ترامب ونتنياهو… تطابق كلي

راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

كما كان متوقعاً، فالتفاهمات الإستراتيجية بين الطرفين «الإسرائيلي» والأميركي، جرى التوصل اليها مسبقاً، عبر لقاءات جمعت بين رئيس «الموساد الإسرائيلي» ونائب رئيس مستشار الأمن القومي، مع كبار مستشاري الرئيس الأميركي ترامب، حيث جرى التوصل الى تفاهمات استراتيجية، حول مجمل القضايا التي طرحت في المؤتمر الصحافي، الذي ذهب اليه ترامب ونتنياهو مباشرة، في مخالفة غير مسبوقة لأعراف اللقاءات والمحادثات بين الزعماء. بما يدلل على عمق علاقتهما الإستراتيجية والتطابق الكلي في المواقف العامة، مع خلافات ليست ذات قيمة في التفاصيل.

أظن بأن من يفهم ألف باء السياسة ونظريات الثابت والمتحول، يدرك تماماً بأن البيت الابيض و«إاسرائيل» ثابتان لا يتغيران، مهما تغير رؤوساء الوزراء وساكنوا البيت الابيض، من ديمقراطيين وجمهوريين. ولم تجد توسلات السلطة ولا مناشداتها ولا تهديداتها «الفالصو»، بالطلب من ترامب الضغط على نتنياهو وافهامه بأن كفى للإستيطان. حيث لم يجر التركيز على الإستيطان في المؤتمر الصحافي، بإعتباره أصبح من المسلمات في السياسة الأميركية. فترامب خاطب صديقه الحميم نتنياهو بالقول: أود ان أراك تكبح الإستيطان قليلاً، فالعلاقة بين الطرفين أعمق واشمل وذات بعد استراتيجي. وليست قائمة على مساعدة من منظمة «اليو اس ايد» الأميركية للشعب الفلسطيني، لفتح شارع أو تمويل مشروع لتعليمنا الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ وما طرحه الرئيس الأميركي بأن الإدارة الأميركية لم تعد تصر على حل الدولتين، لأن هذا الحل من وجهة نظرها لن يجلب السلام؟ وهي ستوافق على ما يوافق عليه «الإسرائيليون» والفلسطينيون.، وهذا يعني بالملموس، أنها تغلق الطريق أمام المرجعية الدولية للمفاوضات. وتتنكر لكل القرارات الدولية، ذات الصلة، المتعلقة بالقضية الفلسطينية. وتقبر حل الدولتين الى الابد. الحل الذي طالما تمسكت به الإدارات الأميركية السابقة وشكل المرتكز الأساسي في سياستها لحل الصراع الفلسطيني – «الإسرائيلي ولو بشكل لفظي وشعاري. وهذا يعني بانها تبنت وجهة نظر نتنياهو وخطته ومشروعه الكامل، الذي حمله اليها: سلام اقتصادي، مقابل تأبيد وشرعنة الإحتلال ومقايضة الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، بتحسين شروط وظروف حياة الفلسطينيين تحت الإحتلال وبصناديق عربية ودولية.

نتنياهو والنخب السياسية والأجهزة الأمنية «الإسرائيلية» ومراكز البحث والدراسات الإستراتيجية «الإسرائيلية»، باتت على قناعة تامة بأن الزلازل والعواصف والمتغيرات الدولية والإقليمية والعربية، توفر لها فرصة غير مسبوقة، لتحقيق إنجاز استراتيجي يمكّنها من صوغ تفاهمات استراتيجية مع الإدارة الأميركية الحالية.

فعلى الصعيد الدولي، اليمين يصعد وينتصر في أميركا وبريطانيا ويقترب من الفوز في فرنسا. وتتلاقى وتتقاطع مصالحه مع اليمين الحاكم في «إسرائيل». وعربياً، الحالة العربية أكثر من بائسة ومنهارة، هموم قطرية تطغى على الهم العام وحروب انتحار ذاتي مذهبية وطائفية وحالة فلسطينية ضعيفة مشرذمة ومنقسمة على ذاتها. ولذلك، كانت رؤية نتنياهو بأن النقاش والمحادثات مع ترامب، يجب أن تتركز على المشروع النووي الإيراني ومخاطر الإتفاق حوله على أمن «اسرائيل» والمنطقة. وعدم اعتبار الصراع الفلسطيني، أساس الصراعات في المنطقة. والعمل على نقل العلاقات بين ما يسمى بـ«المحور السني العربي» مع «اسرائيل» من السر الى العلن. تلك العلاقات التي أصبحت مشرّعة، على أكثر من صعيد أمني وعسكري واقتصادي وسياسي ودبلوماسي. فهناك مصالح امنية مشتركة بين تلك الدول وأميركا و«اسرائيل»، لمواجهة ما يسمى بالخطر الإيراني والتطرف «الإسلامي». والبحث عن حل للقضية الفلسطينية، يجب أن يتم من خلال البحث عن إطار تعاون إقليمي، تحضره تلك الدول و«اسرائيل» وأميركا والعديد من الدول الأوروبية، لأن هذا الإطار، يمكّن من تقوية تلك الدول السنية وممارستها ضغوطا كبيرة على الفلسطينيين، من اجل وقف ما يسمى بـ«تطرفهم» في المطالبة بدولة فلسطينية مستقلة، على حدود الرابع من حزيران 1967.

نتنياهو رأى أن الفرصة سانحة الآن، من أجل الإنتقال من الضم الزاحف للضفة الغربية، الى الضم المقونن والمشروع، من خلال ما يسمى بـ«قانون التسويات»: شرعنة نهب وسرقة الأراضي الفلسطينية علناً وجهراً، بالإضافة الى الإنتقال من إدارة الصراع إلى حل الصراع وفق الشروط والإملاءات «الإسرائيلية».

المركبات والمكونات الحزبية «الإسرائيلية» كلها، من أقصى يمينها إلى أقصى يسارها، أستثني منها حركة «ميرتس» كقوة هامشية غير مؤثرة في القرار والسياسية «الإسرائيلية»، الجزء الأكبر منها لا يؤمن بحل الدولتين. الأحزاب اليمينية المتطرفة الرئيسية الثلاث: «الليكود»، «البيت اليهودي» و«اسرائيل بيتنا»، منها من يرى بعدم إمكانية تطبيق هذا الحل، مثل حزب «يوجد مستقبل» بزعامة «يائير لبيد». في حين، إن ما يسمى باليسار الصهيوني، فإنه يرى أن الحل يكمن في الإنفصال عن الفلسطينيين وحشرهم في معازل و«غيتوهات» خاصة.

المشروع والرؤيا التي حملها نتنياهو، قائمة على جوهر مشروعه الذي يعبر عنه ويجاهر به ليل نهار، لا دولة فلسطينية غربي نهر الأردن والسلام الإقتصادي مقابل شرعنة وتأبيد الإحتلال. والقدس عاصمة موحدة لدولة الإحتلال، مع ضم مستوطنات «معاليه ادوميم» و«بسجات زئيف» لها وعدم العودة لحدود الرابع من حزيران 1967. واعتبار مستوطنات «غوش عتصيون» جزءً من دولة الإحتلال. والإعتراف بيهودية الدولة. والقضية الفلسطينية تبحث في إطار إقليمي، عنوانه الأساسي الهواجس والمخاوف والمصالح الأمنية المشتركة. والعمل على فتح مسار سياسي جديد قائم على الحلول المؤقته. ولا مانع من الحديث لفظياً، عن أن الهدف البعيد دولة فلسطينية مستقلة، كما جرى في مفاوضات واتفاق اوسلو، حل ما يسمى بقضايا الحل النهائي القدس واللاجئين وغيرها.

الحالة الفلسطينية الضعيفة والمنقسمة على ذاتها والتي حتى اللحظة، رغم كل الزلازل والعواصف والمتغيرات التي تضرب وتحدث في العالم والإقليم والمنطقة، لم تحدث عندها استدارة في الرؤيا والتفكير، بل ما زلنا بعيدين عن رؤيا وطنية جامعة واستراتيجية سياسية نضالية ووحدة وطنية حقيقية. نخوض الصراعات السياسية بالشعارات والخطب الجوفاء والرغبات. ولا نستثمر مكامن قوتنا. ولا نلتقط فرص التحولات والمتغيرات والتحالفات الجارية في العالم. نستمر في إطلاق القنابل الصوتية، التي سرعان ما يزول أثرها. والتهديدات الفارغة التي ليس لها رصيد.

واذا ما استمرينا على هذه الحالة، فسنضطر للموافقة على المسار السياسي الجديد الذي توافق عليه نتنياهو مع ترامب. مسار العودة للحلول المؤقتة. وسيوافق عليه العديد من الدول الأوروبية. وكذلك، العديد من الدول العربية المذعورة، التي ترى أن حماية عروشها، أهم من فلسطين والفلسطينيين. مشروع قبر الدولة الفلسطينية والقبول بمشاريع تنتقص كثيراً من حقوقنا وسيادتنا ومصالحنا. فهل سترتقي قيادات شعبنا الى مستوى التحديات والمخاطر الكبيرة، المحدقة بقضيتنا ومشروعنا الوطني وحقوقنا. أم ستستمر في العقلية والتفكير العقيمين ذاتهما ؟ والرهان على نهج وخيار ومشروع المفاوضات؟ عندها تكون كل أقطاب اليمين الصهيوني، قد حققت حلمها بتفكيك مشروعنا الوطني وتدمير ودثر قضيتنا الفلسطينية.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى