المسكوت عنه في العلاقات المصرية السورية.. لعنة «كامب ديفيد»

ماجدي البسيوني

لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن ألوم أو أغضب من أيّ سوري وطني قام ويقوم بما يجب عليه نحو بلده وقدّم الغالي والثمين فداء لوطنه من شهداء ومن صبر على الضيم ومن ومن ومن… لا يمكن أن أتخذ منه موقفاً اذا ما قال أو كتب أنه غاضب أو عاتب على موقف مصر الرسمي المضادّ في وقت الإخوان والصامت أو البطيء وعدم الحازم أحياناً منذ بداية الحرب العالمية على سورية عام 2011 وحتى اليوم…

لكن هناك مجموعة من الحقائق يجب أن نعيها ونحن نتحدث سواء بالغضب أو حتى باللوم، بعيداً عن أية مزايدات.

أولاً: علينا أن نعرف أنّ موقف مصر الرسمي وقت الإخوان كان نفسه الموقف القطري والتركي ومواقف كلّ المعادين للدولة السورية.

ثانياً: أنّ مصر وقت الإخوان ساحة حاضنة لكلّ الإخوان السوريين وكذا ما يسمّى المعارضات السورية بكافة أطيافها، وتمّ استخدامهم كأبواق سورية تؤصل لنفس موقف الإخوان القابعين على سدة الحكم في مصر وقتها.

ثالثاً: كانت وسائل الإعلام المصرية وقتها ـ ولا زال الكثير منها ـ مدعومة إما من الإخوان وإما من رجال الأعمال التابعين أصلاً لنفس المنظومة المعادية للدولة السورية بل والكثير منها تلقت دعماً خليجياً لما بينهم من مصالح سواء مباشرة أو استهداف لمصالح مأمولة.

رابعاً: وقع المواطن المصري أسيراً ما بين ما تبثه وسائل الإعلام بما تتناقل من دعايات مضللة وبين ما يذكره السوريون المتواجدون بمصر أنفسهم كدليل على ما يحدث في سورية، في ظلّ عدم وجود أصوات أخرى، ولا سيما بعد منع القنوات السورية وكافة القنوات المقاومة من البث عبر «نايل سات». وقتها لبّى العديد من أعضاء الإخوان توجهات قيادتهم وسافروا للانخراط بجانب الإرهابيين بسورية.

خامساً: الحقيقة المؤكدة أنّ الجيش العربي المصري ظلت قياداته ثابتة على استراتيجيتها العسكرية رافضه لأكثر من مرة تلبية طلب الرئاسة المصرية ـ مرسي ـ التي تمثل القائد الأعلى للقوات المسلحة بالذهاب لقتال «جيش بشار» كما كان يسمّيه الإخوان والرئيس الاخواني، بل كان هناك تعاون أمني ومخابراتي ما بين مصر وسورية، وهذا ما ذكره الرئيس بشار الأسد أكثر من مرة.

سادساً: الحقيقة المؤكدة أيضا أنّ الآلاف من السوريين الوطنيين خلافاً لمعظم المواطنين العرب انطلقوا فور سقوط الإخوان بالتعبير عن فرحتهم أمام مقرّ السفارة المصرية بدمشق وكنت أحد الشهود على ذلك.

سابعاً: بعد خلع الإخوان وتولي القيادة الجديدة تمّ اتفاق مصري/ سوريّ بضبط انسيابية التنقل ما بين البلدين في ما سمّي بالموافقة الأمنية.

ثامناً: لم تمنع الجهات الأمنية المصرية أياً من المصريين المؤيدين لمواقف الدولة السورية المعادين للحرب على سورية، حتى في ظلّ حكم الإخوان، بل سمحت لبعض المبادرات المصرية بإرسال المساعدات الشعبية رغم قلتها.

تاسعاً: لم تغلق أبواب مقرّ السفارة المصرية بالقاهرة يوماً واحداً ـ اللهم عندما هجم عليها بعض السوريين الإخوان الذين أقاموا خيمة كبيرة أمام بوابة مقرّ جامعة الدول العربية وقت حكم الإخوان، وهم أنفسهم من قاموا بالاعتداء على وفد الفنانين السوريين الوطنيين أثناء ذهابهم إلى مقرّ الجامعة… بل أكشف سراً عندما أقول إنّ الأمن المصري توصل إلى المجموعة المصرية التي قامت بإزالة هذه الخيمة وإشعال النيران فيها ذات فجر رمضاني!

عاشراً: منذ فوز الرئيس السيسي برئاسة مصر وحتى الآن كان التعامل المصري السوري سرياً، بما في ذلك اللقاءات الثنائية التي منها ما تمّ كشفه ـ كزيارة اللواء علي المملوك ـ ومنها لم يكشف بعد… كانت المبادرة المصرية منذ بداية جلوس السيسي تؤكد على وحدة الاراضي السورية… مجابهة الإرهاب داخل سورية… الحلّ السياسي… وصولاً للتصريحات الواضحة بالوقوف بجانب الدولة السورية والجيش العربي السوري.

حادي عشر: تدرك الإدارة المصرية اعتراض أوروبا وواشنطن نفسها والعديد من القوى الإقليمية أنها كانت ضدّ السيسي، بل ووصمته بقائد الانقلاب، لهذا وقفت ضدّ ترشحه وانتخابه، وهو نفس الموقف الذي اتخذته ضدّ الرئيس بشار أثناء إعادة انتخابه وبنفس التوقيت، معنى ذلك أنه لو خرج تصريح من الرئاسة المصرية اي من السيسي تحديداً ضدّ الرئيس بشار معناه الطعن في نفسه أيضاً، لهذا لم نجد تصريحاً واحداً في هذا الاتجاه، بل كان التأكيد المستمرّ أنّ الشعب السوري هو وحده صاحب الحق في اختيار رئيسه.

ثاني عشر: يكاد ينعدم أعداد الإرهابيين الحاملين للجنسية المصرية في سورية من بعد صعود السيسي للحكم، على غير ما كان يرتب له الإخوان وما طالب به مرسي مراراً.

موقف مصر الرسمي المعادي لتركيا وقطر.. وسوء العلاقات المصرية السعودية لرفض مصر القيام بما تريده السعودية فى سورية واليمن، أليس كلّ هذا إيجابي ويصبّ في الصالح السوري؟

يبقى السؤال: هل يريد السوريون وصول قوات من الجيش المصري، الجيش العربي الثاني والثالث، للوقوف بجانب الجيش العربي السوري، الجيش العربي الأول، كما يسمّى منذ جمال عبد الناصر وحتى اليوم.. رغم الحرب التي يقوم بها الجيش المصري ضدّ الإرهاب سواء فى سيناء أو على الحدود المصرية الليبية التى هي بحجم الحدود التركية السورية؟

المؤكد لا يطلب أحد هذا، لما ذكرته ولما لم يذكره أحد، وهو كيف لقوات مصرية المجيء إلى الأراضى السورية في ظلّ عدم تطبيع العلاقات الكاملة مع إيران؟

اللافت للنظر أن تكشف وكالة أنباء إيرانية ومن داخل سورية عن وجود عناصر من الجيش المصري داخل سورية، وتحديداً في مطار حميميم، بجانب القوات الروسية.. ثم يُكشف عن وجود 18 طياراً مصرياً في مطار بالقرب من حماة، ليخرج بعدها المتحدث باسم الخارجية المصرية وليس المتحدث العسكري لينفي وجود قوات مصرية بداخل سورية.

الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه أجاب على نفس السؤال حين قال منذ أيام أثناء مؤتمر صحافي مع ميركل رئيسة وزراء ألمانيا أثناء زيارتها لمصر، من أنه يفضل أن تقوم الجيوش الوطنية نفسها بالدفاع عن أراضي الدولة، لكنه أضاف: لن نترك سورية ليد الإرهاب وعلى الدول التى تدعم الإرهاب أن تكفّ عن دعمه.

أنت السوري وأنا المصري نتمنى أن نرى لقاء علنياً سواء بدمشق أو القاهرة ما بين السيسي والأسد، يعلن فيه وبكلّ وضوح ودون لبس عن تعاون بلا حدود للقضاء على الإرهاب بكلّ شبر من الإقليم الشمالي والإقليم الجنوبي من الجمهورية العربية المتحدة.

لكن ما نتمناه وما نأمله في ظلّ حرب عالمية اتخذت من الوسائل والأساليب الجديدة وصلت للنخاع الشوكي من مكونات الوطن ومن ثوابت الوطن الدينية والطائفية تحول دون تحقيقه بالشكل الذي أردناه، فلنعظم الممكن وندفع للمزيد… ولا ننسى أن نلعن ما سبّبته كامب ديفيد ليس لمصر بل للعالم العربي كله.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى