«سلسلة» عقليّة الإقطاعيّ اللبناني!

هاني الحلبي

كانت لافتة أخبار أمس، التي تصدّرت مانشيتات الصحف ونشرات الأخبار، احتوت نتفاً منها: «أُعطي الإداريون درجتين بدلاً من ثلاث درجات اتفق عليها أول أمس»، «جرى تخفيض تضخّم الفئة الثانية حيث اقتطع من موظفي الفئة الثانية مبلغ..»، «تمّ التوافق على إعطاء الرتباء درجة إضافية»، «وعد وزير المال علي حسن خليل بتأمين درجة.. «. «أبقت اللجان المشتركة على 3 درجات للأساتذة وحصلت بعض التعديلات بما يخصّ الكلفة»… لكن «تمّ الالتزام بما قررته الكتل النيابية لجهة مبلغ 1200 مليار ليرة، والأهم ّوفق المصادر أن الكلفة جاءت أقل بقليل من المبلغ المذكور».

واللافتة أكثر الكلمات المفاتيح التي أفرزها مقص الخيّاط المالي: أُعطي، درجتين بدلاً من ثلاث درجات، اتفق عليها أمس، جرى تخفيض تضخم، اقتطع، لصالح، تمّ التوافق على إعطاء، درجة إضافية، أبقت، تم الالتزام، أقل بقليل.. هكذا يتم الإعطاء والتكرّم، والاستبدال والتخفيض والنقل والإضافة والتحويل والاقتطاع والتوافق على والاتفاق على، بلا مقياس سوى الالتزام بسقف الإنفاق. ما هي قيمة أي قانون هنا واستناداً إلى أية قواعد حقوقية يتم حساب حقوق الموظفين في ما يُسمّى سلسلة رتبهم ورواتبهم؟

وخلال سنوات حراكها النقابي الشعبي الواسع أكدت هيئات التنسيق سابقاً، موقفها الثابت «بإعطاء 121 في المئة لكل الموظفين في الدولة، ما يُرضي جميع القطاعات بعد عشرين عاماً» من التسويف والإهمال، كما تنص القوانين اللبنانية وليس كما تتم «قصقصة» تلك الحقوق بفتات الترضية السياسية ومما يتبقى من جبنة الموازنة، بخاصة أننا على أبواب عهد جديد التزم التغيير والإصلاح. ولا شك في أنّ أوجب الإصلاح هو تحطيم قاعدة تعاطي المسؤول مع حقوق اللبنانيين مستوحياً «قصقص ورق ساويهن ناس». دهاليز مناقشة الموازنة. مَن يحق له بثلاث درجات فنستبدلها بدرجتين ترضية، وندبر درجة لفئة العسكريين وغيرهم وهكذا.. وكأنّ المسؤول يُكسب وعوده قوة شرعية فوق القانون.

لا يريد المعلمون، ولا الموظفون، ولا العسكريون على اختلاف درجاتهم ورتبهم، سوى حقوقهم المكتسبة غير القابلة للتنازل، لأنها حقوق مكتسبة بموجب قانون عام، لم يتمّ تدوينه حصراً من أجلهم، بل هم تمّ توظيفهم في ظلّ أحكامه وتمّ نشرها سابقاً مع تعديلاتها وإقرارها أصولاً بلا مراعاة ولا مداهنات ولا توافقات مرجعيات على أساس إقطاعي.

كقول وزير صحة سابق واعداً اللبنانيين بإقرار التغطية الصحية لمن تخطّوا سن 64 سنة وما فوق، أنه حقق المشروع التزاماً بتوجيهات مرجعه السياسي، وكأنّ موازنة المشروع ستتمّ من خزانة القصر وليس من موازنة الوزارة، ولما تغيّر معالي الوزير أعلن سلفه أن لا موازنة ملحوظة لهذا المشروع الجليل.

المشاريع الجليلة لا تقرّ عبر منابر انتخابية ولا في مناسبات دعائية بل في مجلس نيابي مسؤول بعد أن تشبع لجانه المشروع دراسات وأبحاثاً مسؤولة ليتمّ إجراء المقتضى.

و»السلسلة» قانون. وإقرارها بموجب قانون نافذ ومرعي الإجراء، وليست وفق مزاج مرجعية ما أو مرجعيات عدة قبيل موسم اقتراع.

«السلسلة» حق وتمويل ضرائبها من جيوب اللبنانيين، الذين لا يتهرّبون من تكليفاتهم الضريبية، وهم ليسوا كنافذيهم الذين تخلفوا عن دفع فواتير الكهرباء، وغيرها من فواتير خدمات حيوية عدة. أيّ تخلف فيها هو جريمة. والحق يُقال إن تمويل «السلسلة» ينبغي أن يكون من جيوب «حيتان المال» وحساباتهم المصرفية الفلكية التي في المقابل جعلت ديننا العام الداخلي فلكياً للمصارف اللبنانية.

«السلسلة» حق وإصلاح عميق وتغيير في نسق النظام الضريبي. وهذا الحق لا يجوز التفريط فيه ولا الافتئات عليه، وكما لا يجوز زيادة عجز المواطن اللبناني الذي هجّر من وظيفته بسبب عجز الدولة وحصارها الطوائفي والعربي، مالياً وسياحياً وتجارياً، فتم تعطيل قطاعاته الإنتاجية باستهداف الأمن بضربات موضعية مركزية موسمية لسنوات عدة.

الحراك النقابي أعاد الدم إلى شرايين الكائن الهلامي الذي كان يُسمّى في زمن غابر شعب لبنان، معلّميه، طلابه، موظفيه، عماله، منتجيه في أي ميدان كانوا.. مدعوون لاستئناف الحياة.

التوافقات السياسية على حقوق اللبنانيين خلافاً لأي قانون هي رقع تزيد الثوب البالي وزناً ورثاثة.

باحث وناشر موقع حرمونharamoon.com

وموقع السوق alssouk.net

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى