مؤتمر طهران موقف وقضية ومخططات «نتن ياهو» والأعراب أوهام وأحلام…

اياد موصللي

المؤتمر الذي انعقد في طهران من أجل دعم المسألة الفلسطينية وبعث الروح في الانتفاضة وإعادة الزخم الى المقاومة فلا يبقى ميدانها المنابر ولا سلاحها التصريحات والخطب الرنانة، ولا حزامها النزاعات والصراعات السياسية فيصحّ فيهم المثل الذي يقول: «الناس بالناس والقطة تحت الفأس…»

كنت أرى في إيران كما الكثيرون كانوا يرون خطراً يماثل الخطر الاسرائيلي من حيث الوجود لا الحدود، فإيران سابقاً وابان حكم الشاه وما قبله كانت ترفع راية فارسية ذات أبعاد قومية، وتصادم بلادنا معها امتدّ لعصور بعيدة في التاريخ من احتلال الفرس للعراق بقيادة رستم… الى حرب ذي قار مع القبائل العربية وفي مقدّمها الشيبانية..

فللفرس أطماع في بلادنا ومنطقتنا، أطماع ولّدت حروباً عنيفة بينهم وبين البيزنطيين حيث اصطدمت أطماعهما بعضها ببعض في خيرات سورية وموقعها وتراثها.. وسيطر الفرس على شبه الجزيرة العربية واليمن.. ولم تتوقف النزعة الساسانية لدى حكام إيران حتى بعد اعتناق الاسلام حيث بقيت النزعة القومية طاغية لدى الشاه وكلّ من كان قبله من الحكام.. وانشأ التحالفات السياسية والعسكرية مع «إسرائيل»… ولم تتوقف هذه النزعة إلا بعد الثورة الاسلامية وتبدّل أسلوب الحكم وسيطرة الروح الدينية التي حلت محلّ الأطماع العنصرية وفتحت صفحة جديدة بين إيران وجيرانها، وأصبح دستور العلاقة معهم يقوم على أساس القول الكريم «ليس لعربي فضل على أعجمي الا بالتقوى، وانّ أكرمكم عند الله اتقاكم…»

شعرنا بالتغيير الذي أصبح سمة الحكم الجديد في إيران وتبنّيها المسألة الفلسطينية، وأول عمل قامت به السلطة الجديدة إغلاق سفارة «إسرائيل» في طهران وفتح سفارة فلسطينية وتبنّي كلّ المواقف المعادية لـ»إسرائيل» حتى تجاوز مواقف السلطة الجديدة في إيران مواقف الكثير من الدول العربية والإسلامية، ودعمت السلطة الفلسطينية والمنظمات بالمال والسلاح وقدّمت المساعدات السياسية والاقتصادية.. ووقفت في وجه الإرهاب التكفيري في سورية..

وفي المقابل خلق هذا الموقف الإيراني ارتياحاً وطمأنينة لدى شعوبنا وتلاشى الحذر القومي… فبات ما بيننا وبين إيران علاقات روحية، ونحن بذلك ننسجم مع إيماننا بأننا كلنا مسلمون لرب العالمين، منا من أسلم لله بالقرآن ومنا من أسلم لله بالانجيل ومنا من أسلم لله بالحكمة وليس لنا من عدو يقاتلنا في ديننا ووطننا الا اليهود.. وكلّ من حارب اليهود الصهاينة و»إسرائيل» المجسّدة لهم هو صديقنا وحليفنا وشريكنا.. وكان لهذا الدعم الإيراني ردّ فعل لدى أعداء امتنا من الصهاينة وحلفائهم.. وأميركا في طليعتهم.

انّ موقف «إسرائيل» وأميركا من إيران وسعيها لتأليب العالم ضدّها جعل من إيران السيف والترس في معركتنا ضدّ «إسرائيل» وأطماعها.. وعدو عدوي صديقي.. وأصبح ما يربطنا بإيران أعمق وأصدق مما يربطنا بكثير من دول النفاق من الأعراب الذين أقاموا علاقات مع «إسرائيل» بعضها علني، سياسي ودبلوماسي، وبعضها خفي مع كلّ مشتقاته السياسية والعسكرية..

ففي عام 2016 تمّ عقد أكثر من لقاء بين «إسرائيل» والسعودية والإمارات، وأعلن عن ذلك شخصياً نتن ياهو . وتباحثت السلطات الإسرائيلية معهم حول إقامة تحالف عسكري لمحاربة إيران.. واعتبرت إيران تلازم هذه المواقف العربية مع «إسرائيل» من زمن بعيد وليس حديثاً وانه بدأ الآن يظهر للعلن..

واليوم نرى إيران أصبحت في طليعة المحاربين من اجل فلسطين فيما تركيا تفتح سفارتها مع تل ابيب وترسل الإرهابيين الى سورية وتخطط مع اميركا وتل أبيب لإقامة مناطق عازلة في شمال سورية وعلى حدودها كخطوة اولى نحو اقامة كانتونات تركمانية.. ذات وجه سوري وباطن مشبوه.. ولم تحرّك اسوة بمثيلاتها من الدول العربية والاسلامية ساكناً أمام التمدّد الاسرائيلي الذي كشف كامل أوراقه وأعلن نواياه التي لم تكن مجهولة عندنا.. فهدم بيوت الفلسطينيين وأنشأ 8800 مستوطنة وهدم 3700 مسكن في القدس الشرقية وطرد سكانها وأعلن للزاحفين خلف حلّ الدولتين انّ اسرائيل لا تسعى لاتفاق مع السلطة الفلسطينية بهذا الشأن، ومن يريد ان يبقى من الفلسطينيين في فعليه ان يعترف بيهودية الدولة ويصبح عندئذ من الرعايا المقيمين..

مؤتمر طهران وموقف المشاركين فيه موقف رافض لكلّ هذه الإجراءات والتدابير.. واعتبار انّ ما تقوم به «إسرائيل» هو بمثابة إعلان حرب وإرهاب لا مثيل له.. إرهاب دولة ضدّ سكانها.. وأعلن المؤتمر انّ إطفاء النيران في الشرق الأوسط يبدأ من الوحدة الوطنية الفلسطينية وأننا معاً جميعنا من أجل فلسطين..

انّ خسارة الأرض تعوّض فكثير من الحروب التي تمّ فيها فقدان الأرض جوبهت بمثلها وتمّت استعادة هذه الأرض.. فقدان الأرض يعوّض وما أخذ بالسيف بالسيف يستردّ أما فقدان الكرامة والإيمان فلا يعوّض..

انني مؤمن انّ فينا قوة لو فعلت لغيّرت مجرى التاريخ، وهي حتى الآن لم تفعل كما يجب، ولكنها ستفعل ولو فعلت لما سمحت لقوى الهزيمة والاستسلام ان تجعل من 15 أيار باباً نحو الهاوية والعار.. انّ تلك القوة المتولدة من إرادة الحياة على كلّ تواضعها استطاعت ان تحافظ على فلسطين في ضمائرنا وعلى الأرض في الكثير من مواقفنا..

خسروا وخسئوا، فالنبت الصالح نما وأصبح باسقاً وجاء جيل جديد شعاره «أموت لتحيا أمتي وفلسطين قلبها…»

كانت شعوبنا تقف أمام هذه المشاهد تتابع من خلالها فصول مسرحية بيع فلسطين مغطاة بدماء أهلها بثمن بخس وصفقات لا يزال التاريخ ينضح بفضائحها ومهما حاولوا إلباس تلك المرحلة بالأمجاد والمواقف الوطنية فهم كاذبون ولن يصدقهم أحد. الشعوب وحدها صدقت في ما عاهدت الله عليه وقدّمت الغالي والنفيس من أجل قضية هي صنو وجودها، قضية جسّدت حقيقتها. كان كلّ مواطن يشعر أنه خفير على كرامة هذا الوطن وحقه وحريته كان كلّ مواطن يشعر انّ من تقاعس عن أداء واجبه في البذل والعطاء فقد أضرّ أمته ووطنه، ولكن يا للأسف كانت أحلام الشعب في واد ومخططات القيادات في واد، لقد باعوا فلسطين ودفنوا آمالنا وأجهضوا أحلامنا وحلّ القنوط محلّ الأمل والخنوع مكان الشجاعة. تبدّلت الناس وخبت الأنفاس وتخدّر الإحساس وأصبح الخوف كالفأس فوق الرأس، وانتشرت روح الهزيمة بعد أن خارت العزيمة وتمادى الحكام في الولوغ بالخداع بعد أن أزالوا القناع، وأصبح مزهواً كلّ من اشترى وباع، ولم يعد توقيع صكوك الخضوع والاستكانة يشعرهم بالخجل فسارعوا لتوقيع اتفاقيات الهدنة ومعاهدات الاستسلام.

غداً عذدما يبدأ تاريخ المرحلة، سيقولون قبل حرب الفَخَار وبعد حرب الفَخَار وسحق الفجّار بقبضات الأحرار الذين طرقوا باب الحرية وفتحوا طريقها بأياد مضرجة بالدم… دم آمنوا انه امانة لديهم من أمتهم متى طلبتها وجدتها، وها انتم ايها المقاتلون وعيتم مهمتكم بكامل خطورتها وتسلحتم لها بالفكر والزند وخضتم غمار قتال شرس لإنجازها، فكان قتالكم قتال أبطال، قتال منصورين في وجه اعداء مقهورين، قتال أباة في وجه طغاة وقتال أعزّة في وجه أذلاء.

ما أشدّ اعتزاز أمتكم بكم وانتم تحققون نصراً، فرحتنا به ليست الآن انها فرحة سيشعر بها أولادنا وأحفادنا وأجيالنا الذين لم يولدوا بعد. لقد خسر الأعراب وانتصرتم انتم.

لقد عايشنا عصور الذلّ وعهر الاستسلام ومذلة الخنوع الذي مارسه قادة في أمتنا وأرادوه نهجاً لها حتى كانت الاستكانة كالكرامة ورشوا السكر على المهانة واصبح الذلّ كالذيل خلف كلّ فرد في هذه الأمة، كنا نطأطئ الرأس لكلّ إملاءات الوافدين والمعتدين وأصبحت الشتيمة كالوليمة، نجلس كلّ يوم نبتلعها بكلّ شكل ولون يقدّم لنا. حاولنا ان نخفي عن أولادنا صفحات سوداء في تاريخنا لئلا تلوّث أرواحهم وتبدّد روح العنفوان في نشأتهم، ما كان لنا زاد نزوّدهم به ليكون ذخيرة المستقبل لهم… لولا ان أتيتم أنتم… جئتم يا فقراء بلادي، عمالها وكادحيها، وفلاحيها، فأحدثتم معجزة وأعدتم خلقنا من جديد وأعطيتمونا روحاً ستفتح أمام أحفادنا وأجيالنا الذين لم يولدوا بعد طرق القمة لأفضل أمة أبت أن يكون قبر التاريخ مكاناً لها في الحياة. أنتم الأعلون أثبتم للدنيا كلها انّ فينا قوة لو فعلت لغيّرت وجه التاريخ، وكنتم أصغر جيش في العالم حارب وغيّر وجه التاريخ، لقد حاربتم وأنتم أعزّة، وانتصرتم أعزاء، لقد محوتم ببطولاتكم آلام أمتكم وشعبكم وضمدّتم جراحاتها النازفة، انّ جراحاتكم هي جراحات أعزاء منصورين في وجه أهل بغي وغيّ مدحورين… لقد أثبتم أنّ إرادتنا فعل قضاء وقدر، يا مقاتلاً من لبنان والشام وفلسطين منذ اول طعنة غرستها في صدور عدو شرس متغطرس، انّ شرايين دمائنا تغذي شرايين الحياة في عروقك لأنك صامد ونحن صامدون فكان الدم يتدفق منا إليك مدداً ودمك الى الارض يمدّها قوة… لقد جعلت من جسدك سوراً وسداً في وجه الطامعين الغاصبين فارتدّوا ولم يجدوا لهم منفذاً إلا السماء لأنها بعيدة عن يديك فأرادوا الانتقام ممّن تركتهم خلف ظهرك تصدّ عنهم بصدرك، سقطت أجسادهم بسلاح الغدر وانطلقت أرواحهم أفواجاً تقف الى جانبك في متراس البأس والبطش والقوة.

ارتفعت هتافات النصر تسقط أجسادنا اما نفوسنا فقد فرضت حقيقتها على هذا الوجود. تنتهي حربك مع عدو أمتنا الذي ليس لنا عدو يقاتلنا في ديننا ووطننا الا هو اليهود ، لتبدأ معركة أخرى مع أناس حاربت لتعزّهم ويحاربون ليذلوك… ستنتصر في هذه الحرب ايضاً. لأنك مؤمن انّ طريقك طويلة وشاقة وهي طريق العزّ والحياة ولا يثبت عليها إلا الأحياء وطالبو الحياة أما «الأموات» فسواء سكتوا، او حاربوك فسيسقطون على جوانب الطريق. ثق بأنك لو شئت ان تفرّ من النصر لما وجدت لذلك سبيلاً، فالنصر يأتي اليك متدثراً بردائك لأنك أنت وحدك من تعطيه قيمة ومعنى واستدامة. لأنك يا ابن بلادي وحدك تعرف ان تقف وقفة العز، وتثبت انّ فلسطين انتصرت والأعراب أفلسوا…

هؤلاء الأعراب الذين اتقنوا فنون السمسرة، وإيقاظ الفتن فجالوا في كلّ الميادين وأوقدوا كلّ النيران وأطلقوا مختلف أنواع ثيران الهدم والتدمير… علم «إسرائيل» يرفرف في غرف نومهم وبَخّور معابدهم في أنوفهم وتقطر دماؤهم بسموم الحقد… انظروا الى أجسادهم التي قيل فيها: جسم البغال وأحلام العصافير… خسئوا وخسروا وانتصرت فلسطين، في خنادق المقاومة والبطولة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى