فخامة الرئيس: يتحدّونك بهيئة إلغاء الطائفية فتحدّاهم بها

ناصر قنديل

– لا يبدو السجال الذي افتتحه النائب وليد جنبلاط تحت عنوان تطبيق الطائف من قبيل الرغبة الجدّية بالسير بالروزنامة الإصلاحية المعطّلة للطائف على قاعدة الاكتفاء بما طُبّق منه، والذي لا يعدو كونه تطبيقاً معكوساً لمضمون نظام 1943، أي استبدال صيغة تمنح الأولوية واليد العليا في النظام الطائفي لمن يشغل المناصب الدستورية من المسلمين، بعدما كانت لمن يشغل المناصب الدستورية من المسيحيين، بينما روح الطائف كانت تقوم على نقل الغلبة مرحلياً لصيغة تقوم على مؤسسة الشراكة المتكافئة، المنبثقة من قانون انتخاب يحقق المناصفة العميقة، وليس السطحية في التمثيل النيابي، وتنشأ عنه مؤسسات تشبهه في توازنها وتلبيتها مقتضيات الشراكة، والانطلاق فوراً من هذه الصيغة التي لم يرَها ولم يُردْها الطائف إلا مرة واحدة، بينما هي تعيش منذ ربع قرن ويزيد، لبلوغ جوهر الطائف الإصلاحي القائم على وضع خطة مرحلية تقيم التوازن بهدوء خارج صخب الحرب، بين صيغة الطائفية اللازمة للتوازن في أضيق نطاق، وصيغة المواطنة اللازمة للتطور وقيام الدولة والسير بها إلى أوسع مدى.

– الإخلاص للطائف هو إخلاص للمعادلة الذهبية التي أقامها على قاعدة دورة نيابية واحدة تقوم على مناصفة حقيقية عميقة في أول مجلس نيابي يخرج عبره لبنان من الحرب، تتولّد منها سائر المؤسسات لإقامة الاسترخاء الطائفي اللازم لبدء الورشة التي قال الطائف إنها تبدأ مع أول مجلس نيابي منتخب على أساس المناصفة بإنشاء هيئة وطنية عليا، ليست مهمة تسميتها بالهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، بقدر ما هي هيئة السير بالبلاد نحو إجراءات إصلاحية نوعية تعزّز المواطنة، وتنتقل بالطائفية إلى الحدود الأضيق التي تقف مهمتها عند حدود أن توفر الاطمئنان للمكوّنات الطائفية من دون بلوغ حد أن تتركها تبتز البلاد كلها باسم الخوف والغبن. وهذه الهيئة التي تضم رئيس الجمهورية ويترأسها حكماً، وتضمّ رئيس مجلس النواب والحكومة، وسواهما من الشخصيات الفكرية والسياسية والثقافية والاجتماعية، لوضع خطة الإصلاح المنشودة، وليس مجرد خطة لإلغاء الطائفية.

– في طليعة الإصلاحات التي وضعها الطائف، وكانت عبقرية في فهمها للتوازن المنشود بين الحدّ المقبول من الطائفية والحد المطلوب من المواطنة، هي صيغة مجلسي النواب والشيوخ، وهي أيضاً صيغة كان يُفترض أن تولد فوراً من بعد تشكيل الهيئة الوطنية للإصلاح، أو لإلغاء الطائفية، في إطار سلة الإجراءات والخطوات والخطط التي تقرّها الهيئة ويتلقاها مجلسا النواب والوزراء لتحويلها قوانين ومراسيم، ويجري التندر بطرحها اليوم من باب أنها استحالة، وطالما هي كذلك، فتعالوا نبحث ما دونها، لتنظيم مشبع بالطائفية، ومعناها الوحيد التقاسم، وترجمته الوحيدة تقاسم الزعامات الطائفية للدولة كحصص ومناصب ومكاسب.

– الإخلاص للطائف يستدعي القول إنه بقدر ما تمّ التهرّب من اعتماد صيغة تنتج مجلساً نيابياً على أساس المناصفة والتوازن والتكافؤ بين المكوّنات الطائفية، جاء وصول رئيس للجمهورية هو العماد ميشال عون بديلاً من العيار الثقيل، كان يُفترض أن ينتج مثله من مجلس المناصفة المفترض في بدايات تطبيق الطائف، بحيث صارت المهمّة الملقاة على عاتق الرئيس الإصلاحي القوي المخلص لقسمه الدستوري هي وضع المؤجّل من الطائف على الطاولة فوراً، والقول بالصوت العالي، كفى، ربع قرن من المماطلة يكفي، هيّا إلى تشكيل الهيئة الوطنية للإصلاح، ومنها إلى صيغة مجلسَي النواب والشيوخ وفق نص المادة 22 من الدستور، كقانون انتخاب، وليمارس الرئيس حقه الدستوري بطلب تعديل الدستور، بصيغة تستبدل نصوصه المؤجّلة المكتوبة كلغة، مع انتخاب أول مجلس نيابي على أساس المناصفة، وصيغة مع انتخاب أول مجلس نيابي خارج القيد الطائفي، بصيغة النص الدستوري الحقيقي، تتشكل الهيئة الوطنية وفقاً للنص التالي، وتشكل السلطة التشريعية وفقاً للنص التالي.

– فخامة الرئيس، ربما أراد البعض أن يتحدّاك بالحديث عن الطائف والهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية وصيغة المجلسين، ونحن نتحدّاهم بقبولك التحدّي… أقدم! فالإصلاح خيار وقرار وتوقيت. وما لم يُنجَز في ربع قرن فلن ينجز في قرن ما لم تضعْه على الطاولة اليوم وليس غداً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى