قالت له

قالت له: عرّف لي الفرق بين الحبّ والمحبّة.

فقال لها: ولنقل إنّك تقصدين بالحبّ العشق وما يعنيه من حبّ الرجل لامرأة والعكس، وبالمحبّة ذلك الحبّ الذي لا مكان فيه لانجذاب جسديّ، وقد يكون ضمنه حبّ أو محبّة الرجل لأبنائه ووالديه وأخوته وأصدقائه، أو حبّ المرأة ومحبّتها لأصدقائها وصديقاتها وأقربائها، ولا يستثني إلّا الرجل الذي تريده لها حبيباً وعشيقاً وربّما زوجاً، ويريدها حبيبة وعشيقة وربّما زوجة. لأنّ الزواج تحكمه معادلات لا يكفي الحبّ لنجاحه، فهو مؤسّسة اقتصادية اجتماعية عدا كونه مؤسّسة لا تحيا بلا المشاعر والعواطف.

فقالت: وإن افترضنا تمييزك مقبولاً، وتساءلنا عن الفرق بين حبّ تسمّيه عشقاً وحبّ بلا عشق، أي بلا جسد، فلا نقاش على حبّ الأهل والأبناء والأصدقاء بالنسبة إلى الرجل والأهل والأبناء، والصديقات بالنسبة إلى المرأة. بل هو عن علاقة الرجل بالصديقات والمرأة بالأصدقاء، وكيف لا تتضارب مع حبّ رجل لامرأة بعينها أو حبّ امرأة لرجل بعينه. وأظنّ هذه العلاقة التي لأجلها اخترع الناس تعبير المحبّة تمييزاً عن الحبّ.

فقال لها: على ذمة أصحاب التجارب إنّ النوع الوحيد الذي يصحّ فيه الوصف هنا يستثني رجلاً وامرأة بلا حبّ، لأنّ هذه المحبّة تحتمل أن تكون تدرّباً على الحبّ وطريقاً إليه، ولا تصحّ إلّا في حالة واحدة كمحبّة لا تضارب بينها وبين الحبّ عندما يكون الأصدقاء الذين تشملهم مظلّة المحبّة مشتركين بين الحبيبين، ومن لم يكونوا من قبل كذلك يصيرون، ومن لا يتأقلم بشروط الصداقة المزدوجة يسقط من الضفة التي جاء منها، سواء كانت امرأة على ضفة الصداقة بالحبيب، أو رجلاً على ضفة الصداقة بالحبيبة. خصوصاً مَن ليس لديهم في حياتهم حبيب أو حبيبة، وبالأخصّ من يشتبه بأنّ الصداقة أو مظلّة المحبّة عنده هي ما تيسّر للتعبير عن الحبّ المضمر، مرتكزاً لكامل مشاعر رجل لامرأة، أو امرأة لرجل. وتزداد الخصوصية عندما يكون التناسب في العمر والمكانة والمكان يجعل فُرص تحوّل المحبّة إلى حبّ ممكنة، ويصير الأمر في دائرة الخطر عندما تتحوّل هذه الصداقة إلى موضوع جدل بين الحبيبين، ويخيّم عليها التوتر بتمسّك بتنزيهها من طرف وتشكيك في مضامينها من طرف مقابل.

فقالت له: وهذا يعني تحريم المحبّة عندما تشتبك مع الحبّ.

فقال لها: بل تحريم حبّ آخر يتسلّل تحت جناح المحبّة، والحبّ الآخر هو ما يظنّه الحبيب أو ما يشتبه بوقوعه في حسابات المحبّة من حبّ مضمر.

فقالت له: ولماذا يجب للحبّ أن يكون سبباً لإضعاف مساحات الحرّية لكلّ من الحبيبين، ولا يعيش الحبّ على الثقة؟

فقال لها: لأن الثقة تصير اختلالاً من طرف لطرف، ومعيارها يشعل غيرة يتّهم عبرها أحد الطرفين الآخر بالمبالغة في التسامح أو مبالغة في التشدّد. والسؤال الدائم في الحبّ هو أيّ حدود للحرّية يراد منها أن تظلّل أيّ حدود من المحبّة؟ وعندما تشتبك الحدود يسقط الحبّ غالباً ولا تسقط المحبّة التي تكون قد كشفت ضعف الحبّ أصلاً، أو حلّت مكانه كحبّ جديد.

فقالت: هذا يعني أنّك لا تتقبّل من أصدقائي بمحبّة إلا المتوثّقين بحبّ أو زواج عتيق عميق، أو من بلغ عمره ضعف عمري.

فقال: وأرى كلّ تسامح منك لتتّسع مظلّة المحبّة للمعجبين الطامحين تفخيخاً لما بيننا بداعي انتسابك إلى التحضّر وامتحاناً استفزازياً لقدرتي على التحمّل.

فقالت: وإن وثقت بأنك ظالم ولم أتحمّل مسايرة أحكامك؟

فقال: تشترين توتّراً بيننا قد يبدأ معه كلّ شيء بالتآكل البطيء.

فقالت: سأضطرّ لخوض الاختبار بدلاً من الاختيار.

فقال: أتغامرين؟

قالت: بقلب حزين.

فقال: ولا تحتارين؟

فقالت: أضطرّ لخوض التمرين.

فقال: أنت تختارين.

فقالت: وأنت لا تلين.

فقال: إذن لك الكلام المبين، وسترين أنك تبيعين ولا تشترين.

فقالت: أعطني ابتسامةً.

فابتسم وقال: دائما تعرفين كيف تأخذين ولا تعطين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى