هل نستحقّ لبنان…؟

بلال شرارة

بصراحة أنا أعبّر عن رأي شريحة كبيرة تطالب بإقرار سلسلة الرتب والرواتب وليس سلة ضريبية جديدة، إذ يكفينا حتى اليوم الاستدانة على مستقبل أولادنا، وقد تجاوز الدين العام أكثر من مئة مليار دولار! هل أبالغ؟

نحن لا تتحوّل أنظارنا نحو إقرار الموازنة العامة ولا إلى قطع الحساب بعد السنوات العجاف التي مرّت، ولا نفهم، ولا نريد أن نفهم بالصرف على القاعدة الاثنتي عشرية، وكذلك مللنا انتظار صدور قانون عصري للانتخابات.

نقول بصراحة إنّ البعض لو جرّدت عليه مئات المدافع، فإنه لن يقبل أن يفهم أنّ النظام النسبيّ لن يلغي أحداً، ليس لأنّ أمر الفهم صعب عليه، بل لأنّ هذا البعض جاء من منبع إلغائي ولا يناسبه أن يقود العربة معه فرس آخر وتصبح اللعبة تشبه حصان الكارو .

هذا البعض يعرف أنّ النظام الأكثري يعني أنّ السمك الكبير سيبقى يأكل السمك الأصغر. وهذا الأمر يناسبه، لأنه إذ ذاك سيبقى يزعم أنه الممثل الشرعي والوحيد لهذه الطائفة او المذهب او المنطقة وهكذا…

الآن، لبنان في هذا البرد يتخيّل، ماذا لو أنه أصبح وطناً فيه دولة وأنه ستكون هناك أدوار واقعية للدولة، وأنّ نظام المؤسسات سيقوم فعلاً!

ماذا لو أنّ لبنان طلب، وهذا أبسط حقوقه، من أشقائه في سورية البدء بتنظيم عودة النازحين، طالما أنّ أغلب سورية صار مساحة شرعية آمنة؟ يستحق لبنان هذا الثمن للسلام السوري وأن تترافق التفاهمات على ترسيخ وقف إطلاق النار في عموم سورية مع تنظيم عودة النازحين في وقت يحاول الجوار الإقليمي وضمناً «إسرائيل» تحقيق عائد من السلام السوري مثل انتزاع «إسرائيل» للسيادة على الجولان والتركي عبر الأبعاد المتصلة بمعركة الباب وخطة إنشاء مناطق آمنة معزّزة بمناطق حظر جويّ، وعربياً يمكن بسهولة ملاحظة الدخول الأردني في هذه اللحظة السياسيّة على الخط السوري، وترافق ذلك مع المعارك التي اندلعت في درعا بعد عام من الهدوء.

يستحقّ لبنان خريطة طريق وطنية مصادقاً عليها، بالإضافة الى الحكومة من الأحزاب، ولا يردّها رئيس الجمهورية، خريطة تلحظ كلّ مشكلاتنا، وفي الطليعة سلوك الجميع الطريق إلى الدولة وأدوار الدولة عبر إقرار قانون عصري للانتخابات، ونشر خطة لمكافحة الفساد والحدّ من الهدر، وخطة لحلّ أزمة النفايات، وقرارات حاسمة جازمة لمنع تلويث المياه الجارية والجوفية والشواطئ، وعدم الضحك على الذقون بأفكار متصلة بحلّ أزمة مياه الشفة في العاصمة، لأنّ ما كنا نرفضه من خطط لجرّ مياه الليطاني الى بيروت بات أبناء العاصمة أنفسهم يرفضونه بسبب تلوّث مياه الليطاني، وخطة للتخلص من الديون، وليس الاستمرار في جعل لبنان رهينة لخدمة الدين العام.

طبعاً، نحن، أول على آخر، نريد خطة واضحة المعالم تؤكد لنا بداية وجود ثروة بحريّة من الغاز والنفط أو لا؟ وما هي كلفة استخراجه والمدة الزمنية لبدء إشعارنا بأننا أصبحنا بلداً نفطياً، وكيف ستصرف العائدات النفطية؟

نحن نريد أملاً آخر ممكناً وهو الاستثمار على التربية، على صناعة التربية، مع وجود نحو 55 جامعة ومعهداً للتعليم العالي، ليس فقط عبر إنشاء مجلس أعلى للتربية ينظّم حاجات أسواق العمل بالتوازي مع متخرّجي التعليم العالي، وإنما عبر مباحثات مع أسواق العمالة العربية عن احتياجاتها لاختصاصات قوة العمل المرجوّة. ثم دراسة كم سيصدّر لبنان من أبنائه وهم يحملون دمغة صنع في لبنان وهم يحملون شهادات عليا في التحصيل العلمي.

يستحقّ الرئيس الحريري في الذكرى 13 لاغتياله أن نقف ونفكر بالتهديدات «الإسرائيلية» لمستقبل لبنان وبقيامة لبنان وهو يفاخر بأنه أنموذج لسلام المنطقة، وبأنّ نظامه الديمقراطي قد تجاوز مصالح الطائفيين والمذهبيين، وأنه أصبحت عندنا خطة للخروج من أزماتنا الاقتصادية والاجتماعية، وبأنّ صادراتنا الصناعية لم تعد تتراجع، وأنّ لبنان لم يعُد في أسفل التصنيف عالمياً في النمو المستدام، وانّ لبنان أخيراً بل أولاً أكثر تمسكاً بوحدته، وأنّ «إسرائيل» لو فكرت بالاعتداء عليه فإنّ عليها أن تتوقع ليس الفشل الاستراتيجي في تحقيق أهدافها والهزيمة فحسب، وإنما ربما أن ينتقل لبنان الذي أثبت تماسك قاعدته الذهبية الجيش، الشعب والمقاومة إلى الهجوم، وأنّ الحرب ربما تدور في الجليل وليس في الجنوب!

هل أحلم؟ ربّما…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى