لعبة النفط والتجارة الدولية الجديدة

د. رائد المصري

تبدو المراسيم الرئاسية التي وقعها الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب مثيرة للقلق، وتشكل بدايةً لتحوُّل كبير على حركة التجارة الدولية وسياسات تحرير البلاد الأميركية من استيراد النفط والاعتماد على استراتيجية أمن الطاقة الأميركي، والتي كان افتتحها الرئيس السابق باراك أوباما في إنتاج النفط الصخري الأميركي، رغم محدودية إنتاجه وكلفته في سياق انهيار أسعار الطاقة وبرميل النفط الذي رسمت عليه السعودية آمال تحقيق إنجازاتها السياسية في إضعاف الموقف السياسي واندفاعة كل من إيران وروسيا وَوَأْدِ مشروع النفط الصخري الأميركي في بدايته، وحتى قبل أن يتم تفعيله.

يعمل ترامب اليوم على إلغاء قيود التشريع كلها من أمام إنتاج الوقود الأحفوري أو الصخري، والبدء بتطبيق سياسة الرسوم الجمركية على السلع المستوردة إلى أميركا، وهو ما يمكن أن يؤثر تأثيراً مباشراً على سوق النفط العالمي، وبالتالي سيزيد من اعتماد الشركات الأميركية التي تنتج وتكتشف كميات كبيرة من الخامات، خصوصاً بعد إعفاء هذه الشركات المنتجة والمكتشفة للنفط من دفع أي ضريبة على صادراتها، وهو ما سيحفّزها للإنتاج من أجل تحقيق المزيد من الأرباح ومن الإنتاج.

وعليه يبدو إنتاج النفط والاكتفاء الأميركي أقلّه من النفط الصخري يحتاج إلى معدل سعر ما بين 40 و60 دولاراً للبرميل الواحد، ومن خلاله تستطيع الشركات البدء بالاكتشافات والحفر وبناء المصافي، لكونها معفاة من دفع الضريبة على التصدير.

كذلك نجد عند الرئيس ترامب ميلاً كبيراً لتغيير قواعد لعبة التجارة الدولية، التي أرستها أو أرساها النظام التجاري الدولي منذ معاهدة برتون وودز عام 1944 قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية، وأيضاً اتفاقية الغات عام 1994. هذا التغيير الذي يرغب فيه ترامب جعل حجم الاعتراضات عليه يكبر يوماً بعد يوم من خلال الترويج بأن هذه الخربطة في خريطة التجارة الدولية ستؤدي إلى الفوضى الدولية على الصُّعُد كافة.

الحماية التجارية التي يريدها ويرغب فيها ترامب، والتي بحسب رأيه تقود إلى القوة والثروة، سيكون عمادها عقد وبناء الاتفاقات الثنائية والثلاثية بين الدول على أبعد تقدير، وهو ما تتوَّج بزيارة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي للرئيس دونالد ترامب بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، ومباركة إدارة ترامب لهذا الخروج .

إذاً، القوانين والمراسيم التي بدأ يؤشر عليها ترامب والتي يأمل من خلالها زيادة فرص العمل والاستغناء أو إضعاف المعونات الاجتماعية التي تكلِّف الخزينة الأميركية ثروات طائلة للعاطلين عن العمل، كذلك إجبار الشركات الأميركية في الداخل وفي الخارج على أن تتحوًّل وتعمل في أميركا وهو ما سيزيد من توفير فرص العمل وتوسيع وإراحة الطبقات الوسطى والعمال، حتى ضريبة الحدود التي يُراد فرضها أميركياً، وتصل إلى أكثر من 30 ستجعل المواطن الأميركي مجبراً على استهلاك المنتج المحلي، لأن هذه الضرائب والرسوم ستجعل المُنتَج المستورَد أغلى من المحلي، وفي الوقت ذاته ستُجبَر الشركات الأجنبية والأميركية على العمل والإنتاج من الداخل الأميركي.

مهمات بدأها ترامب بسحب بلاده من اتفاقية شراكة المحيط الهادي، ومنع إجراء اتفاقية النافتا مع المكسيك وكندا، أو إعادة التفاوض معهما، وتكاليف بناء الجدار المكسيكي: كلها عوامل مثيرة للقلق بالنسبة لحركة التجارة الدولية المعولمة، فحرية التجارة تعني عدم تدخل الدولة أو الحكومات فيها، لكن ترامب ومن منظوره ومن خلال إجراءاته يدرك أن حرية التجارة هذه لا تعني إلاَّ توفير المصلحة الذاتية الأميركية، والأميركية فقط، وهو ما بات يُنبئُ بنهاية سياسات واتفاقيات تجارية دولية أرستها العولمة الاقتصادية وتعتمد منذ الحرب العالمية الثانية الدولار كعملة وحيدة في المبادلات التجارية وخصوصاً للسلع الاستراتيجية.. فكيف ستُصاغ تلك السياسات الحمائية؟

هنا نستطيع أن ندخل وبما يترابط مع موضوعنا السابق ذكره بشأن تسريبات الدستور السوري الجديد الذي سلَّم الروسي نسخة عن مسودته لبعض فصائل المعارضة المسلحة التي كانت مجتمعة في أستانة…

في الاستعراض عبر طرح ما جاء في بعض بنودها، وما إذا كانت تتماشى مع المسار والترتيب الجديد للنظام العالمي بعد تسلم دونالد ترامب الرئاسة الأميركية :

تحدّثت بنود مسودة الدستور السوري الجديد عن شطب الجمهورية العربية السورية لتحلَّ محلها الجمهورية السورية، وإلغاء الإشارة بأن الفقه الإسلامي مصدر التشريع والقبول بالدعوى لتطبيق مبدأ لامركزية السلطات… لا مركزية السلطات هي أمر مهم ومتقدم في بناء الدولة وبناء منظومة تشاركية، لكن الحديث عن إلغاء الجمهورية العربية السورية فيه بواطن ومكامن خطيرة، وهي التي كلفت على الأقل في لبنان 300 ألف ضحية لتعديل فقرة أن لبنان عربي الهوية والانتماء…

الحديث عن المساواة بين اللغتين الكردية والعربية في مناطق الشمال يبدو أنه اعتراف أولي بوجود الخصوصيات الذاتية لهذه المكونات، ولكن دعونا نراقب حرية هذه الخصوصية ومدى انتمائها واستئمانها على البلاد..

المسودة الروسية للدستور السوري الجديد تلغي أن يكون نصف أعضاء البرلمان السوري من العمال والفلاحين ويتحوّل الرئيس العتيد لتولي مهمات الوساطة بين الدولة والمجتمع… وهو ما يُعيدنا بالذاكرة لاتفاق الطائف عام 1990 الذي تفاعل منتجه السياسي مع حقبة العولمة المتوحّشة التي فرضت نفسها في مجالات الحياة كلها…

لتتوالى بنود هذه المسودة الجديدة حول تعيين نواب رئيس مجلس الوزراء من خلال التمثيل الطائفي والقومي… وصولاً إلى أن تسقط من هذا الدستور أي شارة قومية أو عربية أو اشتراكية… وكأن هذه الإشارات المذكورة هي التي تسببت بتلف الأمة وضياعها ووضعها على قائمة التخلف.. نذكر هنا أن الرئيس الراحل حافظ الأسد كان قد تسلم الحكم في سورية ولم يكن فيها كهرباء بعد ولا جامعات ولا بنى تحتية… للإشارة فقط .

هذه الوثيقة أهم وأخطر ما فيها هو النزوع الكبير نحو اعتماد الليبرالية والاقتصاد الحر… ربما نكون أمام حقبة مفصلية في بناء نظام عالمي جديد أراد من سورية أن تكون نموذجاً في البناء السياسي بهذه الشاكلة لتتعمّم على دول المنطقة…

لكن يبقى الرهان على إرادة السوريين والشعب السوري، لكونه سيخضع للاستفتاء الشعبي قبل إقراره ووضعه حيز التنفيذ…

أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى