حول المؤتمر الدولي السادس لدعم الانتفاضة في طهران

راسم عبيدات ـ القدس المحتلّة

ينعقد «المؤتمر الدولي السادس لدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني» يومَي الثلاثاء 21 والأربعاء 22/2 في طهران، في ظلّ ظروف دوليّة وإقليمية وعربية تشهد سعياً حثيثاً لتهميش وتصفية القضية الفلسطينية والتنكّر لحقوق شعبنا الفلسطيني، وهذا ما لمسناه وشهدناه بعد صعود قوى اليمين المتطرّف للحكم في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا واقترابه للسيطرة على الحكم في فرنسا، وتلاقي وتقاطع مصالح هذا اليمين الأميركي والاستعماري الغربي مع مصالح اليمين الصهيوني المتطرّف الحاكم في «إسرائيل».

فبعد لقاء نتنياهو ترامب في البيت الأبيض مؤخّراً، والاتفاق على قبر خَيار حلّ الدولتين وإطلاق يد نتنياهو للإيغال في الدم والأرض الفلسطينيّة من خلال مواصلة الاستيطان ورفع وزيادة وتائره بشكل جنونيّ وغير مسبوق، وبما يشمل الاستمرار في سياسة التطهير العرقي في القدس لتغيّر الواقع الديموغرافي فيها لصالح المستوطنين، وطمس معالم فضائها ومكانها العربي- الإسلامي وتحويله لفضاء يهودي، وبما يمنع أيّة إمكانية لتقويض السيادة «الإسرائيلية» على المدينة مستقبلاً، وكذلك على أن يجري الانتقال من الضمّ الزاحف للضفة الغربية إلى الضم المشرعن والمقونن، مترافقاً ذلك بالبحث عن حلّ للقضيّة الفلسطينيّة في إطار تعاون إقليمي، جوهره الأساس المصالح والمخاوف والهواجس الأمنيّة المشتركة بين «إسرائيل» والعديد من الدول العربية، وما يُصطلح على تسميته بـ«المحور السنّي»، هذا المحور الذي تسعى أميركا إلى تشكيل حلف أمنيّ بينه وبين «إسرائيل» ونقل علاقاته السريّة مع «إسرائيل» وإخراجها للعلن، بحيث يكون له أكثر من دور ووظيفة في مقدّمتها الضغط على الجانب الفلسطيني للموافقة على خيارات سياسيّة جديدة، تقوم على الحلول المؤقتة، وبما يلغي ويشطب فكرة حلّ الدولتين، وكذلك التصدّي ومواجهة ما يسمّى بالخطر والنفوذ الإيراني المتصاعد في المنطقة، على اعتبار أنّ إيران وفق ما تصوّره وترسمه أميركا و«إسرائيل» لذلك المحور، هي الخطر المركزي على المنطقة العربية وأمنها القومي!! وليست «إسرائيل» المتغوّلة والمتوحشة والمتنكّرة لكلّ حقوق الشعب الفلسطيني، والتي تمارس كلّ أشكال البلطجة و«الزعرنة» والخروج والتحدّي الصلف والعنجهي لكلّ القرارات والقوانين والمواثيق والاتفاقيات والشرعيّة الدولية.

ولذلك جزء أساس من لقاء ترامب – نتنياهو خُصّص لبحث الملف النووي الإيراني، والعمل على إنفاذه لاحقاً وتشديد وفرض المزيد من العقوبات على إيران، وإضعاف وتحجيم دورها الإقليمي، وتشكيل حلف «ناتو» عربي أميركي تكون مواجهة «الخطر» الإيراني وإضعاف الدور الإقليمي لإيران من صلب مهامّه الأساسية.

في الجهة المقابلة، نشهد بأنّ إيران وحلف المقاومة العربية مدعوماً من الأصدقاء في روسيا والصين ودول البركس استطاع أنّ يوجّه ضربة كبيرة للمشروع الأمر صهيوني – الغربي الاستعماري، التركي والمشيخاتي الخليجي العربي، والهادف إلى تجزئة وتقسيم وتفكيك وتذرير الجغرافيا العربية وإعادة تركيبها على أُسُس وتخوم مذهبيّة وطائفيّة، وبما ينتج سايكس – بيكو جديد للمنطقة، يُبقي «إسرائيل» قوّة مركزيّة متسيّدة في المنطقة، ويُبقي المنطقة كبُحيرة مغلقة للنفوذ والسيطرة الأميركيّة.

إيران تدرك جيداً حجم المخاطر المحدقة بها وبالقوى الدولية والعربية والأحزاب المتشاركة والمتحالفة معها في مشروع المقاومة، ولذلك يأتي عقد «المؤتمر الدولي السادس لدعم الانتفاضة» في عاصمتها طهران في هذا الوقت والتوقيت بالذات، لكي يحمل الكثير من الدلالات والمعاني، ويرسل العديد من الرسائل، وإيران تسعى من خلال هذا المؤتمر إلى تصحيح وإعادة الصراع إلى مساره الطبيعي، بعد أن جرى حرفه وتحويله بفعل العديد من المشيخات النفطيّة الخليجية العربية من صراع عربي- «إسرائيلي» جوهره القضية الفلسطينيّة إلى صراع عربي إيراني «فارسي»، وهذا تشويه وحرف غير مسبوقين لجوهر الصراع وأُسُسه. وهي بذلك تنزع عن هذا الصراع صفة المذهبيّة كصراع سنّي- شيعي ، كما يحاول العديد من البلدان العربية المنهارة «المحور السنّي» تصويرة استجابة لقرار أميركي- «إسرائيلي».

هذا «المؤتمر الدولي السادس لدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني» المقرّر عقده يومَي الثلاثاء والأربعاء في 21 و 22 شباط الحالي في العاصمة طهران تحت إشراف مجلس الشورى الإيراني، يهدف إلى التركيز على القضيّة الفلسطينية ودعمها ومجابهة الكيان الصهيوني، وتكمن أهميّته في التغطية والحضور الإعلامي الواسعَين، بالإضافة إلى الحضور السياسي والفكري الإقليمي والدولي. وممّا يعطي المؤتمر الزخم والقوة والأهميّة قبل انعقاده، العدد الكبير للحضور لوفود من أكثر من ثمانين دولة، تمثّل شخصيّات فكريّة وسياسيّة وقوى وأحزاب سياسيّة ومؤسّسات غير حكومية وقوى شبابية، وهذا الحضور له معنى وأهميّة كبيرَين بأنّ لإيران دور محوري في القضية الفلسطينية، وكذلك نشهد حالة إجماع فلسطينيّة غير مسبوقة لجهة المشاركة في هذا المؤتمر من كلّ مكوّنات ومركّبات الطيف السياسي الفلسطيني، حماس، الجهاد الإسلامي، فتح والجبهتين الشعبيّة والديمقراطيّة والقيادة العامّة وغيرها، حيث يُأمل من طهران في هذا المؤتمر أن تلعب دوراً كبيراً، ليس فقط لجهة الدعم المادي والعسكري والسياسي للقضية والمقاومة الفلسطينيّة، بل المساهمة الجديّة في إنهاء الانقسام الفلسطيني وإخراجه من دائرة التجاذبات والصراعات والتناقضات العربية والإقليميّة، وواضح كذلك بأنّ الاهتمام الإعلامي في المؤتمر لجهة تسابق الجهات والمؤسسات الإعلاميّة الإقليمية والدولية لتغطيته، سيكون فرصة كبيرة لعودة تصدّر القضيّة الفلسطينيّة للمشهد الإعلامي.

المؤتمر ليس شكلاً من أشكال «الفنتازيا» الكلاميّة، أو مجرّد إنشاء وبيان ختامي سيزول إثر انتهاء المؤتمر، كما درجت عليه العادة في بيانات الجامعة العربية «المعبرنة» حالياً، بل هو مؤتمر له دلالات ومعاني ويحمل رسائل، في المقدمة منها رسالة لأميركا و«إسرائيل» بأنّ طهران ثابتة على مواقفها وخياراتها الاستراتيجية مهما كانت الضغوطات الأميركية والأحلاف التي تسعى لتشكيلها، وانعقاد هذا المؤتمر في إيران يؤكّد أولويّة القضيّة الفلسطينيّة في الاستراتيجية الإيرانيّة.

المؤتمر سيكون فرصة لتعزيز وحدة المسلمين بعيداً من المذهبية والطائفيّة، والتركيز على قضية العرب والمسلمين الأولى فلسطين ومقدّساتها، في وقت أغرق فيه العديد من الدول العربية المنطقة بالحروب المذهبية والطائفيّة، ونشر الفكر التكفيري المتطرّف.

ما زالت القضية الفلسطينية تحتلّ مكانتها ومركزيّتها في الاستراتيجية الإيرانية، وإيران تنطلق من دعمها ومساندتها للقضيّة الفلسطينية ولكلّ المضطهدين والمظلومين في العالم من منطلقات مبدئيّة راسخة.

القضية الفلسطينية ستعود لتصدّر المشهدين العربي والإقليمي وحتى الدولي، بعد تعرّضها لعملية التهميش المقصود من العديد من الدول العربية التي تمارس التطبيع مع «إسرائيل» على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وكذلك ستكون حاضرة بقوة في وسائل الإعلام بعد أن جرى تغييب قسري لها في الفضاء الإعلامي العربي المهيمنة عليه مشيخات النفط والكاز العربي وغيرها من دول المنطقة.

هذا المؤتمر إعداداً وانعقاداً وحضوراً ومشاركة وأهدافاً ونتائجاً، سيسلّط الضوء بشكلٍ كبير على القضية الفلسطينية، وسيجعل منها النموذج لكلّ الشعوب التي تسعى لنَيل حريّتها من قوى الظلم والطغيان.

وفي الختام، نحن نثق بأنّ طهران التي بانتصار ثورتها الخمينيّة، والتي جعل إمامها وقائدها الراحل الكبير الخميني قدّس الله سره، الجمعة الأخيرة من كلّ شهر من رمضان يوماً عالمياً للقدس، يوماً تتظاهر وتعتصم فيه الجماهير الإسلامية والعربية في كلّ شوارع وساحات المدن العربية والإسلامية دعماً للقدس وفلسطين، تأكيداً على أنّ القدس هي البوصلة والوجهة لكلّ المسلمين والعرب، ومهما طغى المحتلّ وقمع وهوّد ستبقى عربية إسلامية، وستبقى القدس وفلسطين تحتلان المكانة المركزية في الاستراتيجية الإيرانية، بعيداً من أيّ مذهبيّة عصبويّة.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى