الأكراد في أمتنا هم سيفنا وترسنا من صلاح الدين في حطين إلى يوسف العظمة في ميسلون

اياد موصللي

في المؤتمر الصحافي الذي عقده مندوب سورية في اجتماع أستانة بشار الجعفري بتاريخ 24/1/2017 سئل عما يطرح من مشاريع تدعو للفدرالية في سورية فكان جوابه «الفدرالية فكرة مجنونة… لن تتحقق في سورية وأنّ أيّ نظام يتعلق بمستقبل سورية يقرّره السوريون أنفسهم وليس مكوّن من مكونات الشعب السوري بشكل أحادي الجانب.

وقال: «من لديه أفكار فليطرحها بشكل ديمقراطي في البرلمان والحكومة وأيّ فكرة مهما كانت مجنونة مثل الفدرالية… لن تتحقق في سورية… لكن مع ذلك أيّ فكرة يريد أن يطرحها هذا الجانب أو ذاك يمكن طرحها بشكل ديمقراطي وإنْ حظيت بالإجماع وقتها فلكلّ حادث حديث، أما أن تختار مجموعة من الناس أن تعمل دولة صغيرة تسمّيها فدرالية وتقسّم البلد وتشتغل بأجندات خارجية، فهذا الكلام مرفوض جملة وتفصيلاً… هذا الكلام لا ينطق بلسان جميع السوريين الأكراد… كثير من السوريين الأكراد وطنيون بامتياز وهم ضدّ موضوع الفدرالية».

وكان قد سبق للدكتور الجعفري انّ صرح في 1/2/2016 في جنيف أنّ الأكراد مدعوّون للتخلص من هذه الأوهام… وانطلاقاً من مفهومنا القومي والفكري وما نؤمن به عقائدياً والدور الكردي في أمتنا فإنني مع رفض كلّ فكر مشرذم مفتّت لوحدة أمتنا، والأكراد عصب حيّ في هذه الأمة، ومدماك أساسي في تكوّن بنائنا القومي، وجزء أساسي في تاريخنا ومكوّن رائع من مكونات وطننا وأمتنا وصفحة مجيدة نعتز بها…

في شباط 1982 كتب الصحافي «الإسرائيلي» اودين بيبنون، وكان من كبار موظفي وزارة الخارجية «الاسرائيلية» وعلى علاقات وثيقة بجهاز المخابرات الاسرائيلي «الموساد».. كتب مقالاً بعنوان «استراتيجية إسرائيل» دافع فيه عن تحويل «إسرائيل» الى قوة إقليمية، ومن أهداف هذه القوة «تفتيت العالم العربي إلى فسيفساء من الجماعات الاثنية والدينية والعنصرية المتناحرة…»

اولاً وقبل كلّ شيء يجب إضفاء بعض المعلومات عن الوضع الكردي في منطقة الجزيرة المتاخمة للحدود التركية… في هذه المنطقة مجموعة كردية تنتشر في مناطق درباسية، عامودة، المالكية، القامشلي. هذه المجموعة قدمت من تركيا بعد سلخ لواء اسكندرون وانطاكية وكيليكيا… من ديار بكر وسواها… وانضمّت للسوريين الأكراد أبناء المنطقة الأساسيين مع العناصر السورية الأخرى…

في منطقة الجزيرة بسورية تنوّعات عرقية مختلفة، أكراد، شيشان، كلدان، آشوريون، سريان، عرب، أرمن، تركمان. جميعهم وعلى مختلف معتقداتهم الروحية وتنوّعها تجمعهم هوية سورية واحدة، وقد أثبتوا في كلّ مراحل التاريخ هذا الانتماء الأصيل، مثبتين أنه في الوحدة القومية تضمحلّ العصبيات المتنافرة وتنشأ الوحدة القومية الصحيحة التي تتكفّل بإنهاض الأمة… انّ بعض العناصر من الأكراد النازحين من تركيا احتفظوا بعصبيتهم وتقوقعوا بشكل مغاير للروح الوطنية العامة، وساهمت بعض الإجراءات الإدارية بإثارة أحقادهم وانعزاليتهم.

فالأكراد في إيماننا ويقيننا هم جزء أساسي حيوي من هذه الأمة، فهم «قطبة» أساسية من النسيج الذي يتألف منه هذا المجتمع في هذه الأمة بقوميتها المتجانسة التي تنصهر فيها العصبيات المتنافرة وتضمحلّ في وحدتها التي تضع مصلحة الأمة والمجتمع فوق كلّ مصلحة.

لقد انصهر الأكراد في مختلف مراحل التاريخ في بوتقتهم الاجتماعية التي وجدوا فيها على هذه الأرض وتجانسوا مع المجموعات الأخرى التي عاشوا معها وتفاعلوا وكوّنوا مشتركين حضارتها وسطروا تاريخاً مشتركاً وأبدعوا بدمائهم بطولات. وتبرز وحدتهم أكثر ما تبرز في بلاد الشام عكس تركيا وإيران. ففي بلاد الشام وما بين النهرين وجدوا ذاتهم في مجتمعاتهم.

عندما تستوعب الأرض كلّ من عليها ولا ترفض أو تميّز بين هؤلاء الذين عاشوا عليها واندمجوا فيها يكون قد تكوّن لدينا جماعة من الناس لهم خبرة تاريخية مشتركة ورغبة في العيش معاً يجمعهم ولاء للدولة القومية، قوميتهم هم، أبناء الوطن والأرض التي يكنّون لها المحبة ويشعرون نحوها باعتزاز الانتماء، يشتركون معاً بالثقافة والترابط الاجتماعي الواحد بمؤسساته الاقتصادية والاجتماعية المشتركة وفي العمل والاندفاع والحماس من أجل سلامة هذه الجماعة ومجدها. انّ خصوصية مجموعة ما من أبناء هذه الأمة لا تعني انعزاليتها وتقوقعها داخل شرنقة عنصرية خاصة داخل كيان الأمة، فإذا كانت العروبة مارس القوميون العرب العروبة وطقوسها على أساس انها نعرة دموية سلالية ولدت دولة ذات تنظيم عنصري وتضمّ هذه الدولة العنصر النقي الصافي وترفض كلّ ما عداه من العناصر التي عاشت على هذه الأرض التي جاءتها كما سبق وأشرنا بالحرب او الهجرة واندمجت فيها، فعندئذ تكون العروبة قد حكمت على نفسها بألا تتوحد وألا تنشأ فيها روابط الحياة الاجتماعية بقدر ما تستيقظ فيها الدعوات والاعتقادات السياسية الممزقة لوحدتها الموقظة للعصبيات المتنافرة كما في أكثر من موقع ومكان.

انّ إيمان كلّ من على هذه الارض بأنّ القومية هي «ثقة القوم بأنفسهم واعتماد الأمة على نفسها»، وإيمانهم بوحدة مصيرهم هو وحده الكفيل بالقضاء على عوامل الفرقة والتشرذم ويرسخ إيماننا بأنّ كلّ ما فينا من أمتنا ولها حتى الدماء التي تجري في عروقنا ومتى طلبتها وجدتها.

انّ ظهور العصبيات بين بعض الأكراد مناف تماماً لتاريخهم الوطني والقومي العريق، ولا يمكن له ان يكون وليد عوامل محلية بحت. فالاختلافات التي تنشأ في المجتمع الواحد والجماعة الواحدة لا تترك ذيولاً انتقامية عصبية لذلك، ما نراه أمراً غريباً لم نعهده في تاريخ العلاقة بين أبناء الأمة الواحدة، هذه الأمة التي يشكل الأكراد في هذا المجتمع الكبير جزءاً أساسياً منها تعطينا صورة واضحة عن المكانة التي احتلها الأكراد في هذا الوطن وكيف ساهموا في صنع تاريخه المجيد، فهم في صلب تكوين هذه الأمة ولم نقرأ أبداً في تاريخنا كلمة عن المماليك «الأكراد» فيما امتلأت صفحات التاريخ عن المماليك الأتراك او الشراكسة او الارناؤوط وغيرهم، وعلى العكس كانت الدولة الأيوبية كياناً سورية اسلامياً تحكمه أسرة كردية أغنت تاريخنا بجليل إنجازاتها، فقد كانت ملحمة مهمة تعكس نضال أمة أبت أن يكون قبر التاريخ مكاناً لها في الحياة…

نسمع عن عرب وأكراد في سورية لأنّ تاريخ سورية البعيد والقريب غني بمؤشرات التلاحم الوطني والقومي الذي تعكسه الأحياء السكنية المشتركة ذات الأسماء الكردية في ركن الدين في دمشق المعروف عامياً بحي الأكراد، والذي لم تحدث فيها ضربة كفّ منذ تكوّن حتى الآن وتفسّر على أساس عنصري. كما تعكسه الشخصيات الكردية التي حكمت البلاد ومثلت الشعب في مجلس النواب على أساس التمثيل الانتخابي العام لا تمثيل أقلية مذهبية او عنصرية، ناهيك عن أعلام الأدب واللغة والتاريخ، فما عدا مما بدا حتى يجري ما جرى ونسمع ما سمعنا «ويكاد المريب يقول خذوني».

فماذا نقول بالأكراد الذين حكموا سورية في العهد الاستقلالي ولعبوا دوراً هاماً فيها أمثال محسن البرازي وحسني البرازي كرئيسين للوزارة، خالد بكداش زعيم الحزب الشيوعي ونائب في المجلس النيابي، علي بوظو نائب، علي ظاظا وزير الداخلية والحاكم العسكري في سورية. وماذا نقول بإبراهيم هنانو الكردي من قضاء كفر تخاريم في إدلب بطل الثورة السورية وقائدها.

ولم يكن أحد يسأل أو يعير انتباهه واهتمامه للعنصر الذي ينتمي اليه هذا الرئيس او ذاك النائب او الوزير فلم يكن إشغالهم لمنصب «تمثيلاً» لعنصر أو مذهب او طائفة.

محمد كرد علي رئيس المجمع اللغوي العربي في دمشق كان كردياً، حسني الزعيم وأديب الشيشكلي كرديان رئيسان للجمهورية، الشاعر المعروف الأمين نذير العظمة كردي، وهو سوري قومي اجتماعي، والرفيق زكي نظام الدين كان منفذاً عاماً لمنفذية الحسكة في الحزب السوري القومي الاجتماعي ومركزه مدينة القامشلي وشقيقيه، واحد وزيراً للاقتصاد والآخر عبد الباقي نظام الدين قائداً للجيش…

اننا نرفض رفضاً قاطعاً ان تقوم بين الأكراد عصبيات وتشنّجات تحجب عنهم رؤية الواقع، انّ المتطرفين والمتعصّبين يتحمّلون المقدار نفسه من المسؤولية التي يتحمّلها سواهم من العناصر الأخرى اذا وجدت.

انّ الأكراد بفعل انتمائهم القومي شخصية فاعلة في مجتمعها ومصدر غنى وقوة واعتزاز وكما أغنى صلاح الدين الأيوبي تاريخنا بمواقف العز ننتظر ان يغني أكراد اليوم التاريخ كما بالأمس واليوم وغداً. آل الايوبي في عصرنا الحالي شغلوا مناصب عليا ومنهم من تبوأ رئاسة الوزراء ومنهم قادة كبار في الجيش.

انّ الممارسات الخاطئة لا يمكن ان تبني وطناً ولا مجتمعاً قوياً متماسكاً. اننا نربأ بالأكراد ان يكونوا «جوكر» الأحداث التي تباغت أمتنا بين الحين والحين فيتحرك بعضهم كلما رأى الأجنبي انّ له مصلحة في استخدام الورقة الكردية فيكثر من الحديث عن حقوق الإنسان وحرية تقرير المصير وإنشاء فدرالية، الأمر الذي انْ طالبت به تركيا فلا يصحّ إطلاقاً تعميمه على أكراد سورية والعراق.

فحقوق الإنسان إذا طالب به كردي سوري فهو نفس ما يطالب به السوري واللبناني والعراقي والعربي عموماً وهو مطلب وطني.

ولا نريد تدخلاً أجنبياً يعيد اليوم تاريخ الأمس ولا نزال نذكر معاهدة «سيفر» عام 1920 يوم وعد الحلفاء الأكراد بوطن في كردستان العليا عندما كانت مصلحة الحلفاء في الحرب ضدّ العثمانيين تستدعي اجتذاب الأكراد لمحاربتها.

وعندما قضت مصلحة الانكليز باستمالة مصطفى كمال «اتاتورك» واسترضائه تجاهلت معاهدة «لوزان» 1923 ذلك الوعد ولم تشترط تلك المعاهدة ايّ معاملة مميّزة للأكراد بل تحدثت عن احترام الحريات لكلّ الأقليات…

واذا كانت معاهدة لوزان قد اعتبرت الأكراد من الأقليات فنحن والأكراد لا نعتبرهم ولا يعتبرون أنفسهم كذلك. فهم أكثرية انْ لم يكن عدداً فنوعية سياسية، ثقافية اجتماعية يملكون في أمتهم إرثاً حضارياً لأكثر الحضارات إشعاعاً للإنسانية كلها.

ولا نريد ان يحدث اليوم ما حدث بالأمس ويتصرّف بعض المنحرفين تصرّفاً يضرّ بهذه الأمة إرضاء لأجنبي على حساب وحدة الأرض والشعب.

يكفي ان ينتصب في ميسلون تمثال لبطل سورية الذي استشهد في سبيل حرية وطنة وهو يوسف العظمة الكردي السوري ليعرف الأكراد انهم سيفنا وترسنا…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى