شبح الفقر يدقّ أبواب المعلّمين والإداريّين والعسكر

أسامة العرب

في ضوء الشِّرْعة الدولية لحقوق الإنسان، يعرّف الفقر بأنه يعني عدم توفّر القدرات الأساسية للعيش الكريم، حيث تؤكّد لجنة حقوق الإنسان بأنّ الفقر هو إنكار لحقوق الإنسان.

وفي ما يتعلّق بلبنان، فقد بيّنت دراسة حديثة أعدّها البنك الدولي بالتعاون مع إدارة الإحصاء المركزي أنَّ 235 ألف مواطن يعيشون في حالة فقر مدقع، أيّ بأقلّ من 5,7 دولارات في اليوم الواحد، ما يعني أنَّ 8 من اللبنانيين لا يستطيعون توفير الحاجات الغذائية اليومية لهم ولأطفالهم. وقد كشفت البيانات أيضاً أنَّ مليون مواطن يعيشون بأقلّ من 8,7 دولارات في اليوم، في حين أنَّ 27 من المواطنين هم من الفقراء الذين لا يستطيعون تلبية حاجاتهم المعيشية الأساسية. وتتزايد نسبة الفقر لتبلغ 36 في شمال لبنان و38 في البقاع، كما تزيد من حدّتها الأزمات التي يعيشها الشرق الأوسط برمّته إذ دخل بسببها نحو 200 ألف لبناني إضافي حلقة الفقر المدقع.

من المؤسف أنّ كلّ الدلائل تشير اليوم إلى أنّ جهات متعدّدة تحاول تطيير إقرار سلسلة الرتب والرواتب للموظفين المدنيين والعسكريين، وذلك بحجّة الخوف على الوضع الاقتصادي في البلد. حيث تتأرجح سلسلة الرتب والرواتب منذ 15 أيار 2014 ما بين المجلس النيابي والحكومة واللجان. أما جديد هذا التأرجح فيتمثّل في نقل المشروع من الهيئة العامة الى اللجان النيابيّة المشتركة التي ستعقد جلسة لمناقشة السلسلة في 6 آذار الحالي، في حين لا تزال الحكومة تدرس مشروع موازنة 2017 وتطرح مسألة فصل السلسلة عن المشروع حتى لا تؤثر على شعبويتها في موسم الانتخابات، فيما تلقي عبء إقرارها وتمويلها على المجلس النيابي وبشرط أن تكون مقسّطة على ٣ سنوات، وإلا ترحيل السلسلة إلى موازنة 2018 بذريعة عدم إمكانية تأمين تمويل لها.

ومن المعروف أنّ قطاعات لبنان الريعيّة تحقق أرباحاً تجاوز الستة مليارات دولار سنوياً، فلا يعقل أن يعيش ملايين المواطنين من الشعب اللبناني على أرض لبنان الفقر والعوز، فيما تختزن قلّة تعدّ على الأصابع ثروات خيالية. كما أنّ سلسلة الرتب والرواتب التي تمثّل مصالح مئات آلاف المواطنين الفقراء في لبنان، هي حق مكتسب للموظفين والعسكريين والمعلمين ولا يجوز التباطؤ في إعطائها لأصحاب الحقوق، كما أنه لا يجوز أن تَرفض القطاعات الريعية التي راكمت ثروات خيالية على مدى أكثر من عقدين من الزمن تحمّل جزء بسيط جداً من المسؤولية، لا سيما أنّ أرباحها كلّها نجمت على حساب مراكمة فوائد القروض التي كانت تقدّمها للدولة، ما أدّى إلى ارتفاع أعباء خدمة الدين العام وبالتالي المديونية العامة. ولهذا، فلا بدّ من إعادة التوازن ما بين الطبقات الاجتماعية في الدولة اللبنانية، من خلال إنصاف الفئات الفقيرة والمعدومة والتي تنوء أساساً بالأعباء الاقتصادية والمعيشية. كما أنّ الحكومة اللبنانية مطالبة بإنعاش المناطق المحرومة والمصنّفة بأنها أحزمة بؤس من خلال إقامة المشاريع الإنتاجية والاستثمارية التي تحرك الدورة الاقتصادية وتحدّ من تفشي البطالة المستشرية التي تدمّر أمننا الاجتماعي وتتجسّد في مظاهر الانحراف والفوضى وتفشي الرذائل.

كما أنّ هنالك ضرورة للتوقف عن التعويل على الاقتصاد الريعي الاستثنائي، والذي لا يدوم طويلاً لأنه السبب الأساسي في نفاد الثروات الطبيعية التي تعتمد عليها الدول ذات المديونية العالية، الأمر الذي يؤدّي إلى جعل السلطات تقف أمام اقتصاد مشلول لا يتحرك، وقطاعات زراعية وصناعية محطّمة، وبطالة مستشرية لا حلّ لها. كما أنّ هنالك ضرورة لفصل سياسة إنصاف الموظفين وتعزيز رواتبهم عن إصلاح الإدارة العامة وتفعيلها، فلا يجوز حرمان موظفي القطاع العام من حقّهم بالعيش الكريم، لا سيما أنّ عدم إعادة تعزيز القدرة الشرائية لرواتبهم وتعويضاتهم، قد يقضي على آخر ركن مما بقي من الطبقة الفقيرة غير المعدومة. ومن شأن ذلك أن يؤدّي إلى تقويض الاستهلاك المحلي، الذي ما زال يشكل أحد أهمّ محرّكات الاقتصاد اللبناني.

كما أنّ زيادة الرواتب والأجور ضرورية للتعويض عن الخسارة في القدرة الشرائية، فحصة الرواتب من إجمالي الناتج المحلي تراجعت إلى 22 ، بعد أن بلغت 60 تقريباً في السبعينيات. ومعظم موظفي القطاع العام، وخصوصاً العسكريين، يتقاضون رواتب لا تتعدّى ثمانمئة ألف ليرة شهرياً، وهو دخل لا يغطي خط الفقر لأيّ عائلة. فضلاً عن ذلك، فلا يوجد أيّ مبرّر لعدم إقرار السلسلة بحجة عدم وجود تمويل كافٍ، فالقطاع العام يعمل حالياً بثلث طاقته فقط، إذ تعاني الإدارة العامة من شغور في ملاك موظفيها يصل إلى 70 ، وما بقي منهم يراوح معدل أعمارهم بين 47 و63 عاماً. وعدد المراكز الشاغرة في الدولة يبلغ نحو 15 ألف وظيفة، من أصل 22 ألف وظيفة ملحوظة في الملاك الإداري العام، أيّ أنّ هناك 7000 وظيفة مشغولة فقط. كما أنّ واقع ظروف العاملين في القطاع العام مأساوية، إذ إنّ عشرات آلاف المواطنين يعملون لدى الدولة، بصفة متعاملين ومتعاقدين ومعظمهم أمضى عشرات السنين في وظيفته، ولا يجدون من يطالب بحفظ حقوقهم، حيث ينتهون بعد أن يهرم بهم العمر إلى المجهول، من دون أيّ ضمانات صحية أو اجتماعية، أو معاش تقاعد.

ولذلك، وفي ظلّ وجود هذا الشغور الكبير في الإدارة العامة فلا حاجة للربط بين مكافحة الفقر وبين زيادة الضرائب على الأرباح من جهة، وما بينها وبين وقف الفساد والهدر والرشى من جهة أخرى. وما أدلّ على ذلك، سوى أنّ وفداً من صندوق النقد الدولي، وفي قراءته لواقع الاقتصاد اللبناني، ومن خلال اطلاعه على الآفاق والتحديات، نصح المسؤولين اللبنانيين في مطلع العام 2015 بوجوب إقرار السلسلة، انطلاقاً من أنّ الدولة تدفع سلفة غلاء معيشة للموظفين بما يعادل 830 مليار ليرة لبنانية من دون واردات ضريبية ومن دون أن يتغيّر الوضع الاقتصادي للبلد، وهذا المبلغ يدفع من دون إيرادات مباشرة للخزينة ولا أيّ تمويل. في حين أنّ هذا المبلغ هو جزء من المبلغ العام المرصود لها والذي يقارب 1850 مليار ليرة الى 2000 مليار كسقف أعلى في حال أدخلت الدرجات للمعلمين، ولذا فالمبلغ المتبقي هو ما بين الألف مليار ليرة و1150 ملياراً، في وقت يجري الحديث فيه عن تأمين الإيرادات المناسبة وتمويل السلسلة، ما يعني أنّ إقرارها أفضل للاقتصاد لأنّ خسارة تمويل سلفة غلاء المعيشة لا تكون واقعة، إنما المبلغ يكون مشمولاً بتمويل السلسلة.

كذلك، لا بدّ من التشديد على أهمية إقرار اقتراح قانون «إزالة الفقر والعوز المدقع في لبنان» المُسمّى أفعال ، والذي يساهم في مكافحة ظاهرة الفقر، من خلال تقديم مساعدات مالية قيمتها ثلث الحدّ الأدنى للأجور، أيّ 225,000 ليرة شهرياً لكلّ عائلة، لكنّها مشروطة بأن يعلّم المحتاجون أولادهم في المدارس الرسمية أو المهنية، وأن يخضعوا لدورات تدريبية على مهن تخوّلهم في ما بعد إيجاد فرص عمل، لا سيما أنّ اللجنة النيابية الفرعية المنبثقة من لجنة المال والموازنة أنهت دراسته. وأخيراً فإننا نأمل أن يُقرّ الاقتراح الأخير وسلسلة الرتب والرواتب في أقرب وقت انطلاقاً من حسّ الانتماء للشريحة الكبرى من المواطنين وهي فئة محدودي الدخل…

محام، نائب رئيس الصندوق الوطني للمهجرين سابقاً

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى