روسيا تواصل دعمها للجيش السوري والمعارضة تدرس توحّدها

كما كان متوقّعاً، انتهت الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف من دون أن تفضي إلى تفاهمات حول البنود المطروحة، رغم ما وصفه المبعوث الأممي الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا بالإيجابيّة، فـ»ستاتيكو» المفاوضين في جنيف لا يمكن أن يلتقي على لون أو شكل واحد. اختلاف أجندات المنصّات المشاركة أحبط ما كان مُمكناً تنفيذه على هامش القرار 2254، ومدخله الوحيد الذي لا ثانيّ له: محاربة الإرهاب في سورية.

الدور الروسي الذي حاول أن يكون مُنصفاً في المفاوضات، والذهاب إلى الضغط على الوفد السوري الرسمي بالقبول ببحث الانتقال السياسي، وهذا ما تمّ، لم يكن كافياً بالنسبة إلى وفد «منصّة الرياض» الذي يحمل في جيبه الأجندة السعودية ويلوِّح بها بخلاف أيّ اتفاق أو تفاهم. هذا تحديداً ما حدث في محادثات جنيف، وهذا ما ستؤول إليه أيّة محادثات لا رؤية واضحة لماهيّة المعارضة فيها واستهدافاتها.

ما تحقّق بعد انتهاء الجولة الرابعة من التفاوض هو انعكاس القناعة الدوليّة عبر الورقة التي قدّمها دي ميستورا بضرورة وضع حدّ للإرهاب في سورية والحفاظ على وحدة أراضيها، كما التمسّك باستعادة الجولان المحتلّ، وهو الأمر الذي لم تتمسّك به معارضة الرياض. كما يؤكّد انتصار الخارجية السورية في فرض أولويّاتها على الحوار وفي التعاطي السيادي مع الوفود المعارضة ودعوتهم إلى النضوج والتوحّد والعمل للوطن وليس لأجندات خارجية، شكل الضربة المباشرة لمعارضة لا هويّة واضحة لها، ووفود مركّبة بفعل المصالح الدولية التي تحكم الصراع الدائر على الأرض السورية.

رسائل بالجملة وجّهها رئيس الوفد السوري الدكتور بشار الجعفري إلى المعارضة ومن خلفها السعودية، والرسالة الأهم إلى تركيا في الشمال السوري وكلّ محتلّ للأرض السورية.

إذاً، انتهت دورة جنيف 4 على إيقاع تحرير تدمر والدعم الروسي المتنامي للموقف السوري، والذي تمظهر في الفيتو ضدّ قرار العقوبات على دمشق، والذي أوضح أمس وزير الخارجية الروسي بعضاً من كواليسه.

لافروف: مشروع القرار ضدّ سورية لإحباط المحادثات

وفي السياق، أكّد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أنّ مشروع القرار الذى تمّ تقديمه إلى مجلس الأمن مؤخّراً حول سورية كان يهدف إلى إحباط محادثات جنيف، مشيراً إلى أنّ تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائيّة لا يستند على أدلّة دامغة.

واعتبر لافروف خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير خارجية السلفادوري أوغو ماترينيس «أنّ «القول إنّ روسيا عرقلت مؤخّراً استصدار قرار في مجلس الأمن حول سورية غير صحيح وغير عادل»، موضحاً أنّ موقف بلاده جاء لأنّ «تقرير منظّمة حظر الأسلحة الكيميائيّة الذي يعتمد عليه مشروع القرار لم يكن يستند على حقائق دامغة تدلّ على استخدام الأسلحة الكيميائيّة، بل كانت هناك فقط مزاعم بعض الوفود الأجنبيّة التي لم تزُر الأماكن التي استُخدمت فيها الأسلحة الكيميائيّة».

واستغرب موقف نظرائه في مجلس الأمن، قائلاً: «لأنّنا أعطيناهم التوضيحات، وبأنّنا سنستخدم الفيتو ضدّه».

ويؤكّد العديد من التقارير الإعلامية حصول التنظيمات الإرهابية على معدّات ومواد إنتاج المواد الكيميائيّة والغازات السامّة بتسهيلات من النظام التركي، حيث أكّد عدد من البرلمانيين الأتراك أنّ التنظيمات الإرهابيّة في سورية ومنها «داعش» و«جبهة النصرة» وغيرهما حصلت على غاز السارين من تركيا واستخدمته في أماكن مختلفة من سورية.

وأوضح لافروف، أنّ معدّي مشروع القرار كانوا يعرفون أنّه سيؤدّي إلى «الانشقاق» في مجلس الأمن، «وكانوا يهدفون إلى ما هو أبعد من ذلك بإحداث تدهور في المحادثات السوريّة في جنيف وإحباطها».

المنصّات المعارضة ومعضلة التوحّد

ووسط التوجّهات المختلفة، تبحث المعارضات إمكانيّة الاتفاق على دور واحد. وقد أعلنت منصّتا «الرياض» و«موسكو» للمعارضة السورية أنّهما تسعيان إلى تشكيل وفد واحد، يضمّ أيضاً منصّة «القاهرة» للمشاركة في الجولة المقبلة من محادثات جنيف. وأكّد عضو «منصّة الرياض»، يحيى القضماني، أنّ الهيئة تسعى إلى تشكيل وفد واحد مع منصّتي «موسكو» و»القاهرة» بعد الجولة الحاليّة من محادثات جنيف.

من جانبه، قال حمزة منذر، المتحدّث بِاسم منصّة موسكو في مؤتمر صحافي منفصل، إنّه تمّ الاتفاق على عقد لقاءات جديدة تسمح بالوصول إلى اتفاق حول تشكيل وفد واحد للمعارضة، مؤكّداً أنّ بحث مسألة مكافحة الإرهاب أمر أساسي، وأنّه سيتم بحث هذه المسألة مجدّداً في أستانة.

الجيش يمشّط تدمر ويبدأ بدخول منبج

ميدانياً، واصلت وحدات الجيش بالتعاون مع القوات الرديفة ملاحقة فلول إرهابيّي تنظيم «داعش» المنهزمة شرق مدينة تدمر، وأوقعت بينهم خسائر بالأفراد والعتاد. وذكر مراسل «سانا»، أنّ وحدات الجيش نفّذت خلال الساعات القليلة الماضية عمليّات مكثّفة على بقايا تجمّعات إرهابيّي «داعش» في التخوم الشرقية لمدينة تدمر باتجاه منطقة الصوامع، سقط خلالها العديد من القتلى بين صفوف التنظيم التكفيري المدرج على لائحة الإرهاب الدوليّة، إضافة إلى تدمير آليّاتهم.

وفي منبج، أعلنت هيئة الأركان العامّة للجيش الروسي أنّ وحدات من القوات السورية دخلت المناطق التي تسيطر عليها قوات الدفاع الذاتي الكرديّة بدءاً من يوم أمس، وفقاً للاتّفاقات التي تمّ التوصل إليها بمساعدة من قيادة القوات الروسية في سورية.

وأكّد رئيس المديرية العامّة للعمليات في هيئة الأركان الروسية سيرغي رودسكوي، أمس، أنّ وحدات الجيش وصلت إلى المنطقة الواقعة جنوب غربي مدينة منبج التي تسيطر عليها وحدات الدفاع الذاتي الكرديّة، وكشف أنّ القوات الجوية الروسية تمكّنت من تدمير نحو 300 موقع تابع لتنظيم «داعش» في منطقة مدينة الباب.

روسيا تستمرّ بدعم الجيش السوري

إلى ذلك، جدّدت وزارة الدفاع الروسية تأكيدها استمرار دعم الطيران الروسي للجيش السوري في حربه على تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» المدرجين على لائحة الإرهاب الدولية. وذكر رئيس إدارة العمليات في هيئة الأركان الروسية الفريق سيرغي رودسكوي، أنّ «الجيش السوري وبدعم من الطيران الروسي كبّد تنظيم «داعش» خلال تحرير تدمر خسائر كبيرة تجاوزت ألف قتيل، وتدمير 19 دبابة و37 سيارة مصفّحة مزوّدة بأسلحة ثقيلة وأكثر من 100 عربة أخرى».

يأتي هذا الإعلان إثر نجاح القيادة العامّة للجيش والقوات المسلّحة في استعادة السيطرة على مدينة تدمر والمناطق المحيطة بها بعد سلسلة عمليات عسكرية ناجحة بإسناد جوّي مركّز من الطيران الحربي السوري والروسي، وذلك في إنجاز مهم يؤسّس لتوسيع العمليات العسكرية ضدّ تنظيم «داعش» وقطع خطوط إمداده.

ونوّه المسؤول العسكري الروسي بنجاح الجيش السوري في هزيمة تنظيم «داعش» في منطقة تدمر رغم تلقّي التنظيم التكفيري تعزيزات بشكلٍ دائم من الموصل والرقة، مشدّداً على أنّ القوّات الجوية الروسيّة «لم توجّه أيّ ضربات إلى الجزء الأثري للمدينة، حرصاً على حماية الآثار المتبقية التي لم يتمكّن إرهابيّو «داعش» من تدميرها».

وقامت أمس وحدات الهندسة في الجيش السوري بالعمل بتقنيّة عالية ودقّة بتمشيط المدينة الأثريّة والسكنيّة، وتفكيك العبوات الناسفة والألغام التي زرعها إرهابيّو التنظيم قبل فرارهم، وذلك لضمان عدم انفجارها ووقوع أيّة أضرار بشريّة أو تدمير المكوّنات الأثريّة.

عبد اللهيان: استعادة تدمر نهاية الإرهاب

وفي السِّياق، أكّد المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني للشؤون الدولية حسين أمير عبد اللهيان، أنّ استعادة الجيش السوري لمدينة تدمر الأثرية تكشف أنّ إرهابيّي تنظيم «داعش» بلغوا نهاياتهم، مجدّداً التأكيد على أنّ إيران ستواصل دعمها القويّ لسورية.

وقال في موقعه على تيلغرام مهنئاً سورية بهذا الإنجاز: «إنّ سورية شعباً وجيشاً وقيادة، وبالتعاون مع الحلفاء، عملت على جبهتَين بشكل متزامن، وهما جبهة محاربة الإرهاب الأجنبي والتكفيري وجبهة المحادثات السياسيّة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى