ماذا ستفعل تركيا وماذا ستفعل أميركا؟

ناصر قنديل

– لم يكد الأتراك ينهون احتفالهم بانتهاء مؤتمر أستانة بتكريس شرعية الفصائل التابعة لهم كشريك في العملية السياسية السورية، حتى بدأت جبهة النصرة بالتهام هذه الفصائل الواحد تلو الآخر، فذهب الثمن الذي دفعه الأتراك في حلب للترسمل لعملية أستانة أدراج الرياح، وصاروا اليوم بحال أسوأ بكثير مما لو أنهم قبلوا من قبل سنتين بتصنيف النصرة إرهاباً ورفعوا الغطاء عنها وخيّروا الفصائل التابعة لمرجعيتهم بين أنقرة والنصرة، لكنهم راهنوا على اللعب على حبل المراهنات، أملاً بأن تكسب النصرة والفصائل حرب حلب فيتمّ دمجها في مشروعهم علناً، وإنْ خسرت يفاوضوا على ثمن رأسها. وها هم قد خسروا الرأسمال الذي دخلوا به طاولة المراهنات وبدأوا بالاستلاف من المرابين، علهم يجدون من ينقذ ماء الوجه، بعدما تكرّر معهم في تجربة النصرة ما حدث في تجربة داعش التي بدأت ورقة قوة تركية تلوّح بها للعالم تحت شعار داعش أم النصرة، فإذ بداعش يضرب في تركيا وبالجيش التركي يعجز على أبواب مدينة الباب لثلاثة شهور ويجد نفسه اليوم في تحدٍّ أكبر مع اكتساح النصرة مناطق الفصائل التركية.

– ليس أمام الأتراك سوى القبول بحقيقة الخسارة، والتموضع الجدي في خط الحرب على النصرة وداعش، والتواضع في قبول أنّ التشكيلات الكردية أشدّ جسارة وجدية في مواجهة داعش والنصرة من الجماعات التي تربّت في مزارع الفكر الإخواني والوهابي وتعجز عن مقاتلة الأشدّ عراقة منها في هذه المزارع، وارتضاء القبول بالتشكيلات الكردية كفصائل معارضة مسلحة تدمج بالعملية السياسية قد لا يبقى سواها من المعارضين الذين يحملون السلاح، وأن يرتضوا بحقيقة أنّ القتال ضدّ داعش والنصرة مع سوريين لن يستقيم إلا عندما يكون هؤلاء السوريون منضوين بالتحالف مع الجيش السوري وتحت لوائه، وأن يتقبّلوا أنّ ما يستطيعه الأميركي سقفه ما استطاعه في الرقة بوجه داعش، رغم كثافة الغطاء الناري التي يقدّمها الأميركيون، وأن سرّ نصر الجيش السوري والحلفاء ليس الغطاء الجوي الروسي الذي يصير مهمّاً عندما توجد في الميدان قوة برية تقدر على قطف ثمار الغطاء الناري وإلا صار فعل الطيران الروسي كفعل الطيران الأميركي.

– الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب لا يقلّ ارتباكاً في المشهد السوري رغم وضوح رغبته بتفادي مواصلة حروب ورهانات إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، فيعلن قراره بتشكيل منطقة آمنة تحت شعار حلّ أزمة النزوح ومخاطبة الأوروبيين بأنه ضامن للحلول، وعنوان المنطقة الآمنة قديم يتجدّد فتهلّل تركيا صاحبة الفكرة الأصلية ومحورها حظر طيران الجيش السوري من الاقتراب من منطقة تفتح للمعارضة المسلحة وتعتبر صالحة لاستيعاب السوريين النازحين بدلاً من توجّههم إلى تركيا وعبرها إلى أوروبا، ولأنّ السؤال الفوري هو كيف سيفعل ترامب الرافض للتورّط بحرب مع روسيا وسورية، وهو ما لم يقدر أوباما على فعله وهو المستعدّ لقدر من نصف تورّط؟

– يأتي الجواب بعد ساعات من واشنطن بالحديث عن توضيح لقرار ترامب بدعوة وزاراته لدراسة الفكرة وكيفية تنفيذها وأكلافها وتبعاتها، والجواب معلوم، المنطقة الآمنة بالصيغة التي سمعناها مراراً مشروع حرب وتورّط في حرب لا تتوقف عند حدود، ومَن لا يريد التورّط في حرب عليه إعادة تعريف المنطقة الآمنة بصفتها مناطق بعيدة عن مناطق القتال وقريبة من الحدود السورية مع دول الجوار ويمكن الوصول إليها بأمان للنازحين العائدين، ويمكن للمنظمات الأممية تخديمها، والطريق لإقامتها كمدن ضخمة تتسع لمئات الآلاف من العائدين أو من النازحين الجدد، وهو التنسيق مع الحكومة السورية، وبينها وبين دول الجوار، وصندوق مالي لتمويل حاجات إقامتها وخدماتها، وتوفير ضبط أمني لها يمنع تحوّلها ملاذاً للمسلحين، عبر وحدات شرطة محلية ترتبط بالدولة السورية وتتسامح مع هويات المعارضين، طالما لا سلاح لديهم، وترعاها شراكة من منظمات دولية في الضمانات والمساعدات. وهذا مشروع يستطيع ترامب اتخاذه بداية لبحث مع روسيا تمهيداً للتفاهم مع الدولة السورية بلا عقد وتعقيدات أوباما، والذهاب إلى مجلس الأمن بقرار ترتضيه الدولة السورية، ويكون بداية حوار أميركي سوري للتعاون في إنهاء الأزمة والحرب في سورية وفقاً لثنائي حلّ سياسي وحرب على الإرهاب.

– ضاقت هوامش المناورات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى