القاهرة بحضور عون… لا ترى مبرراً لاستمرار شغور مقعد سورية جنبلاط يودع بري «أمانة حفظ الدروز والزعامة الجنبلاطية» بقانون مناسب

كتب المحرّر السياسي

ينعقد اجتماع أستانة الثالث لتثبيت مشاركة الأردن وفصائل الجبهة الجنوبية، بعدما أشعلت جبهة النصرة معركة حي المشنية في درعا للتخريب على لقاء أستانة، فيما تكشف جماعات الرياض من المعارضة السورية أنها متروكة تواجه مصيرها، بعد التموضع التركي والأردني واللامبالاة السعودية، وتتخبّط في كيفية الخروج من مأزق جنيف الذي يقوم تفاهم بين موسكو ونيويورك على جعله محطة حقيقية للبدء بالمسار السياسي، بوفد معارض متوازن التشكيل بين المنصات في الرياض وموسكو والقاهرة، متزن الخطاب لجهة التأقلم مع المتغيّرات، وقبول سقف عنوانه تشكيل حكومة سورية في ظل الرئيس بشار الأسد تمثّل سورية في تحالف دولي إقليمي للحرب على الإرهاب. ويبدو الاهتمام العربي قد انتقل إلى مكان آخر عنوانه بدء التفاوض مع إيران رغم الضجيج والكلام العالي السقوف، والعين الأميركية رغم الصراخ العالي بوجه إيران تتركز على مشاريع تفاهمات يجري إنضاجها مع موسكو، في مقدّمتها شروط الفوز بالحرب على داعش في سورية بعيداً عن العنتريات التركية، التي بدأت بالحديث عن ما بعد الرقة وهي لا تزال تتعثر في مدينة الباب وتعترض على دور الجماعات الكردية في الحرب على داعش.

عربياً، تطوّران لافتان ليست البصمة اللبنانية بعيدة عنهما، فالسعودية التي تقود المواجهة مع إيران وتسير بالمزيد من التصعيد في اليمن والبحرين تبدو في حال تجميع أوراق التفاوض لا المواجهة، حيث لا تبدو الزيارة التي يبدأها الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني إلى مسقط والكويت مجرد تلبية لدعوتين رسميتين، بقدر ما هي تلبية لدعوة لحوار يقول المضيفان العماني والكويتي أن شروطه باتت ناضجة، وكانت زيارة الرئيس اللبناني العماد ميشال عون إلى السعودية فرصة للتشجيع عليه. وربما، كما تقول بعض المصادر، تبادل رسائل إيجابية بين طهران والرياض بواسطة العلاقة المميّزة للرئيس اللبناني بحزب الله الذي يشكل أكثر من مجرد حليف لإيران، بقدر ما يمثّل عقلها وقلبها العربيين.

على ضفة عربية موازية شهدت زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى القاهرة إطلاق مصر أول إشارة إيجابية تلبي مضمون دعوة الرئيس اللبناني لترميم العلاقات العربية مع الدولة السورية ويحثّ دعوتها إلى قمة عمان أو فتح باب عودتها إلى الجامعة العربية. وهو ما يتشارك فيه الرئيس ميشال عون مع جهود روسية مع كل من الأردن ومصر. وهذا ما قالت «البناء» قبل يومين إنه على جدول أعمال الرئيس اللبناني في القاهرة وعمان، وكان الكلام المصري عن عدم وجود مبرر لبقاء المقعد السوري في الجامعة العربية شاغراً، بموازاة وجود الرئيس اللبناني في القاهرة، علامة نجاح لما عزم الرئيس ميشال عون على تسخير علاقات لبنان العربية لصناعته، وهو المصالحات العربية العربية والعربية الإقليمية ومدخل هذه المصالحات كمسار ثابت هو مقاربة الوضع في سورية بعين أولوية الحرب على الإرهاب.

لبنانياً، اللافت كان ما جملته زيارة النائب وليد جنبلاط لعين التينة ولقاؤه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، على خلفية المناخ الذي رافق تحفظاته على قانون الانتخابات النيابية المعتمد على النسبية، والردود التي جاءته من كل من رئيس الجمهورية والأمين العام لحزب الله، وبدا من كلام جنبلاط الإيجابي بعد الزيارة، وفقاً لمصادر متابعة، أن جنبلاط يريد تجنّب المواجهة السياسية التي اكتشف أنها بلا جدوى أمام عزم القوى الفاعلة على إنتاج قانون جديد يعتمد النسبية، وأن أفضل السبل هو التعامل من داخل المعادلة الجديدة لا من خارجها، فلجأ إلى صداقته بالرئيس نبيه بري ليودعه ما يصفه جنبلاط في مثل هذه الظروف بـ»أمانة حفظ الدروز والزعامة الجنبلاطية»، بالقانون الذي يراه الأنسب، والتحالفات الأفضل وهو يرتضي من بري الضمانات التي يمكن تحقيقها.

عون يطلب مبادرة مصرية

طغت مواقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من قضايا المنطقة أمس الأول، خصوصاً سلاح حزب الله ودوره في قتال الإرهاب في سورية على المشهد الداخلي، بينما يترقّب الوسطان السياسي والشعبي كلمة رئيس الحكومة سعد الحريري اليوم في ذكرى اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري وخطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ذكرى الشهداء القادة الخميس المقبل.

وبعد السعودية وقطر، حطّ الرئيس عون والوفد المرافق أمس، في مصر في إطار زيارته العربية التي يستكملها اليوم بزيارة الأردن، وتوّج الزيارة بلقاء قمة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي أكد في مؤتمر صحافي مشترك أنّ «العلاقات المتميزة التي تجمع لبنان ومصر تتويج للتواصل القائم بين الشعبين». ولفت السيسي الى أنّ «مصر كانت من أولى الدول التي رحّبت بقدرة اللبنانيين على التوصل الى تسوية سياسية صنعت في لبنان، بعيداً عن تدخل القوى الخارجية»، وأكد أنّ «مصر ستواصل تقديم كلّ الدعم للبنان على الصعد كلها، وهي على استعداد لدعم قدرات الجيش اللبناني ومختلف أجهزته الأمنية للوقوف ضد مخاطر الإرهاب».

وفي المقابل، دعا عون الى إطلاق مبادرة إنقاذ عربية تقوم على وضع استراتيجية مشتركة لمحاربة الإرهاب والعمل على إيجاد الحلول السياسية للأزمات الملحة في الوطن العربي، وبالأخص في سورية.

واعتبر عون أن «لا خلاص لبلدينا اللذين يفتخران بتنوّعهما الديني، ولعالمنا العربي من هذا الإجرام الإرهابي إلا بالتضامن الكامل في مواجهته، لأن الإرهاب لا يميّز بين دول وشعوب وأديان، بل يتبع عقيدة القتل والتدمير. وهي عقيدة منافية لمنطق الحياة، ولثروة الحضارة الإنسانية».

وتكتسب زيارة رئيس الجمهورية الى مصر أهمية خاصة للدور التي يمكن أن تلعبه القاهرة في حل أزمات المنطقة، لا سيما الأزمة السورية، حيث لبنان يتحمّل جزءاً كبيراً من الحرب فيها فضلاً عن دور القاهرة في حل القضية الفلسطينية التي تعني لبنان أيضاً.

وأشارت مصادر دبلوماسية لـ«البناء» الى أن «زيارة عون الى كل من مصر والأردن تندرج ضمن سياسة الانفتاح التي يعتمدها لبنان تجاه الدول العربية واستكمالاً لزيارته الخليجية الى قطر والسعودية»، لافتة الى أن «سياسة الحياد الايجابي التي تبعها لبنان تشبه سياسته في الستينيات من القرن الماضي، حيث يكون مع العرب إذا اتفقوا وعلى الحياد إذا اختلفوا».

وتستبعد المصادر أن «تتمثل الحكومة السورية في القمة العربية التي ستعقد في الأردن في الربيع المقبل وتعزو السبب الى أنّ دول الخليج لن تسمح بحضور ممثل الحكومة السورية في القمة وهي التي تهيمن على قرار الجامعة العربية وعمدت الى استبدال ممثل الدولة بممثل المعارضة في القمة الماضية في قطر»، وأضافت أنّ «شطب سورية من الجامعة العربية كان خطأً كبيراً لأنّ وجودها مصدر قوة للجامعة وإبعادها مصدر ضعف». وتساءلت المصادر: كيف أنّ الدولة السورية الممثلة بالنظام الحالي لا زالت عضواً في الأمم المتحدة ومعترفاً بها دولياً، فيما ألغيت عضويتها في الجامعة العربية بناءً على قرار الرياض؟ وأكدت أنّ «الملك الاردني لا يمكنه أن يخالف الإجماع العربي ويوجّه دعوة الى سورية لحضور القمة».

وتلفت الى أنّ «لبنان يطمح بأن يلعب دوراً على صعيد العلاقات العربية العربية من جهة والخليجية الإيرانية من جهة ثانية، خصوصاً أنّ هناك محاولات لتظهير الخلاف الخليجي الإيراني على أنه صراع سني شيعي. وهو ليس كذلك، والدليل أنّ مصر ودولاً عربية أخرى لم تقف في الصف الخليجي ضدّ طهران»، موضحة أنّ «لبنان ومن خلال التسوية الداخلية بين القوى السياسية، يستطيع تخفيف وطأة الخلافات الخليجية الإيرانية، لأن الوضع اللبناني كان أحد الملفات الخلافية بينهما فضلاً عن العراق وسورية وفلسطين، أما الآن بعد انتخاب رئيس للجمهورية يمكنه أن يعمل على تقريب وجهات النظر بين الأطراف الإقليمية المتصارعة».

مواقف عون تتناغم والمناخ الدولي

ورأى سفير سابق في واشنطن أنّ «مواقف عون التي أطلقها من قضايا المنطقة، لا سيما الازمة السورية وسلاح حزب الله ودوره في سورية ضد الإرهاب، تتناغم مع المناخ الإقليمي والدولي باستثناء دول الخليج التي تستمر بمواقفها من القضية السورية، أما سلاح المقاومة فلم يعد يمثل مشكلة دولية في ظل تمدّد خطر الإرهاب في العالم وبات سلاح الحزب حاجة دولية إقليمية لمكافحة داعش وإن لم يعلن ذلك رسمياً».

وأشار لـ«البناء» الى أن «لا مشكلة لدى الأردن من مواقف العماد عون، وهو الذي يخضع لتهديد الإرهاب، وهناك تسليم دولي وإقليمي بوجود حزب الله في سورية وروسيا تعمل مع الرئيس الاميركي دونالد ترامب لتأكيد وتكريس المعادلة بأنّ وجود الحزب في سورية هو لقتال داعش بعد فشل محاولتها مع الادارة السابقة». ولاحظت المصادر غياب التصريحات الغربية المعترضة على وجود حزب الله في سورية والمنتقدة للنظام السوري ما يؤشر على تغيّر واضح في السياسة الغربية تجاه الملف السوري خصوصاً، ووضع المنطقة عموماً».

وفي ردّ غير مباشر على رئيس الجمهورية، قالت الممثلة الشخصية للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ ، أن «لا سلاح خارج سلطة الدولة وأنّ القرار 1701 ينص على نزع سلاح كل المجموعات المسلحة». وقالت مصادر مطلعة لـ«البناء» إنّ «كلام كاغ خرق للسيادة اللبنانية وتدخّل في الشؤون الداخلية».

أفكار جنبلاط بتصرّف بري

وعلى ضفة قانون الانتخاب، من المرتقب أن يكون الأسبوع الحالي حاسماً لجهة الاتفاق على قانون جديد، وتعقد لقاءات على مستويات عدة بعيداً عن الأضواء لنقاش الصيغ الانتخابية المطروحة، لكن لم تستقرّ الامور على صيغة معينة، بحسب ما علمت «البناء».

وبعد انتهاء جولة اللقاء الديمقراطي على القيادات والقوى السياسية، زار النائب وليد جنبلاط أمس عين التينة، والتقى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وكشف جنبلاط «أنه وضع بتصرف رئيس المجلس بعض الأفكار القابلة للنقاش للخروج من الدوّامة المتعلقة بقانون الانتخاب»، وقال «ليطمئن البعض أن لا هواجس لجنبلاط ولا لأبناء الجبل وأنا أنام قرير العينين».

وسئل عن إشارة السيد نصرالله، فأجاب: «نعم، إشارته في محلها وهي أيضاً تعطينا المزيد من الاطمئنان، ونحن في الخط نفسه».

جعجع: للمختلط في مواجهة النسبية

ومع ضيق المهل الدستورية واقتراب موعد دعوة الهيئات الناخبة في 21 الحالي، حسم رئيس حزب القوات سمير جعجع موقفه برفض النسبية بهدف الاستئثار بالحصة المسيحية من المقاعد النيابية وإلغاء الآخرين، وأعلن التمسّك بصيغة المختلط كإطار يعكس صحة التمثيل ويراعي هواجس القوى السياسية.

وقال مصدر مطلع في التيار الوطني الحر لـ«البناء» إنّ «النقاش يدور الآن بين قانون حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وبين الصيغ المختلطة مع إبقاء الأبواب مفتوحة للذهاب الى النسبية الكاملة. كما يجري العمل على قانون خليط بين النسبية والتأهيل على مستوى القضاء».

وشدّد المصدر على أنّ «عون لن يوقع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة إلا اذا كانت الانتخابات على قانون جديد، لأنّ الرئيس يفضّل عدم إجراء الانتخابات على حصولها وفق القانون الحالي وبالتالي رمى المسؤولية على القوى السياسية وألزمها بضرورة التوصل الى قانون جديد، وإذا لم تفعل فتتحمّل تبعات أي خطر قد ينتج عن عدم إنجاز الاستحقاق الانتخابي في موعده».

وأضاف المصدر أنّ «عون لم يضع شروطاً تعجيزية على أحد، كما يرفض وضع شروط لتعطيل ولادة القانون الذي يمثل أولية عون ويحدّد مسار العهد الجديد، لذلك يعمل عون مع جميع الاطراف للوصول الى قانون جديد ومستعدّ والتيار للقبول بأي قانون يحترم وحدة المعايير ويأخذ هواجس بعض الأطراف بعين الاعتبار».

ونقل المصدر استعداد عون لـ«الذهاب الى تطبيق الطائف والعلمانية الكاملة وإنشاء مجلسَيْ النواب الشيوخ على أساس المناصفة وإلغاء الطائفية السياسية، لكن لن يسمح عون باستمرار بسط هيمنة بعض القوى على القرار داخل طوائفها وإلغاء الآخرين»، مشيرة الى انّ مخاوف جنبلاط ليست في محلها، والدليل خروج قوى من داخل طائفته للقول بأنّ النسبية لا تلغي الدروز بل تضمن حقوقهم وحقوق الجميع».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى