سورية – الدولة: رابح – رابح

حسن شقير

خطوة واحدة… وسيكفي الله المؤمنين شرّ القتال؟

لم تنفضّ جلسات التفاوض في مؤتمري أستانة الثاني، وجنيڤ الرابع، في ما بين وفد الحكومة السورية ووفود المعارضات، إلاّ وقد انجلى الغبار عن مخاضٍ عسير، لولادة نقاط جدول الأعمال المفترض الغوص في مراميها فيما ينتظر من نسختيهما المقبلتين في الرابع عشر، والثالث والعشرين من آذار الحالي.

لم تحد هذه النقاط أعلاه عما ورد في متني القرارين الدوليين 2254 و 2268، والتي تمحورت مضامينها في سلالٍ أربع، بدءاً من سلة مكافحة الإرهاب، فالحوكمة وصياغة الدستور وطرحه للاستفتاء الشعبي، توسلاً إلى انتخابات «حرّة ونزيهة» تجري تحت إشراف الأمم المتحدة.

فيما خصّ أستانة الثالث – والمزمع انعقاده غداً – فلقد أعادت روسيا طرح المرحلة الأولى من خريطة طريقها للحلّ في سورية، والتي كانت قد ثبتتها في بيان ڤيينا الأول، وذلك في أواخر تشرين الأول عام 2015، متجليةً بفصل الجماعات العسكرية «المعتدلة» والمشتركة في التفاوض السياسي، عن غيرها من باقي المجموعات الإرهابية المنضوية في ما تسمّى بـ»هيئة تحرير الشام»، وذلك مقابل تثبيت الهدنة في ما بين الجيش السوري وحلفائه من جهة، وهذه الجماعات المفاوِضة من جهة ثانية، ناهيك عن ملف إقفال منابع التسليح، ومصبات الإرهاب إلى الداخل السوري، والتعهّد بمكافحة هذا الأخير، هذا فضلاً عن عدم جواز تجاوز خطوط التماس بين جغرافيات هذين المكونين، ليصار لاحقاً إلى التوجه تكاملاً أو تقاطعاً نحو محاربة التنظيمات الإرهابية، وذلك بعد أن تفرز الخرائط الجغرافية على طاولة البحث في أستانة الثالث إعلان وزارة الدفاع الروسية بالأمس ، والبحث بتشكيل لجان تعنى بإجراءات الثقة حول ملف تبادل المعتقلين وباقي الملفات الإنسانية…

بنظرةٍ سريعة إلى أهمّ ما تناوله وسيتناوله جدول أعمال مؤتمر أستانة المقبل، فإنّ سردية التتالي والتوازي، لا تستقيم مع مضامينها، وخصوصاً لدى الدولة السورية، فمعظم هذه البنود لا تشكل إحراجاً لها في تنفيذها، وخصوصاً موضوع الالتزام بوقف إطلاق النار مع «المعتدلين»، فهذه مصلحة عسكرية تكتية ضرورية لها في زمن تضافر جهودها في مجال محاربة الإرهاب، وهذا ما تجسّد واقعاً بعد تحرير مدينة حلب، بحيث أضحت تلك الهدنة، فرصةً ثمينة للتوجه نحو باقي المجموعات الإرهابية في ريفي حلب الشمالي والشرقي، وكذا في ريف حمص الشرقي، وصولاً إلى ريف دمشق، وتحديداً في منطقة نبع الفيجة… هذا فضلاً عن تسريعها لقطار المصالحات في أرياف دمشق المختلفة، ومؤخراً استكمال البحث في إعادة الحياة لاتفاق حي الوعر في حمص.. وهذا كله ما كان ليتمّ بهذه السرعة واليسر، لولا السير واقعاً بذاك البند الوارد في أستانة، وهذا الأمر تطلب من الجيش السوري – وبشكل منطقي – رسم خطة سير القوات المسلحة نحو الجغرافيات التي يحتلها الإرهاب في سورية، وخصوصاً الدواعش منهم..

وعليه فإنّ ما تبقى من التزامات تعنى بالقضايا الإنسانية والإجتماعية، فلا مصلحة إطلاقاً لسورية – الدولة، الباحثة عن إعادة سيادتها وثقة مواطنيها بها، بأن تتخلف عنها، وخصوصاً أنّ ذلك سيشكل إفقاداً لحجج تلك الجماعات العسكرية المنضوية في إطار أستانة، بأن تتفلت من التزاماتها، وتحديداً فكّ ارتباطها بالإرهاب والمشاركة في فرز خرائط انتشاره، كتمهيدٍ للببدء بسلخ الجغرافيا منه، والذي لا مناص أمام هذه المجاميع المسلحة، ومن يرعاها من الدول أيضاً، إلاّ بالإنخراط في عملية وراثته، وذلك استلحاقاً منهم في الحصول على بعض الجغرافيا من جهة، ومخافةً منهم، من «استئثار» سورية الدولة وحلفائها بهذه الوراثة الجغرافية من جهة ثانية، وخير دليل على ذلك، ما تفعله أميركا اليوم في ريفي الرقة ومنبج والشرق والشمال السوري بشكل عام.

قد يجادل البعض، بأنّ تركيا وجماعاتها المسلحة في الميدان، ربما يماطلون في تنفيذ ما يتطلب منهم من مواجهة التنظيمات الإرهابية، وبأن التزاماتهم في توجيه البنادق نحوها، ستبقى حبراً على ورق، وهذا الأمر وارد بقوة، إلا أنّ هذه المسألة ستكون خسارة صافيةً لهم، وذلك وفقاً لمبدأ الاستلحاق الذي تحدثنا عنه، وعليه فإنّ ما يكفي روسيا وإيران وسورية من أستانة، هو فرز الخرائط الجغرافية فقط، وهذا بحدّ ذاته إنجاز يسمح لهم بوراثة الأرض، كلّ الأرض من الإرهابيين، وبمباركة «المعتدلين» وراعيهم التركي هذه المرّة.. فهل سيرتضي هؤلاء بالتفرّج فقط؟ وهل سيرضى الإرهابيون بتلك الموافقة الموثقة لأولئك المعتدلين؟

خلاصة القول، فإنّ مسار أستانة العسكري – إنْ أنجز ما ذكرته وزارة الروسية حول الخرائط الجغرافية – سيحقق إنجازاً مهماً جداً، ونقلةً نوعية في مسار الحرب على سورية، لصالح محور الممانعة وروسيا فيها، وعليه فإنّ لعبة التوازي أو التتالي في جنيڤ الخامس لدى معارضة الرياض، ستصبح ورقةً خاسرة، وبكافة المعايير.

باحث وكاتب سياسي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى