جنيف لليوم الثاني يبحث بجدول الأعمال وتوحيد الوفد المعارض لبنان يُكمل فلسطينياً مع جمود الملف الانتخابي… والموازنة للفكفكة

كتب المحرّر السياسي

بينما تملأ الدبلوماسية الأميركية أوقات حلفائها وخصومها بأوراق قديمة لتغطية ضياع قواعد صناعة القرار بين البيت الأبيض ومؤسسات الأمن والدفاع والدبلوماسية، تحيي موسكو ذكرى فيتالي تشوركين ممثلها الدائم لعشر سنوات في مجلس الأمن وأحد فرسان دبلوماسيتها، الذي ارتبط استخدام الفيتو برفع كفّه اليمنى، وخصوصاً دفاعاً عن سورية، برفع كفّ الفيتو مجدداً بوجه مشروع غربي يهدف لإدانة سورية بتهمة استعمال الأسلحة الكيميائية بناء على ما وصفته موسكو بالافتراءات والمزاعم المفبركة والتحقيقات الاقتراضية التي تعوزها شروط المهنية والحياد والموضوعية، وتأتي بعد حملة تشهير علنية بحق سورية لخلق ضغوط على مجلس الأمن لتمرير المشروع.

واشنطن التي تحضر، حيث لا جدوى من الحضور إلا تسجيل المواقف وتمرير الوقت الضائع بضياعها، تغيب حيث يجب الحضور فيفتقدها الجميع في محادثات جنيف السورية، ويسأل المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا عن الموقف الأميركي لبرمجة خطواته فلا يجد جواباً، فينفق وقته والمفاوضات على بنود إجرائية تملأ بدورها الوقت الضائع لضياع دي ميستورا نفسه، ويمضي اليوم الثاني بعناوين من نوع الوفد الموحد للمعارضة للتمكّن من بحث الدخول بمفاوضات مباشرة، وجدول الأعمال للتمكن من بدء مفاوضات غير مباشرة. وقد وزّع دي ميستورا مشروعه لجدول الأعمال على الوفد الحكومي السوري ووفود المعارضة بانتظار تسلّم أجوبتها ومناقشتها معها كل على حدة اليوم، أملاً ببدء المفاوضات على مضمون الجدول الذي يتمّ إقراره إن تمّ ذلك في يوم غد، اليوم الثالث للمفاوضات.

جدول الأعمال تضمن البنود التي سبق وأعلن دي ميستورا أنها محور المحادثات، وهي الحوكمة والمقصود شكل الحكم بعد التفاهم بين الحكومة والمعارضة، والدستور الجديد، والانتخابات. ومنعاً للبحث في تسلسل البنود قال دي ميستورا للوفود المشاركة إنه مستعد لتشكيل مسارات متوازية للبنود الثلاثة بوفود تتفاوض مباشرة أو بممثلين عنه يفاوضون كل وفد على حدة، أملاً بإنضاج نقاط مشتركة تسمح بتحقيق تقدم ولو جزئي، بينما تساءلت مصادر متابعة للمحادثات عما إذا كان دي ميستورا نسي أو تناسى جعل كل شيء منوط بإعلان الوفود المعارضة قبولها جوهر القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي قبل عام والذي يشكّل مستند المحادثات الرئيسي، لجهة التسليم بأولوية الحرب على الإرهاب قولاً وفعلاً كشرط لإثبات صدقية المشاركين وعدم تحوّل المفاوضات إلى مفاوضات بالواسطة مع تنظيمات إرهابية.

تمر أيام جنيف البطيئة، كما تمر أيام البحث بقانون الانتخابات النيابية في لبنان، ابتكارات لمخارج تغطي العجز، وحديث عن مهل وفرص تاريخية لمنح الأمل، لكن لا شيء جديّ بعد، وفي لبنان حيث الموازنة تخضع لعملية تقريش لكلفة بنود سلسلة الرتب والرواتب وفكفكة بنود المداخيل الجديدة وما فيها من ضرائب وتقريش تأثيرها على الفئات المحدودة الدخل تمهيداً لجلسات الأسبوع المقبل للبتّ بها، بينما أمضى لبنان يوماً فلسطينياً ثانياً عبّرت عنه اللقاءات التي جمعت الرئيس الفلسطيني محمود عباس بكل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري، والإجراءات التي تجري بلورتها بورقة عمل لبنانية فلسطينية على المستويات الأمنية والاجتماعية كاهتمامات متبادلة للفريقين، بعدما بدا واضحاً حجم التلاقي السياسي الذي أظهرته التصريحات والمواقف.

الفلسطينييون يتطلّعون إلى العهد

لا تزال زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى لبنان الحدث الطاغي على المشهد الداخلي، وبعد المباحثات المثمرة التي عقدها أمس الأول مع رئيس الجمهورية في بعبدا والمواقف الهامة التي تخلّلتها، واصل عباس أمس، زيارته على المسؤولين اللبنانيين والتقى رئيس المجلس النيابي نبيه بري في عين التينة وبحث معه «الأوضاع العربية والقضية الفلسطينية والعلاقات اللبنانية – الفلسطينية والجهود المبذولة من أجل توحيد الفلسطينيين، بالإضافة الى الأوضاع الفلسطينية في لبنان».

وأكد بري أن «القضية الفلسطينية هي الموضوع الأوحد الذي يجمعنا ووحدة الفلسطينيين تشجع على وحدة العرب والمسلمين». بينما أشار عباس الى أن «لبنان هو البلد الذي تحمّل الكثير الكثير وضحّى الكثير الكثير من أجل القضية الفلسطينية، ولا يمكن أن ينساه الشعب الفلسطيني أبداً على مدى العقود كلها، ولا يزال هذا البلد منارة من أجل الدفاع عن قضية فلسطين».

وقالت مصادر فلسطينية مطلعة لـ«البناء» إن «السبب الرئيسي لزيارة الرئيس عباس هو تعزيز العلاقات اللبنانية الفلسطينية لا سيما في المحافل الدولية لحماية القضية الفلسطينية وتنسيق المواقف بين الجانبين»، مشيرة الى «أهمية الموقف اللبناني المميّز حيال قضية فلسطين والشعب الفلسطيني في المنظمات الدولية لا سيما المواقف الأخيرة لكل من الرئيسين عون وبري».

ولفتت المصادر إلى أن «السلطة الفلسطينية والفلسطينيين في لبنان يتطلعون ويعلقون الآمال على العهد الجديد الى حل الأزمة الاجتماعية في المخيمات المتراكة عبر عقود من الزمن من خلال إعطاء الحدّ الأدنى من الحقوق الإنسانية والمدنية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين ما يمكّنهم من العيش بكرامة تحت سقف القانون، ووعد الرئيس عون خلال لقائه عباس بإيلاء هذا الملف اهتمامه، وقد تمّ تكليف عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد متابعة الملفّ مع قيادة الحركة والقيادة السياسية للفصائل مع السلطات اللبنانية».

ونفت المصادر وجود أزمة داخلية في قيادة فتح في المخيّمات، موضحة أن «المشكلة هي في الأداء الأمني في المخيم بسبب تعدد المسؤوليات واللجان وعدم استقلالية اللجنة الأمنية ووجود لجان على رأسها تؤثر على سرعة اتخاذها القرار، ما يتطلّب إعادة هيكلة اللجنة على أسس علمية لتستطيع اتخاذ القرار بشكل سريع وفاعل لتطويق الأحداث الأمنية وضمان أمن المخيمات».

وفي حين ستعقد القيادة السياسية للفصائل في المخيم اجتماعات خلال اليومين المقبلين لمناقشة الوضع الأمني، لا سيما متابعة تسوية أوضاع المطلوبين الى الدولة اللبنانية، لفتت المصادر الى أن «قائد القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة في لبنان اللواء منير المقدح قدّم استقالته من اللجنة ووضعها في عهدة قيادة فتح»، مشدّدة على أن الاستقالة لن تؤثر على الجهد الأمني التي تبذله فتح في المخيم، كاشفة عن «إجراءات أمنية جديدة وواسعة ستتخذ في المخيمات لا سيما في عين الحلوة، بعد إعادة هيكلة اللجنة الأمنية في إطار تعزيز الوضع الأمني في المخيمات والجوار وكي لا تكون ممراً لمشاريع دمار وفوضى وموئلاً للإرهابيين».

كما زار الرئيس الفلسطيني بيت الوسط والتقى رئيس الحكومة سعد الحريري، كما التقى عدداً من القوى والشخصيات السياسية.

الضبابيّة تلفّ قانون الانتخاب

على صعيد آخر، لم تبرز معطيات جديدة في ملف قانون الانتخاب وسط أجواءٍ ضبابية تلف النقاشات حولها مع إصرار القوى السياسية على مواقفها. وفي حين سقطت الطروحات التي تقدم بها رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل آخرها التأهيل على أساس النسبية، أفادت معلومات أن باسيل سيطرح صيغة جديدة للنقاش، بينما من المتوقع أن تعود المشاورات حول القانون الى حيويتها ونشاطها الأسبوع الطالع مع عودة الرئيس بري من طهران الذي سيستقبل رئيس الحزب الاشتراكي النائب وليد جنبلاط وفق معلومات «البناء» وذلك للاطلاع على موقف بري بشأن الصيغة الانتخابية المختلطة التي طرحها عليه جنبلاط.

والى حين انتهاء مجلس الوزراء في جلساته المتتالية التي سيعقدها الأسبوع المقبل من مناقشة مشروع الموازنة وإقرارها وإحالتها الى المجلس النيابي، سينتقل ملف قانون الانتخاب الى الحكومة بطلب من رئيس الجمهورية في محاولة للتوصل الى صيغة توافقية قبل موعد 21 آذار.

صيغة بنسبية وازنة

وأكدت مصادر مقربة من بعبدا لـ«لبناء» «أننا سنكون أمام قانون جديد للانتخاب فيه نسبية وازنة في نهاية المطاف مهما طالت المشاورات وتصلبت مواقف بعض الأطراف، لكن العهد الجديد سيكون عهد الإصلاح والتغيير وسيقدم للبنانيين إصلاحات على رأسها قانون انتخاب جديد يحقق طموحاتهم ويعيد إنتاج السلطة ويحقق مفهوم العدالة التمثيلية على مستوى الطوائف والشرائح والفئات الشعبية كلها».

ولفتت المصادر الى أن «الرئيس عون لن يوقع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، وبالتالي لا انتخابات على قانون الستين وأن عون ينتظر اتفاق القوى السياسية على صيغة جديدة وهناك متّسع من الوقت كي يحصل التوافق والمهلة الدستورية حتى 21 آذار المقبل، أي قبل 90 يوماً من موعد الانتخابات النيابية وبالتالي لن يستعمل رئيس الجمهورية صلاحياته الدستورية بانتظار ما ستتوصل اليه القوى السياسية».

وتشير مصادر سياسية الى أن «المستقبل وجنبلاط يرفضان النسبية الوازنة في أي قانون جديد، لأنهما سيخسران المقاعد المسيحية التي يحصلان عليها في القانون الأكثري، كما وسيواجهان منافسة ايضاً من معارضين داخل طائفتيهما، لذلك يعمل تيار المستقبل على تأجيل الانتخابات أو البحث عن صيغة جديدة لا تكون فيها النسبية مؤثّرة وكبيرة كالقانون المختلط الذي قدّمه مع القوات والاشتراكي».

لكن المصادر رجّحت الاتفاق على القانون المختلط الذي قدّمه الرئيس بري مع بعض التعديلات في بعض الدوائر، مشيرة لـ«البناء» الى أنه «من المبكر الحديث عن رسالة لرئيس الجمهورية الى المجلس النيابي لدعوته طرح مشاريع القوانين على التصويت في الهيئة العامة، إذ إن هناك اتفاقاً ضمنياً بين المعنيين لمنح مهلة جديدة لإنجاز صيغة انتخابية حتى 20 آذار المقبل». واستبعدت المصادر «اللجوء إلى الشارع لوجود خطوات تدريجيّة تصعيدية لن يلجأ اليها الرئيس عون والتيار والمؤيدون لقانون النسبية قبل استنفاد كامل الوقت والمهل المتاحة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى