ترامب رئيساً: الأقوى بتاريخ أميركا أم الأضعف؟

خليل إسماعيل رمَّال

بعد تنصيب الملياردير العقاري دونالد ترامب، لقيادة حكومة تضمّ أكبر وحوش المال والنفوذ، الذين يضاهون السنيورة والحريري وميقاتي نيّال فقراء أميركا، مثل فقراء لبنان ، تبدأ مسيرة أغرب إدارة أميركية في تاريخ هذه البلاد، من حيث جمعها للتناقضات، حتَّى تكاد تتفوّق في ذلك، على شبه الوطن اللبناني. لنحصي معاً بعض هذه التناقضات:

1 – أجمعت أجهزة الإستخبارات الأميركية كلها، موحَّدةً ولأول مرة، على أنَّ روسيا كانت «الهاكر» وراء الانتخابات الرئاسية. وأنها خرقت قيادة الحزب الديمقراطي. وهي وراء تسريب البريد الالكتروني لهيلاري كلينتون. وبعد رفض قاطع ومرير، بسبب تخوّفه من الإقرار بفوزه بالرئاسة بسبب الروس وبعد اتخاذ موقف حادّ من دوائر الاستخبارات، جعله في موقف متناقض وصدامي وعدائي معها. وهذا عزّ مثيله بين رؤساء أميركا، رضخ ترامب على مضض للحقيقة، بعد لقائه مع قادة الاستخبارات. لكنَّه وصف تسريبها لمعلومات عنه، بأنه عمل نازي. ثم بدا وكأنه ما زال يغازل بوتين، فعرض رفع العقوبات التي فرضتها إدارة أوباما العرجاء، ضدّ موسكو، مقابل التوصل إلى إتفاق للحدّ من الرؤوس النووية بين البلدين. لم يسبق أن وقف رئيس ما بوجه العسكريتاريا والاستخبارات الأميركية، في بلاده. وهذا قد يدشن عهداً جديداً من العلاقات المتوترة بين البيت الأبيض والأجهزة الأمنية، قد تنتهي بتقليص أظافر المخابرات، التي تٌمنَح ميزانيات سريَّة بالمليارات. أو تُوضع إدارة ترامب في قفص، لن تتمكَّن من الفكاك منه. علماً انّ المخرج أوليفر ستون، أنتج فيلماً مطوّلاً عن الرئيس الأسبق جون كينيدي، يتهم فيه العسكر والاستخبارات باغتيال الرئيس، عبر انقلاب عسكري سري.

2 – ترامب آتٍ من عالم آخر، غير سياسي. وهو غير مهتمّ بالخطوط الحمراء، أو الحدود والضوابط التاريخية الموضوعة أمام السياسة الداخلية والخارجية. لذلك، لم يهمُّه تخريب علاقة أميركا التقليدية بالقارة الأوروبية العجوز وهجومه على الحلف الأطلسي، الذي وصفه بأنه عفا عنه الزمن، بسبب الأعباء المالية التي ترهق كاهل الخزينة الأميركية، جراء مساهمتها المالية البالغة 70 في المئة، بينما تبلغ مساهمة بعض الدول 2 في المئة فقط من ناتجها القومي. ترامب محق بأنّ «الناتو» فقد معناه وكان يجب حله فعلاً، بعد انهيار الاتحاد السُّوفياتي ووفاة «حلف وارسو» معه. ولكن بدلاً من ذلك، بلغت الصفاقة الغربيَّة درجة ضمّ الجمهوريات السّوفياتية السابقة وكلّ دول الكتلة الشرقية القديمة، التي تحيط بروسيا، في هذا الحلف ونصب صواريخ استراتيجية على حدود روسيا، في استهانة فاضحة بموسكو، رغم أنَّ الأخيرة سارت مع الركب الغربي، خلال وبعد هجمات أيلول الإرهابية.

موقف ترامب المثير لهلع أوروبا، قد يدفعها إلى تحسين دورها وعلاقاتها مع العالم العربي، ممَّا قد يخلق توازناً يفيد قضية فلسطين، خصوصاً أنَّ «إسرائيل» المستمرة في سياستها الاحتلالية الإجرامية، ستصبح مهجة قلب الرئيس الجديد سويت هارت .

3 – موقف ترامب المروٍّج الأول لـ«إسرائيل أوَّلاً» يثير العجب. فهو يكره الملياردير اليهودي سوروس الصهيوني، الحاقد على العرب والمسلمين وغيره من شلة الصهاينة الأميركيين، الذين دعموا هيلاري. والتي بالمناسبة، هي أكثر «إسرائيلية» من ترامب. كما يحقد ترامب على الإعلام الأميركي المتصهين، الذي يموت في سبيل تل أبيب «سي ان ان»، «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» مِثالاً، عدا عن هوليوود المتصهينة حتَّى النخاع والليبرالية على طريقة ليبراليي بني سعود ، لكنَّه يعشق «إسرائيل» واختار لها سفيراً ليكودياً، يشجِّع الاستيطان العنصري ويريد نقل السفارة إلى القدس المحتلَّة. وهذا ما لم يقدِر عليه عتاة الصهاينة في البيت الأبيض. ولكن إذا كان ترامب «دارلينغ» لـ «اسرائيل» جديد، فلماذا يُصوِّب عليه الإعلام التابع لها؟ هذا سرّ من الأسرار.

4 – سرّ كبير آخر، هو حرص ترامب على التوفير على خزانة الدولة، لكنَّه لا ينتبه إلى أنّ أوباما عقد أكبر صفقة مساعدات عسكرية في التاريخ، مع تل أبيب، بقيمة 39 مليار دولار. وأنَّ الكيان المصطَنَع يستفيد كلّ سنة من هبات عسكرية تبلغ 3 مليارات دولار، يدفعها الشعب الأميركي لـ«إسرائيل»، عدا عن دور تل أبيب التخريبي في مساعدة المجرمين التكفيريِّين في سورية، الذين يتشوّق ترامب لإبادتهم ويعترف بأنَّ الجيش السوري والروسي وحلفائهما وحتَّى إيران، يحاربون «داعش»!! كذلك، يعارض الإتفاق النووي مع إيران لأسباب «إسرائيلية». ويساهم في ذلك بطريقة غير مباشِرة، بمساندة موقف بني سعود والخليجيين ضدّ طهران. رغم عدم إخفاء احتقاره لحكام الأنظمة العربية الرجعيَّة ولفسادهم المالي! ترامب، قد يقلب الطاولة على الجميع. ولكن أشك في تخليه عن «الإسرائيليين» لأنه بحاجة لولاية ثانية!

هذا غيضٌ من فيض إعصار ترامب القادم. والمقبل من الأيام سيخبرنا ما إذا كنَّا سنشهد تحوّلات تاريخية، تحدث للمرة الأولى في واشنطن، قد تجعل من ترامب أقوى رئيس لأميركا، أو الأضعف والأكثر تسبّباً بانحطاطها؟ أو اننا سنشاهد أميركا – ترامب دولة مارقة، لا يمكن التنبّؤ بمواقفها وانقلاباتها على المسرح العالمي، مثلها مثل دول العالم الثالث؟ أو سنشاهد فيلماً هوليوودياً رديء الإخراج، رغم السيناريو والتسويق القوي له، عن رئيس مدجَّن تحدّث خارج المألوف، لكنَّه تحوَّل بعد التنصيب إلى خروف؟!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى