رياشي مُحرَج «إيجاباً»

روزانا رمّال

لا تبدو زيارة وزير الإعلام «القواتي» ملحم رياشي لرئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية تتعلق فقط بمتابعة شؤون اعلامية بين الضيف والمضيف، بل هي زيارة بحتة من «القوات» لـ«المردة».

يكشف الوزير رياشي يوماً بعد الآخر قدرة استثنائية في اكتساب ودّ وثقة الأفرقاء في الحركة السياسية المكلف بها، والتي يسعى لأن يكون أحد أوجهها «المنتجة» على خط التفاهمات والمصالحات. لم يعد رياشي قادراً على التنصل من عنوان عريض أوصله الى ما هو عليه اليوم بكونه أحد أعمدة المصالحة العونية القواتية، بالاشتراك مع زميله إبراهيم كنعان في ثنائية لفتت الأنظار.

تحرّك رياشي في الأسابيع الأخيرة بات يؤخذ في كل محطة له نحو تفسيرات وتقديرات مختلفة، حتى بات يُحمّل أكثر مما تتحمّله بعض المواقف والخطوات التي يقوم بها التي توضع في إطار الطبيعية. الامر الذي لا يقنع اللبنانيين كثيراً وهم الذين لم يتعايشوا مع فكرة «المصادفات» وأسلوب المجاملات لغيابها في «الازمات».

يجد حزب الله في الغداء الذي دعا اليه لتكريم ناشر جريدة السفير طلال سلمان محطة طبيعية تتطلّب وجوب دعوة وزير الإعلام الى هذه المناسبة كمعني مباشر. وهذا ما لم يكن ربّما ليحصل سابقاً. والسؤال هنا لـ«حزب الله» أيضاً هل كان مستعداً للانفتاح نفسه بمرحلة ما بعد 2005؟

المسألة إذاً، ليست في دعوة أو في غيرها بل في مرحلة تحمل عنواناً عريضاً حسمت التكهنات منذ تقبّل حزب الله فكرة توزير القوات أولاً ومصالحتها مع عون قبل كل شيء، ثانياً أي ان المسألة اصبحت في إطار التوجه التدريجي نحو تطبيع العلاقة منذ لحظة تسيير الأمور وتسهيل من قبل حزب الله، أي منذ اوائل ايام تشكيل الحكومة وليس الآن. وهو ما تؤكده المعلومات فحزب الله لم يحاول عرقلة توزيع الحقائب بالشكل الذي يجعل من القوات عدداً مكملاً فقط رغم تحفظه بداية في مسألة الحقائب السيادية، ولهذا حساب آخر يتعلق بعلاقته مع «إسرائيل» وطريقة معالجته لمسألة السلاح او الاتصالات التي يفضل أن تبقى بعيدة عن الاستفزازت والمناكفات اليومية، وليس العلاقة بـ«القوات» مباشرة.

بالعودة الى رياشي الذي لم تعد تحتمل نشاطاته «العفوية» والذي أُحرج «إيجاباً» منذ لحظة الإعلان عن نجاحه في اتمام المصالحة مع التيار الوطني الحر، فإنه من دون شك يعطي اليوم ما يكفي من مؤشرات جدية في حراكه نحو «بنشعي»، نظراً لما يحمله من خلفية سياسية وسابقة في تذليل العقبات أمام القوى المتصادمة.

لكن الأساس هنا هو ما تريد القوات الإعلان عنه منذ لحظة تقبل المتغيرات المحيطة في المنطقة والتي أثّرت من دون شك على قراراتها جذرياً، فلحظة إعلانها ترشيح عون لرئاسة الجمهورية لم تكن لحظة كيدية مقابل ترشيح الحريري لفرنجية على الإطلاق وما الزيارة القواتية الى بنشعي اليوم إلا دليل على أن انعطافة القوات تأتي نتيجة قراءة سياسية لمجمل التطورات المحيطة، فهي تدرك جيداً أن كل شيء تغيّر «مسيحياً» منذ لحظة قدوم روسيا الى المنطقة بالتالي فإن مرحلة الغطاء التي كان يشكلها النفوذ الأميركي الغربي في لبنان منذ ما بعد اغتيال الحريري قد انتهت وأن موسكو وواشنطن على تنسيق تام في ما يخص إعطاء الاولوية لروسيا في ما يتعلق بالشأن السوري وتوابعه أي «لبنان». وعلى هذا الأساس صرفت روسيا ما انتجه تدخل حزب الله في سورية وترجمته غطاء واسع النطاق لبنانياً بتجييره نفوذاً لحلفائها ومصالحهم «إيران حزب الله»، استناداً للتحول العسكري لصالح النظام في سورية.

قراءة «استثنائية» أولى من نوعها أخذت القوات نحو غطاء مسيحي مسيحي محلي يكاد يكون العماد عون والتيار الوطني الحر المخرج المتبقي لاحتضانها بعد غياب الغطاء الدولي الواضح والصريح عن لبنان، ضمن قيادة مشروع واضح المعالم او داعم للمسيحيين. كل هذا يُضاف الى حسابات مستقبلية تتعلق برئاسة الجمهورية تعرف القوات جيداً معنى تأسيس الأرضية المناسبة لها، ولو بعد حين، وهو حساب لا يزال يعتري جعجع.

تتوجّه القيادة في معراب نحو «بنشعي» بلسان الوزير رياشي لترسل إشارات إيجابية جداً على خط تعزيز العلاقة الثنائية، وبالنظر الى جدوى هذه العلاقة اليوم حاملة بعدين أساسيين، كما علمت «البناء» من مصادر سياسية بارزة: الاول انتخابي يتعلق بادارة العملية الانتخابية في الشمال ضمن الواقع الجديد الذي فرضته المصالحة العونية – القواتية لفرض مرشحين مشتركين البترون مثلاً وترشيح الوزير باسيل ، والمكاشفة حول المقاعد المتبقية مع المردة وهو الملف الذي سيأخذ الطرفين نحو لقاءات أخرى. أما الثاني فهو ما تجزمه المصادر نفسها ويتعلق ببدء القوات اللبنانية خطواتها الأولى نحو «تذليل» العقبات التي تحول بينها وبين التقارب الرسمي مع حزب الله، أولها تصحيح العلاقة مع الوزير فرنجية نزولاً عند حساسية تخطّي الحزب حلفاءه الذين يحملون خصومة تاريخية مع القوات. الأمر نفسه الذي ينطبق على العلاقة مع عائلة كرامي والذي ترجّح المصادر فتح قنوات قواتية ممكنة بهذا الاتجاه تبدأ ربما ضمن غطاء خدمي يقع ضمن دائرة حراك وزير الصحة غسان حاصباني ومناقشة ملف مستشفى طرابلس الذي يملكه «آل كرامي»، فتضرب القوات حجرين بعصفور واحد من دون تجاهل زيارة القوات للسفارة الإيرانية والتعزية بوفاة الشيخ هاشمي رفسنجاني، والتي لا يمكن احتسابها بأي شكل من الاشكال ضمن الواجب، بل ضمن الذريعة او الحجة التي تقتنصها القوات احتساباً «لأي انتكاسة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى