العطّار: شاعر الحنين والدفاع عن سورية في الظروف كلّها

دمشق ـ شذى حمود

«خير الدين الزركلي… شاعر الوطن»، عنوان الندوة الثقافية التي أقامتها وزارة الثقافة السورية بحضور الدكتورة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية، وذلك في مكتبة الأسد الوطنية في دمشق، وتناولت علاقة الزركلي بكتاب الإعلام والشعر الوطني، وقراءات من قصائده الشعرية التي تميّزت بالجرأة والعنفوانية، وجعلت منه رائد الشعر الوطني في القرن العشرين.

وافتتحت الدكتورة العطار الندوة بقولها: نحن هنا للاحتفاء بشاعر مبدع كخير الدين الزركلي، أضاعوا له حقه إلى حدّ بعيد. وكان شاعراً بليغاً وشاعر الوطن والحنين والغربة والدفاع عن بلده سورية في الظروف كلّها.

وأضافت: رغم أهمية كتابه الإعلام كنت أتمنّى لو انصرف إلى الشعر وحده. فشعره لا مثيل له وكان سيحقّق شيئاً كبيراً جدّاً في حياتنا، ولكنه انصرف إلى تأليف هذا المعجم الضخم، وحين زرته في بيروت وجدته عاكفاً على كتابته مؤمناً بأنه يصنع شيئاً عظيماً للأجيال.

وقال الدكتور أحمد بدر الدين حسون مفتي الجمهورية في تصريح للصحافيين على هامش الندوة: من لم يقرأ التاريخ لا يبني مستقبله. ومن لم يعرف جذوره لا تكون له ثمار ولا أزهار. ونحن أمة ابتلينا الآن في هذه الحالة التي نتمزّق بها تمزّقاً شديداً بأننا قطعنا من الجذور. وهذه الندوات تعيدنا إلى الجذور. فاليوم حين نحضر ما خطّه الزركلي من شعر وأدب وإعلام فهو يقول لنا لا تنسوا جذوركم.

وأضاف المفتي حسّون: يجب أن نعيد إلى الإعلام أعلام الفكر وإلى المنبر ثقافة وإلى الجوامع جامعة وإلى المراكز الثقافية عودة إلى الثقافة الحقيقية. فأمة تقرأ العلم والأحكام ولا تصل إلى الحكمة والثمرات أمة بلا حياة.

معاون وزير الثقافة توفيق الإمام شدّد على مكانة الشعر في هذه الأزمة من خلال الشعر الوطني متمثّلاً بالقامات الكبيرة كبدوي الجبل وخير الدين الزركلي وغيرهما من القامات الوطنية بامتياز، حيث عملوا في الشعر والسياسية والفكر.

ولفت الإمام إلى أن الشاعر الزركلي كان مناضلاً مؤمناً بوطنه وعمل على وحدة الشعب بأفكاره وشعره ودواوينه ومؤلفاته، فبقيت لسورية ودمشق مكانة كبيرة في قلبه وذاكرته، وها نحن اليوم نحتفي بهذه القامة الوطنية بامتياز ونحن أحفاد تلك القامات التي تميّزت بحبّ الوطن والمقاومة والصمود.

من جانبه، قال الباحث والشاعر أحمد المفتي في مداخلته التي جاءت بعنوان «ساعتان في حضرة الزركلي»: ما أخال أنّ امرئاً عاش بين قرنين من الزمان تمثل وحدة الوطن في شخصه كالزركلي حيث حمل صفات وجزئيات وقوميات وتقلد المناصب وامتلك ناصية الشعر وكتب في الصحافة وعمل في السياسة وروى التاريخ وغاص في بطون المخطوطات العربية باحثاً منقّباً مسجّلاً سير الاعلام من العرب وغيرهم، جامعاً تراث الأمة. مستعرضاً لقاءه به خلال ساعتين من الزمن حيث قرأ له شيئاً من مذكّراته، فسحر ببيانه وعلومه وبعذوبة اللفظة واسترسال الجملة.

واعتبر رئيس قسم اللغة العربية في جامعة دمشق الدكتور محمد شفيق البيطار أن كتاب الاعلام للزركلي واحد من أهمّ مؤلفات قليلة في القرن العشرين. فالمؤلف والكتاب معروفان مشهوران ويقع في ثمانية مجلدات تبلغ 10 آلاف صفحة من التراجم الدقيقة العميقة، وبلغت التراجم فيه نحو 14 ألف ترجمة بين عرب ومستعربين ومستشرقين.

ولفت البيطار إلى أنّ الزركلي بلغ هذا المبلغ من النضج الذي جعله مأوى نافذة العلماء والباحثين، بعدما نما على روية شيئاً فشيئاً وكبر كما كبر صاحبه حيث بدأ جمع مادة الكتاب عندما كان ابن عشرين سنة، فجمع المادة ونقّحها وحرّرها وطبع الطبعة الأولى منها بعد 15 سنة. مبيّناً أن الكتاب الخالد يحتاج إلى وقت، وبعد 30 سنة أصدر إصداراً جديداً فجاء في عشرة مجلدات، ثم أصدره للمرة الثالثة بإضافة مجلد جديد وجمع الصور والخطوط في مجلد واحد فجاء في 11 مجلداً، حيث وضع له مستدركاً واحداً عام 1970، وأراد أن يجمع كل شيء في كتاب واحد، مبيّناً أن هذا هو تاريخ كتاب عظيم استغرق نحو 60 سنة.

حسن الأحمد أستاذ الأدب القديم في جامعة دمشق أوضح أن الزركلي من القامات الشعرية البارزة في مسيرة الشعر العربي الحديث والوطني على وجه الخصوص، وهو الشاعر الذي عبّر عن الأحداث الكبرى التي عصفت بالأمة والوطن في القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث يكاد أن يكون الشاعر الأول الذي جعل لسورية صوتاً شعرياً في الشعر الحديث، وتميّز بالخصوصية الشعرية التي ميّزته من غيره من الشعراء كونه ينتمي إلى المدرسة الكلاسيكية التلقيدية.

يشار إلى أن الشاعر الزركلي يعتبر واحداً من أهم الشعراء الكلاسيكيين في سورية والعالم العربي، ولد في بيروت عام 1893 لأبوين دمشقيين وتعلّم في إحدى المدارس الأهلية الدمشقية، وأصدر عدداً من الصحف منذ مطلع شبابه وتعرّض للملاحقة من سلطات الاحتلالين العثماني والفرنسي الذي حكم عليه بالإعدام غيابياً، وله عدد من المؤلفات في التاريخ أهمها كتابه الأعلام، كما كان عضواً في مَجْمعي اللغة العربية في دمشق والقاهرة. ووافته المنيّة عام 1976.

حضر الندوة رئيس اتحاد الكتّاب العرب الدكتور نضال الصالح، ومدير مكتبة الأسد صالح الصالح، وحشد من الأدباء والمهتمين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى