أربع سلال من «جنيف 4» إلى «جنيف 5»…!

محمد ح. الحاج

يبدو أنّ القضايا الشائكة التي نوقشت في «جنيف 4» اقتصرت على العناوين والخطوط العريضة طبقاً لما قاله الدكتور الجعفري، ولأنّ عدوى البازار انتقلت من أستانة إلى جنيف فقد لاحظنا استخدام تعبير السلات جمع سلة لوضع القضايا التي تجاوزت أحجامها سعة ملف أو ملفات، السلال يمكن أن نضع فيها الكثير وقد تكون أحجامها كبيرة، أيا تكن فهذه المرة حتى الدكتور الجعفري استخدم مفردات البازار، هل هي المسايرة والنزول إلى مستوى فهم هذه المعارضات، أم هي السخرية، أم محاولة إفهام الجميع في الداخل والخارج أنّ القضايا المطروحة أحجامها كبيرة، وتفاصيلها أكثر اتساعاً من قدرة جنيف على استيعابها وهضمها والخروج بنتائج تلبّي طموحات الشعب السوري الحقيقية في وقف نزيف الدم واستمرار الخراب، وهذا لا يكون علاجه إلا كما قال بتوفر الشريك الوطني السوري، والأفضل أن يتمّ الانتقال إلى الداخل السوري بعيداً عن دهاليز وكواليس الفنادق الفخمة وغرف عمليات الاستخبارات متعدّدة الجنسيات، وتوجيهاتها وتعليماتها التي تدفع إلى التعقيد وليس إلى الحلول.

جدول الأعمال الذي تمّ التوصل إليه هو جدول عقلاني بتوصيف الدكتور الجعفري، فهل كان بين أفراد المعارضات من هو فعلاً عقلاني، أم هي صحوة عابرة، رغم ذلك قال: هناك أطراف ضمن المنصة الواحدة لها موقف مغاير ومناوئ لموقف الآخرين، وكان بين جماعة منصة الرياض إرهابيون بكلّ معنى الكلمة وطبقاً للتوصيفات العالمية، حتى أنّ الفصائل الـ 14 التي وقعت اتفاق وقف القتال خرج عليها ومن داخل صفوفها من خرق هذا الوقف وارتكب أكثر من جريمة قصف للأحياء المدنية، واعتداءات على مراكز حكومية، وهنا تتجلى خطيئة وفشل الوسيط الدولي الذي تعهّد جمع المعارضات في وفد موحد، أو موقف واحد، والملاحظ انعدام الرؤية المتقاربة لهؤلاء، ولهذا استغرق النقاش حول سلة مكافحة الإرهاب أكثر من 80 من الوقت لأهمية هذه السلة، مع أنّ غيرها لا يقلّ أهمية ومنها سلة الدستور أو الإصلاحات الدستورية والقانونية، الاتفاق على تشكيل الحكومة أو انتخابات مجلس الشعب وهي أمور لا يمكن البحث في أحدها قبل استكمال الآخر، لا يمكن البحث في الدستور قبل الاتفاق على حكومة، وهذه تقرّ قانون انتخابات يتمّ الاتفاق عليه، وبعد ذلك إجراء الانتخابات ومن ثم تشكيل لجنة صياغة دستور إلخ…

دي ميستورا ومساعده البروفيسور نعومكن قدّما ما أسماها الدكتور الجعفري باللاورقة، تضمّ 12 بنداً، وقد جاءت مستندة إلى الأفكار التي قدّمها الوفد الرسمي وأيضاً أخذت بعين الاعتبار آراء البعض من أفراد المعارضات الأخرى، وعلى اعتبار أنها ليست معتمدة من الجميع فهي ستبقى لا ورقة حتى يتمّ التوافق عليها فتصبح ورقة عمل، هل يمكن القول إنها مجرد مسودّة، وبماذا تتعلق، وهل تعالج جميع نقاط الاختلاف بين المعارضات والوفد الرسمي الحكومي، مع ذلك يمكن الاستنتاج من كلام السياسي السوري الكبير أنّ وفد الرياض كان وسيبقى صاحب الموقف الأسوأ والأكثر تعنّتاً بالنسبة لكلّ القضايا المطروحة وأهمّها ما يتعلق بمكافحة الإرهاب.

هل بين «جنيف 4» و«جنيف 5» عودة إلى بازار أستانة؟

يتردّد عبر أكثر من مصدر إعلامي عن جهود ونشاط لأكثر من طرف للعودة إلى أستانة بازار في جولة تحمل الرقم 3، رغم التأكيد من أكثر من طرف، ومنها الدكتور الجعفري أنّ لقاء أستانة لم ينجح في تحقيق أكثر من اتفاق التوجه إلى جنيف إلا أن تكون العودة إلى أستانة للسياحة، ويمكن التساؤل: هل كلّ من شارك في أستانة هو مشارك في جنيف أم أنّ هناك مقترحات لإشراك منصات أو مجموعات جديدة لا بدّ لها من المرور بأستانة قبل الارتقاء إلى جنيف؟

المتوقع أن يتغيّر الكثير من المواقف والمعطيات على أرض الواقع بين «جنيف 4» و«جنيف 5»، خاصة الموقفين التركي والأميركي، كما ينتفي احتمال أيّ تطوّر على مواقف كلّ من السعودية وقطر ومعهما فرنسا التي يقول إعلامها إنّ الجيش السوري استرجع تدمر من يد «المجاهدين»! تصوّروا أنّ الخطاب الفرنسي ذا الوجهين يتهم الداعشي الذي يفجر في باريس ولندن وغيرها بأنه إرهابي تجب محاربته والقضاء عليه، فيما يصبح هذا الإرهابي نفسه مجاهداً على الأرض المشرقية في سورية والعراق وربما لبنان أيضاً، وإذا ما انعقد لقاء في أستانة ما بين العاشر والخامس عشر من الشهر الحالي فلا بدّ من ظهور وجوه جديدة، وربما منصات جديدة لا بدّ لها من التدرّب على بروتوكول اللقاءات والتفاوض لا لتقريب وجهات النظر بين المعارضات الحالية لتشكيل وفد واحد موحد يحمل مشروعاً ورؤية واحدة، بل ليزيد في تعقيد الأمور ودفعها إلى النفق الطويل وكما قال السفير الجعفري، مناقشة كلّ منصة على حدة ضمن أفكارها قد يستغرق منا سنوات طويلة، عشرات السنوات وهذا بالتأكيد ليس في مصلحة الشعب السوري الذي ضاقت به السبل وفاض به الصبر.

الكثير من الأسئلة يتردّد على الألسنة، هل يبقى دي مستورا على رأس مهمته التي يعادل مردودها رواتب طاقم وزاري كامل، أم يقوم الأمين العام الجديد باستبداله بعد أن تحوّل إلى منسق عام لسياسات الدول راعية التنظيمات الإرهابية، وماذا عن البروفيسور نعومكن؟

ما الذي ينتظرنا في المستقبل القريب؟ وماذا ستكون عليه مواقف الدول الكبرى اذا ما امتدّ الحريق خارج حدود المنطقة ليصل إلى الخليج؟ وهل سيبادرون إلى وقف كلّ مشاريعهم ولملمة مرتزقتهم ووضع نهاية لهذه الحرب المجنونة؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى