تركيا: اللعب على الأوتار الساخنة

وليد زيتوني

أصبح واضحاً أنّ الحلم التركي باستعادة الامبراطورية العثمانية قد ذهب أدراج الرياح. رغم الجهود التي بذلها أردوغان، والتنازلات الثمينة سواء في المرحلة الأولى بالتنسيق مع الراعي الرسمي الأميركي والراعي الباطني الانكليزي لحركة الإخوان المسلمين، أو في مرحلة التنسيق مع الروسي والإيراني. لقد فشلت حركة الإخوان بعد تحرك الجيش المصري وإقصائها عن مسك زمام الأمور في مصر، خاصة أنّ امتدادات هذه الحركة خليجياً وعربياً ينضوي تحت الجناح الوهابي الممسوك من السعودية. ولم يبقَ لها بالواقع إلا قطر كمتنفّس ومموّل للمحور التي تقوده تركيا.

وعلى الرغم من أنّ تركيا لم تفكّ ارتباطها بالقاعدة ودعمت في معظم الأوقات السابقة التنظيمين الاساس داعش والنصرة، ان لجهة فتح حدودها لمرور هذه العصابات أو تدريبهما مع الفصائل السورية المعارضة كافة في قواعدها العسكرية، كما قدمت في هذا السياق تسهيلات التسليح والتذخير والمعلومات والمعلوماتية وقامت بإدارة المعارك المفصلية. وهي بهذا المجال نسّقت خطواتها ميدانياً مع العدو «الإسرائيلي» بالإضافة الى الدول الراعية للإرهاب.

تحوّل الدور التركي بشكل دراماتيكي بعد محاولة الانقلاب على اردوغان، وبعد الإنجازات العسكرية التي حققها الجيش السوري مع حلفائه في حلب. وكان ثمرة هذا التحوّل مؤتمر أستانة الذي أفضى الى تفاهمات واضحة على الأرض، إنْ لجهة محاربة داعش في مدينة الباب او في ما خصّ الضمانات لعدم إقامة دولة كردية على الحدود. غير أنّ الثعلب التركي لا يؤمَن جانبه لجهة الوعود التي طالما تراجع عنها، حينما تسنح الفرصة لتأمين مصالحه الاستراتيجية. لقد ظن التركي أن باستطاعته فرض أمر واقع في الشمال السوري لتحقيق رغباته المكنونة القديمة، غير أن ضعف الجيش التركي وتفكك أواصر قيادته خاصة بعد الانقلاب الذي أطاح بمعظم قيادته الميدانية أفقده تحقيق ما أراد.

امام هذا الواقع، وأمام التلويح الأميركي بمساعدة الأكراد للدخول الى الرقة، بحيث يخسر أردوغان حلمه لصالح كانتون كردي على حدوده الجنوبية، انقلب أردوغان على تفاهمات أستانة، مستنداً الى إملاءات أميركية بهذا الخصوص مشفوعة بدعم سعودي مباشر هذه المرة.

ربما نسي أردوغان او تناسى أنّ الأهداف التي ترسمها الدول الكبرى لن تكون له حصة فيها إلا بمقدار قدرته العسكرية، وبمقدار حاجة هذه الدول الى الموقع الذي تمثله تركيا في مشروع هذه الدول. ربما استفادت الامبراطورية العثمانية سابقاً من التناقضات الروسية الانكليزية للحفاظ على وجودها. لكنها مرحلة من التاريخ القديم كانت جارتها في الهضبة الإيرانية مفكّكة الأواصر. أما الآن، فالوضع مختلف جذرياً لجهة إيران المتماسكة والقوية والقادرة على لعب الوسيط الفعلي بين الصين والبحر الابيض المتوسط، هذا الخط المسمّى طريق الحرير، كما أنّ إيران قادرة أن تمدّ يدها الى الخط البري الثاني الجنوبي الممتدّ من الهند والصين الى دول الخليج، ومنها إلى القارة الاأفريقية، بالإضافة إلى رقابتها على مضيق هرمز من جهة وباب المندب المشتعل الآن بالحرب السعودية اليمنية.

إن تركيا المفكّكة الآن سياسياً وإتنياً، والضعيفة عسكرياً، لن تقوى أن تلعب دوراً أكبر من المرسوم لها في دوائر الدول الكبرى. طبعاً ورغم تبجّحها بالنمو الاقتصادي على حساب النهب المنظم من حلب إلا أنها تقع تحت تأثير الاستثمارات الإيرانية والأذرية التي تغزو كل مفاصلها.

عبثاً يحاول أردوغان وعبثاً تحاول تركيا ضمن هذا النهج السياسي المتردّد والمتقلّب والمتلاعب أن تحقق قفزة نوعية.

ليكن التاريخ درساً والجغرافية معلماً.

نائب رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى