قصيّ حسن العمور شهيد بقامة وطن!

نصار إبراهيم

«أيّها المارون بين الكلمات العابرة

منكم السيف – ومنّا دمنا

منكم الفولاذ والنار – ومنّا لحمنا

منكم دبابة أخرى – ومنّا حجر

منكم قنبلة الغاز – ومنّا المطر

وعلينا ما عليكم من سماء وهواء

فخذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا»

الليلة تنام تقوع على فقدها… الآن عند حافة الليل أم فلسطينية تبكي وليدها… ووالد يجلس بصمت الكبرياء…

فكما ينبت القمح في وطني بعفوية ينبت الشهداء أيضاً… هكذا كالمطر أول الشتاء وكالوعد مع بداية الفصول…

قصي العمور قامة تعادل وطناً… وابتسامة تسابق الموت… ربما لم يتابع قصي نشرات الأخبار… كما لم يكن يهتمّ بآخر مؤتمر يُعقد… كلّ ما كان يشغل باله أولئك الجنود العابرون الذين يقتحمون ابتسامته… فيقيمون أمامها حاجزاً…

لم يكن قصي مشغولاً بمناورات السياسة… لقد فقدَ اهتمامه بكلّ تلك الثرثرات كما أغلب شباب فلسطين منذ زمن بعيد…

قصي العمور ابن عرب التعامرة ابن فلسطين… لم يألف الإهانة… ولم يألف الاحتلال ولم يألف النذالة… بالضبط كما هم شباب فلسطين الذين تجاوزوا تفاهة السياسة حين أصبحت مجرد ألاعيب تختصر خريطة الوطن…

فنهض كما القمح ليلقي بيانه الكثيف… هو يعرف أنه يمضي إلى أقداره… ويعرف أنّ قبضته العارية وحجره المقدس لن يسحق الاحتلال… لكنه لم يتردّد.. فما السرّ المزروع في أعماق هذا الشعب العجيب…!؟

يقول قصي: هو ليس سراً أبداً… هي معادلة الحياة هكذا… حين يكون احتلال تكون مقاومة… ويكون شهداء… وغير ذلك عبث لا يعيد أوطاناً ولا يحفظ كرامة…

أما على المقلب الآخر… حيث جنود القتل… فهناك أسئلة من نوع آخر… هناك يصبح الحجر لعنة… فترتعش الأكذوبة… فلا تجد أمامها سوى أن تطلق النار على شاب جريح… هو القتل الجبان… القتل الذي يكشف كلّ أكاذيب جيش يواصل الحديث عن طهارة السلاح… هو القتل الذي يعرّي هشاشة جيش امتهن قتل الأطفال والشباب بدم بارد… جيش أصبح ينظم احتفالات القتل… فيما موظفو منظمات البؤس التي تواصل الحديث عن حقوق الإنسان لا ترى كلّ هذا القتل المروّع.

منذ الطلقة الأولى سقط قصي جريحاً… لكن القاتل الجبان لم يتوقف… فواصل إطلاق النار… 6 رصاصات اخترقت جسد قصي… كانت تكفي رصاصة واحدة… فلمَ واصل القاتل إطلاق النار!؟

إنها عقيدة الإصرار على القتل… فالفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت… لهذا أصبح قتل الأطفال والشباب الفلسطينيين عند جيش الاحتلال عقيدة… فيقتل وينظم مسرح الجريمة حتى فقد أيّ إحساس بمعنى الحياة… ومع ذلك فهو جيش مسكون بالهزيمة الأخلاقية والمعنوية… فماذا سيفعل مع شعب قرّر أن لا يستسلم!؟

هناك على السفوح الشرقية… حيث تغفو بلدة تقوع… نزف قصي… لقد نزف طويلاً… وربما وقبل أن يغمض عينيه نظر غرباً… فلاحت له مدينته الجميلة بيت لحم… وربما نظر شرقاً فلاحت له سفوح البراري… وبيوت تقوع الدافئة… فنام على إيقاع الهتاف الخالد: بالروح بالدم نفديك يا فلسطين…! فابتسم ومضى…

الآن في هذه اللحظة هناك في بيت فلسطيني أليف أم فلسطينية، كما كلّ أمهات الشهداء… تعدّ أبناءها… وتسأل عن قصي… فيقولون لها… لقد قال لنا: أن نقبّل جبينك… وقال أيضاً قولوا لأمي أن لا تنتظرني…

هذا هو قدر الأمّ الفلسطينية… أن تواصل عدّ أبنائها كلّ صباح ومساء… ثم تودّعهم.. فيعود بعضهم وبعضهم لا يعود…

أما فلسطين… فتحضن أبناءها كعادتها… تحضن دماءهم… وتمطر دمعة… ثم تغمرهم في أعماقها… وهي تهمس: ناموا في رحمي فستولدون من جديد…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى