الفوضى والفراغ في السياسة يمنحان الإرهاب المبادرة

ناصر قنديل

– تبدو واشنطن متجهة نحو حال من «الكوما» في صناعة التسويات للملفات الساخنة التي بدا واضحاً الاستعصاء في حسمها عسكرياً، وتداخلها مع ملف الحرب على الإرهاب، وتعقدت تسوياتها عند معادلة التورّط الإقليمي لحلفاء واشنطن وحلفائهم في الساحات المحلية في ضفة واحدة مع التنظيمات الإرهابية، وبلغت الأمور الحدّ الذي يتوقف الإقلاع فيه مجدداً نحو التسويات على السير بما سبق وتم التفاهم عليه بين موسكو واشنطن وعجزت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما عن تنفيذه بفصل الجماعات المسلحة الموالية لواشنطن وحلفائها عن التشكيلات الإرهابية، وإدماجها في تسويات مع القوى المحلية المناوئة للإرهاب، لتشكيل جبهة محلية ترفدها جبهة إقليمية وترعاهما جبهة عالمية للحرب على الإرهاب، ولأن المعادلتين الإقليمية والدولية معطلتان بفعل العجز الأميركي المتمادي مع ضعف الرئيس الجديد دونالد ترامب عن تخطّي الحواجز التي وضعتها في طريقه المؤسسة الأمنية والعسكرية والدبلوماسية الأميركية لتحقيق وعوده الانتخابية بالتعاون مع روسيا، القطب الدولي المقابل القادر على صناعة التسويات من جهة، وبفعل ابتعاد السياسات الإقليمية التي تمثلها من موقع التحالف مع واشنطن كل من تركيا والسعودية عن صناعة تسوية تشكل إيران قطبها المقابل والقادر من جهة مقابلة، يصير وصف الحال القائم بالفوضى والفراغ هو النتيجة الطبيعية.

– التشكيلات الإرهابية التي كانت مع إعلان التفاهم الروسي الأميركي في الصيف الماضي قد بدأت تضع استراتيجيات التعامل مع درجة الخطر، دخلت مرحلة أشد صعوبة مع التموضع التركي وانطلاق مسار أستانة، وكانت النتيجة شنّ جبهة النصرة حرب إلغاء بحق الفصائل المسلحة المشاركة في مسار أستانة، وكان فوز دونالد ترامب الرئاسي ورفعه شعار أولوية الحرب على الإرهاب والتخلّي عن سياسات أسلافه بتغيير الأنظمة بالقوة، قد أوصل التشكيلات الإرهابية لليقين بأن زمن التلاعب بالمعادلات المحلية في الساحات التي تستخدمها، وتوظيف قوى محلية للاحتماء بمواقعها وحروبها الداخلية، قد ذهب إلى غير رجعة، أما وقد تكشّف الوضع سريعاً عن هشاشة المسارات التي تنتظر التسويات فقد تنفّس الإرهاب الصعداء، وبدأ يتصرف مستظلاً بالجمود الأميركي وفقدان فرص لتفاهمات كبرى وبتراجع التموضع التركي وتقدّم السعودية نحو ملاقاة هذا التراجع لرفع منسوب التوتر مع إيران، ليبدو المشهد الحالي مع عجز تركيا والسعودية وحلفائهما عن رسم متغيرات في الميدان دون العودة للرهان على الاستثمار على الإرهاب وتضييع الفواصل معه، أن الإرهاب يسترد زمام المبادرة ليصير وحده القادر على رسم خطط واضحة قادرة على توظيف كل هذه الفوضى وهذا الفراغ.

– قوى محور المقاومة وروسيا من خلفها، وقد منحت جميعاً لفرص التسويات كل ما يلزم لا تستطيع رهن مصيرها ومصير أمن دولها، بانتظار صدفة أو ضربة حظ تنضج الموقف الأميركي أو تُلهم حلفاء واشنطن بالسير بنيّة إيجابية نحو صناعة التسويات، وترك الإرهاب يرسم المعادلات في الميدان. وما جرى في حمص ويجري في الاشتباكات التي تقودها جبهة النصرة في أماكن كثيرة من سورية، ومثلها العودة للتصعيد في اليمن، ورهانات داعش على السير جنوباً نحو دير الزور وصولاً للبادية على الحدود السورية العراقية السعودية الأردنية، يقول إن المواجهة للتحديات تستدعي تقديراً للموقف يصل لقناعة باستحالة الرهان على تسويات في الظروف الراهنة، والعودة إلى مربع ما قبل معركة حلب لصناعة إنجازات في الميدان ترسم وحدها ما بعدها مزيداً من المعارك أم فتح باب التسويات مجدداً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى