تحليل

بلال شرارة

ليس بالضرورة أن يكون الأشخاص الذين يتناوبون على شاشات الفضائيات أشخاصاً على جانب من الأهمية، وليس من الضروري أن نصدّق أنهم يتمتعون بموهبة المعرفة والاستشراف عن بُعد والتحليل والاستنتاج، وأنهم يملكون حدة نظر أكثر من زرقاء اليمامة وأن يكون كل منهم مرجعية سياسية، أو لديه مصادر دبلوماسية دقيقة أو إلخ… أو شخصيات مطلعة ومتابعة لمجريات الأحداث قد أسَرّت لهم ووشوشتهم بكلام السرّ حول العناوين المطروحة.

أنا أعرف أعوذ بالله من كلمة أنا، وأعوذ بالله من أن أكون على معرفة مثلهم بدقائق الأمور . أنا أعرف أنهم، أقصد السادة المحللين، لا يعرفون ماذا يجري، أو عفواً ماذا يجري على بعد خمسين متراً منهم، فكيف تراهم يعرفون ماذا يجري من المحيط إلى الخليج؟

السادة الضالعون في معرفة خبايا الأمور الذين أغلبهم لا يجد عملاً آخر، والذين لم يسبق لهم أن شاركوا في أيّ حرب ولم يقرأوا خرائط ميدانية للعمليات ولم يحاربوا لا بالحقيقة ولا بالمنظار. كلّ واحد من هؤلاء المحللين ينتقل بنا من جغرافية الحروب الصغيرة الدائرة مثلاً على مساحة سورية وأحد أريافها إلى أحياء الموصل الغربية ويعرف أسماء كلّ الزواريب والبنايات وأرقام عيارات المياه وساعات الكهرباء، علماً أنه لم يطأ تلك البلاد، فسبحان الله…!

الساده المحللون لله درّهم يعرفون في طرقات اليمن وليبيا أكثر من طرقات لبنان، وهم يعرفون أسماء وعناوين أفراد الجماعات المسلّحة ويسبقون الجميع الى معرفة الأحداث غداً !

أقول إنه عندنا في الضيعة لا أحد يهتمّ لهؤلاء ولا لمدى معرفتهم بأنّ رأس نوف هي عاصمة الهلال النفطي الليبي أو أنّ المخا اليمنية تحتلّ أهمية استراتيجية على الشريط الساحلي اليمني.

كانت أول مرة سمعت فيها أسماء البلدات والقرى والأمكنة في ريف حلب – كانت يوم أعلن الناطق العسكري السوري انّ الجيش قد استعادها، وكذلك الأمر بالنسبة الى أسماء وعناوين المناطق العراقية. أنا أعتقد أنّ وسائل الإعلام المتلفزة الفضائيات يعني ليست مضطرة لصرف الأموال على وسائل الإيضاح المتمثلة بكلّ هؤلاء الجنرالات وأساتذة العلوم السياسية والحزبيين لكي يشرحوا لنا الأمور بما يزيد تعقيد معرفتنا. أعتقد أنه ربما من الأجدى للفضائيات أن تبحث ملء فراغ الهواء الأثير بالبرامج المناسبة.

اعترف بأني أحد المشاهدين الذين يسارعون إلى الهرب من أمام الشاشات، كلما وقعت عيوني على أحد الذين تستعين بهم الفضائيات لتوضيح سير المعارك، حركة العسكر، خرائط العمليات أو مثلاً وقائع المحادثات السرية بين بوتين ونتنياهو ! أو آفاق السياسة الأميركية بعد خطاب الرئيس ترامب أمام الكونغرس.

يا الله… أمس، أمس تماماً، نقل لي أحد العرافين، عفواً، أحد المحللين العسكريين موجز الخطة التي وضعها قادة البنتاغون على طاولة الرئاسة في المكتب البيضاوي، وشكل وأسلوب حركة الإبرار الجوي التي ستنفذها قوات دلتا فورس الأميركية وعدد الآليات التي ستسلّمها واشنطن الى قوات الحماية الكردية.

المعركة ستطول… سيكون للمحللين أن يفرحوا لأنهم سيستهلكون الجمهور كله. لن يبقى أحد حياً ليكذبهم كذب المنجمون ولو صدقوا كلّ ما أتمناه على القادة من البيت الأبيض الى الكرملين الى الاليزيه الى بقية عواصم القرار الدولية وعواصم القرار الإقليمية، خصوصاً في طهران وانقرة وعواصم القرار العربي، وعلى القادة في لبنان العزيز أن يقولوا كلاماً واضحاً لا لبس فيه فلا نحتاج معه الى تغليب المحللين على أمرهم وانتزاعهم من ساحات تفكيرهم ليشرحوا لنا لمعات القادة وما يقصدونه وما لا يقصدونه.

أنا أعوذ بالله من كلمة أنا أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي وللمحللين وللجمهور الغفور.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى