وداعاً للعولمة

حميدي العبدالله

في أحدث تقاريره المنشورة عام 2017 على موقعه، كرّس صندوق النقد الدولي أكثر من 60 صفحة للحديث عن العولمة تحت عنوان رئيس «العولمة… الرابحون والخاسرون» وقد شارك عدد كبير من الخبراء والاختصاصيين في صياغة الاستنتاجات التي تمّ التوصل إليها. من أهمّ الأبحاث بحثان أساسيان يلقيان الضوء، أو بالأحرى يساعدان على تفسير عدد من الظواهر السياسية الهامة التي تحدث الآن في الغرب، لا سيما في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، وقد تعمّ هذه الظواهر كلّ الدول الصناعية، مثل بقية الدول الأوروبية وكندا واليابان. البحث الأول حمل عنوان «تعديل مسار العولمة» وهو يتحدث عن «تراجع التدفقات الرأسمالية» والبحث الثاني حمل عنوان «مفهوم جديد وواقع جديد» كتبه هارولد جيمس الذي يستهلّ بحثه بالقول «رغم أنّ الجميع يفكرون بالعولمة، فهم يتفقون على أنّ الثورة على العولمة قادمة لا محالة». أهم ما في بحث جيمس وهو المؤرّخ الرسمي في «صندوق النقد الدولي» أنّ العولمة الحالية ما هي إلا مرحلة من مراحل العولمة على امتداد التاريخ، قد تحمل معها سمات جديدة لكنها في الجوهر لا تختلف عن عولمات سادت في مراحل تاريخية بدءاً من الامبراطورية الرومانية. ولكن أهمّ ما تضمّنه البحث أنّ الارتداد عن العولمة هو مسألة طبيعية، وبالتالي فإنّ الحديث عن العولمة بوصفها قدر البشرية وهي المرحلة النهائية في التاريخ ليس له أيّ سند علمي.

قيمة هذه الدراسة الصادرة عن «صندوق النقد الدولي» تكمن في كونها تواكب وتفسّر ظواهر سياسية تحدث الآن في العالم الصناعي المتقدّم. أيّ أنّ ما جرى في بريطانيا لجهة التصويت للخروج من الاتحاد الأوروبي، وفوز دونالد ترامب في الولايات المتحدة، وصعود شعبية فرنسوا فيون في فرنسا يكمن تفسيرها في هذا المناخ السائد على مستوى العولمة. حتى الرئيس الأميركي باراك أوباما قال «إنّ العولمة سبقتنا» وتحتاج مسيرة العولمة إلى تصحيح. ويقصد سبقتنا بمعنى أنها لم تعد تعمل في صالح طرف واحد، وبالتالي أذى العولمة الذي كان في البداية حكراً على الدول النامية تحوّل لاحقاً إلى الدول الصناعية المتقدّمة، بعد نهوض منافسين جدد، أو انتقال الاستثمارات إلى الدول والمناطق الأقلّ كلفة.

منذ فترة طويلة توقع محللون غربيون أن تصل موجة العولمة إلى ما وصلت إليه، وقد رصد نتائج مسارها كتاب حمل عنوان «فخ العولمة» وكتاب آخر وضعه مستشار الرئيس بيل كلينتون الاقتصادي وحمل عنوان «خيبات العولمة» لكن فشل العولمة بدأ الآن يظهر في ارتدادات سياسية قوية بدأت في بريطانيا وامتدّت إلى الولايات المتحدة، وتشهدها فرنسا الآن بقوة، والأرجح أنها سوف تعمّ العالم في وقت ليس ببعيد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى