجازات اللبنانية» البحتة، بعيداً عن المؤثرات الخارجية، لكن المتابعين لـ»واقع» السياسة اللبنانية يرون أنّ في الأمر مبالغة، إذ لا يمكن للأمور أن تنفرج لولا موافقة الدول المؤثرة رغم انشغالها بملفات أكثر تعقيداً وأن لا مجال لحصول اتفاق بين ميشال عون – ومن خلاله حزب الله – وسعد الحريري من دون موافقة إيران والسعودية ومباركة الروس والأوروبيين».

هذا الواقع الذي يتحدث عنه التقرير هو ما يحاول الأقطاب المتضرّرون من التدخل الإيراني كلاعب في الساحة اللبنانية الرئاسية للمرة الأولى بالشكل النافذ الذي جاء عليه إخفاؤه حسابات فرضتها الأزمة السورية.

اختفت فجأة النغمة التي كانت تصف العماد ميشال عون بمرشح «إيران» في لبنان، بسبب دعم حزب الله له. كلّ هذا يبدو وكأن هناك مَن يريد طيّ صفحة مع التزام استخدام ما جرى للتسويق لسياساته التي ستؤثر بشكل كبير على نتائج الانتخابات النيابية.

يدرك حزب القوات اللبنانية مدى أهمية القرار الذي اتخذه بترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، لكنه يدرك أيضاً معنى ذلك انتخابياً على الساحة المسيحية، ويعرف أن الحضن الأميركي في لبنان لم يعُد متوفراً، كما كان في مرحلة ما بعد 2005، وبالتالي فإنّ الحضن المسيحي المسيحي سيكون الخيار الأفضل في هذا التوقيت. مصادر سياسية مقرّبة من جعجع تعبّر عن «استعداد كامل للحوار مع حزب الله وتعزيز العلاقات بإيران وعن نيات طي صفحة الماضي وهي على هذا الأساس حضرت الى السفارة الإيرانية للتعزية بالرئيس الأسبق رفسنجاني، وهي تعلن بهذا غياب الأميركيين عن الساحة اللبنانية.

الحريري الذي يدرك أنّ أيّ تقارب من حزب الله ومرشح حزب الله هو موت سريري لتياره عند السعوديين أكثر من يعرف أنّ السعودية لم تمانع إيصال مرشح حزب الله للرئاسة، وحزب الله الذي يعرف بدوره حساسية مشاركة تيار الحريري بمندرجات الحرب السورية يعرف أنّ هناك استحالة لفرض الحريري كرئيس مستفزّ لولا أنّ هناك قطبة مخفية بين الإيرانيين والسعوديين تبتغي وضع حجر أساس لجسّ نبض تعاون مباشر مقبل بين السعوديين والإيرانيين إذا نجح غير المباشر في «الحل اللبناني».

من مؤتمر دافوس وضع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف اللبنانيين أمام مكاشفة واضحة تضع حداً لادّعاءات «اللبننة» والتنازلات التي تجريها القوى انتخابياً منذ اللحظة الأولى لترشيح عون، وكشف ما جرى وأسباب التفاهم السياسي في البلاد، وذلك بعدما دعا السعودية مباشرة للتعاون في الحوار من أجل سورية والعراق واليمن، كما حصل في لبنان وبات ينعم بالهدوء بانتخاب رئيس. كلام «هام» لظريف يؤكد التنسيق السعودي الإيراني غير المباشر في لبنان عبر حلفاء الطرفين، ويحمّل حزب الله وتيار المستقبل مسؤولية كبيرة في المرحلة المقبلة لإنجاح مثال قد يطبَّق على أزمات المنطقة الباقية، فتكون المرة الأولى التي يصبح فيها الحلّ اللبناني مدخلاً لحلول المنطقة، بدلاً من العكس.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى