ترامب نسخة كاريكاتورية لأوباما

ناصر قنديل

– من الواضح أنّ الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب قد انقلب على خطابه الانتخابي الذي قام على الدعوة للاهتمام بأميركا من الداخل وتخفيض درجة الانخراط بدور الشرطي العالمي، والتدخلات والحروب، باستثناء أولوية الحرب على داعش، ومدخلها تعاون روسي أميركي. وهذه مصطلحات ومفردات مقتبسة من خطابات ترامب في الانتخابات، إلى التركيز على سياسة خارجية تُبنَى على خطاب ترميم ما خرّبه الخطاب الانتخابي مع الحلفاء وتستعيد خطاب الممانعة في الانخراط بالتسويات التي يُمليها التوجّه للتعاون مع روسيا تمهيداً لحلف عالمي ضد الإرهاب.

– اتسمت مرحلة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما المتّهم بالتخاذل من خصومه، والمتّهم بالتطرّف من ترامب. فهو برأيه مَن صنع داعش ومَن ورّط أميركا بحرب سورية لتغيير نظام الحكم فيها، بمحاولة جمع سياسيتي إرضاء الحلفاء في الأطلسي وفي المنطقة، خصوصاً فرنسا وبريطانيا والسعودية وتركيا و»إسرائيل» من جهة، ومحاولة السير بالتسويات في طريق التعاون مع موسكو من جهة أخرى، بعدما أمضى أوباما ولايته الأولى ونصف ولايته الثانية في قيادة الحلفاء في الغرب والمنطقة لحروب الربيع العربي، خصوصاً حرب سورية وصولا لجلب الأساطيل تمهيداً للحرب، واضطر للتراجع تجنّباً لمواجهة شاملة ليست أميركا جاهزة لها، ليكتشف أن التسويات التي توصل لعناوينها مع روسيا ليس لديه حلفاء جاهزون لها، فوقع بالانتظار والتباطؤ واللغة المزدوجة، وصولاً للفراغ.

– صعد ترامب على كتف خطاب يعِد بالشجاعة في خوض غمار التسويات التي تردّد أوباما في خوضها، باعتبارها المكان الوحيد الذي يُتاح فيه للرئيس الأميركي أن يختبر شجاعته. فميدان التصعيد والحروب مسقوف بالعجز، قبل أن يكون الروس قد تموضعوا في المنطقة، وقبل انتصارات حلب، فكيف بعدهما، وبعد وصول ترامب ظهر أمامه حجم التعقيدات التي تحول دون السير بالآلة الأميركية السياسية والدبلوماسية والتشريعية والعسكرية نحو خطوة نوعية من التغيير تتمثل بالانتقال للتحالف مع روسيا، وتورّط ترامب في مواجهات واسعة في الداخل الأميركي وبخطوات مرتجلة وخطابات ومواقف عشوائية تتأسس على العنصرية والغطرسة، تكاملت مع ممانعة المؤسسة الأميركية فرضخ سريعاً وكانت استقالة مستشاره للأمن القومي مايكل فلين بناء على اتصال أجراه بالسفير الروسي في واشنطن تعبيراً عن هذا الرضوخ.

– ترامب المنكفئ عن خيار التسويات بخطاب متعالٍ ومتغطرس، يرث رئيساً لم تبقَ فرصة لاختبار القوة والضغوط والعقوبات لم يختبرها، فهو مَن ضيّق خناق العقوبات على روسيا ومَن فتح حرب أوكرانيا ومَن جلب الأساطيل إلى المتوسط ومَن جلب القاعدة وأرسل داعش، ومَن خاص حتى اللحظة الأخيرة من العقوبات والتفاوض محاولات تركيع إيران، وأبقى الباب مفتوحاً من بعده لخيارين لا ثالث لهما: الأول هو الذهاب لمزيد من الاستثمار على داعش والنصرة علناً، وجعل الحرب على سورية أسبقية للحرب على الإرهاب، والتصعيد بوجه روسيا على هذا الأساس. وهذا الخيار مثّلته هيلاري كلينتون أو الذهاب لخيار الانخراط مع روسيا والتعاون والتفاهم معها على صناعة التسويات تمهيداً للتشارك في الحرب على النصرة وداعش، وما يتضمّنه ذلك من انفتاح على الدولة السورية. وهذه هي العناوين التي بشر بها ترامب.

– تراجع ترامب أمام ممانعة مخابرات أميركا وعسكرييها ودبلوماسييها وإعلامييها. وهي النخب التي قاتلت ترامب لمنع وصوله، يعني سقوطه. وليس سقوط خيار التسويات مخرجاً حتمياً من الفوضى الدولية. فخيار السير بالتصعيد الذي كانت تبتغيه كلينتون وتمثّله بأصالة، يعني خسارة ترامب لمؤيّديه من دون كسب خصومه، وهو خيار مسقوف بالفشل وبكلفته العالية في ظل الانخراط الروسي المباشر في سورية، والموقف الإيراني الصلب تجاهها.

– يتحوّل ترامب لنسخة كاريكاتورية عن أوباما، بالعجز عن أخذ القرار والوقوع في الجمود، مع فارق ملء ترامب للفراغ بالصراخ، ما يمنح مرحلته بعضاً من الكوميديا السوداء.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى