تركيا تلهث وراء «المنطقة الآمنة» وأعداء إيران هم أعدء فلسطين

معن حمية

لا فرق بين أن تكون مدينة الباب السورية محتلة من قبل تنظيم «داعش» الإرهابي، أو من قبل تركيا والمجموعات الإرهابية التابعة لها. فالنتيجة واحدة، وهي أنّ المدينة تحت الاحتلال.

لكنّ ما هو لافت، ارتفاع منسوب التصريحات التركية تارة عن السيطرة على المدينة، وطوراً عن السيطرة على أجزاء منها، الأمر الذي رأى فيه مراقبون، محاولات تركية لتحقيق «المناطق الآمنة»، التي تعتبرها تركيا هدفاً رئيساً لها، حتى وإنْ لم تدخل بقواتها الى مدينة الباب، فما بينها وبين «داعش» أواصر علاقة محكومة بخلفية تفكير إجرامي واحد.

واضح، أنّ ما يريده الأتراك هو إقامة ما يُسمّى «منطقة آمنة» تكون بمثابة «شريط حدودي» يأوي المجموعات الإرهابية المتطرفة، لتكون ذراعاً إجرامية بيد تركيا ولتحقيق أطماعها، وحينها تستطيع تركيا أن تعلن بأنها حققت إنجازاً بتحصين أمنها القومي، وهو الشعار الذي رفعته منذ بدء الحرب على سورية.

غير أنّ «الأمن القومي التركي» لن يخرج عن خط الزلازل وارتداداتها، حتى وإنْ تبنّت الإدارة الأميركية إقامة مثل هذه المناطق. فلأميركا حساباتها وأهدافها، وقد لا تتطابق دائماً مع حسابات تركيا وأهدافها، لكن بالتأكيد تحرص واشنطن على أن تضع لتركيا «لجاماً» يمنعها من الذهاب بعيداً في علاقتها مع الروس، من دون أن تتخلّى عن مجموعات «قوات سورية الديمقراطية» التي هي سبب «الاشتباك» أو بدقيق العبارة، سبب الزعل التركي من الولايات المتحدة.

للتذكير، فإنه حين ذهبت تركيا إلى مؤتمر أستانة بصفتها ضامنة للمجموعات الإرهابية كان ذلك بعد هزيمة الإرهاب في حلب والرضوخ لنظام وقف إطلاق النار، وكانت تركيا في موقف لا تُحسَد عليه وتعتبر ضمناً أنها مخذولة من أدواتها الإرهابيين وحلفائها على حدّ سواء، ورغم ذلك آثرت أن تضع العصي في دواليب الاتفاق، من خلال التحريض والمطالبة بوقف عمليات الجيش السوري ضدّ المجموعات الإرهابية التي لم تلتزم وقف النار!

لذلك، بمجرد أن أعطت أميركا إشارة بتبنّي «المنطقة الآمنة»، فإنّها أعادت تركيا إلى حظيرتها ومن دون شروط وزعل. علماً أنّ الأتراك كانوا تنصّلوا تدريجياً وعملياً من كلّ تعهّداتهم تجاه الروس، وما الهجوم المفاجئ الذي شنّه وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو على إيران متهماً إياها بزعزعة الاستقرار ونشر التشيّع في سورية والعراق، سوى عودة تركية إلى التموضع في المربع الأول. علماً أنّ مثل هذه الاتهامات، كانت دول عربية داعمة للمجموعات الإرهابية أطلقتها منذ بداية الحرب على سورية.

التصعيد التركي بوجه إيران، لن يُحسب على تركيا وحدها، فمنصّة مؤتمر ميونيخ للأمن شهدت تخاطراً وتناغماً وتماهياً في المواقف التركية والسعودية و«الإسرائيلية» التي تعتبر إيران عدوّاً، وبالتالي فإنّ الردّ الإيراني لن يقتصر على ما أعلنه المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، لأنّ الردّ الأقوى سيصدر عن منصة المؤتمر الدّوليّ السّادس لدعم الانتفاضة الفلسطينيّة الذي يبدأ عقده اليوم في طهران. والمعادلة هي أنّ إيران مع فلسطين، وأعداؤها هم أعداء فلسطين.

روسيا التي بدورها تبذل جهوداً كبيرة للوصول لحلّ سياسي في سورية، ستجد في التنصّل التركي من الالتزامات تقويضاً لجهودها، وبالتالي قد نشهد قريباً تطوّرات غير متوقعة، من شأنها أن تقلب الطاولة رأساً على عقب.

عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى