الحريري: لن «أفتعل» مشاكل مع العهد

روزانا رمّال

تتكشف حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الرئيس سعد الحريري في تعاطيه مع «حكومته» من جهة ومع «العهد» الحالي من جهة أخرى لأسباب أخذت تتوضّح أكثر «ممارسة»، بحيث لا مجال بعد من حصر مهمة الحريري ببعدها «المحلي» فسلوكه برأي من يعاينونه أصبح احد ابرز عوامل «التهدئة والتبريد» في طاولة مجلس الوزراء.

يشارك الحريري وزراء حزب الله وحركة أمل «المهمة» بمكان ما، وهم على ما يبدو جزء لا يتجزأ منها، او على الاقل مصفقين لها. ضبط ايقاع مجلس الوزراء وجلساته الحاسمة كجلسة التعيينات الأخيرة كانت واحدة من النماذج التي تؤشر الى عناوين وضعت الحكومة المحلية نفسها تحتها، فعلى ما يبدو هناك «خطوط حمراء» رسمت منذ انتخاب الرئيس العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية مقابل عودة الحريري رئيساً للحكومة.

فمَن رسم هذه الخطوط ولماذا؟

يكشف وزير تيار المردة يوسف فنيانوس في حديث تلفزيوني ما بات ملحوظاً في سلوك الحريري الحكومي، فيقول إن الرئيس الحريري كان قد «جاهر» امام المردة بانه «لن يفتعل مشاكل مع العهد». هذا الكلام الذي يحمل بعداً محلياً او اجرائياً حكومياً هو بالعين المقابلة كلام يعلن فيه الحريري «سقف» تحرّكه وحدوده بالمرحلة الحالية، الأمر الذي تفسره خلفيات اقليمية بديهية.

يدرك الحريري جيدا ان اي مشكلة مع «العهد» قد تعرّض حكومته للخطر، وربما للاستقالات ايضاً. وهذه الحادثة ليست بعيدة عنه بعدما سبق وأن صدم باستقالة وزراء المعارضة عام 2011 فدخل الحريري البيت الأبيض رئيساً للحكومة، وخرج منه رئيساً لحكومة مستقيلة.

يدرك الحريري أيضاً أن اي انقسام من هذا النوع في حكومته استثنائياً يختلف عن أي حكومة أخرى بإشاراته، لأنه تأسيس لانقسام سياسي بالبلاد نظراً لما يمثله الحريري من رمزية حاضنة للأغلبية الكبرى من الطائفة «السنية» فيها ما يأخذ لاضطرابات فئوية إقليمية ايضاً. يبدو قرار التهدئة مع العهد او «المهادنة» قرار بحسابات سعودية «أكبر» تعتبر أن إنجاح هذا العهد حاجة ماسة للرياض و«دور» يؤديه الحريري من بيروت او يحفظه لها.

ترغب السعودية على ما يبدو بالمحافظة على ذلك النموذج اللبناني الناجح الذي أراد وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف الاحتكام اليه في حلحلة باقي ملفات بالمنطقة، خلال حديثه في مؤتمر دافوس، تريد المملكة الحفاظ على نموذج يبقي لها فيه نفوذاً قادراً على اعتباره ورقة تحتسب مع باقي الاوراق الاقليمية وقد حذت هذا الحذو في العراق ايضاً بزيارة «الجبير» اليه بين ضغط او تجميع نقاط، بالتالي فإن اي انتكاسة مبكرة مع العهد بغض النظر عن حرص الحريري لحماية حكومته بديهيا هي انتكاسة لموقعها وفرص الحلول الممكنة مستقبلاً، خصوصاً في الساحات التي تعنيها مباشرة حيث يدخل الايرانيون معها فيها «شريك نصف» كاليمن.

بهذا الاطار ربطت مصادر متابعة لـ«البناء» سلوك الحريري وحرصه على عدم التصادم مع العهد بما تسرّب عن الاجواء المحيطة بالسفيرة الاميركية في بيروت اليزابيث ريتشارد بأنها لا تهاجم مضمون كلام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون المتعلق بموقفه من سلاح المقاومة وضرورة حفظه، بل هي مندهشة لعدم مسايرته الاوضاع والظروف المحيطة بلبنان، وفي واشنطن تزامناً مع تشكيل حكومة ترامب بعدما كان قد سرّب عنها صحفياً ايضاً انزعاجها الشديد من مواقف عون وتهديدها بسحب اليونيفيل من لبنان، لتعتبر المصادر ان قرار التهدئة الذي يخضع اليه الحريري تخضع إليه ايضا السفيرة الاميركية في بيروت وان كلام عون القديم الجديد كان يمكن ان يشكل أزمة سياسية بكل المقاييس. وتختم المصادر هذه الاشارات مجتمعة محلياً ودولياً تشير الى وضع لبنان ضمن «فلك» ما يحرص على عدم العبث فيه حالياً.

وبالعودة للحريري يبدو جلياً ان الرجل يتحمل جيداً مسؤولية الوضع الذي يحكمه والذي يحتم عليه المزاوجة بين الحسابات المحلية التي تفرض عليه الحفاظ على نجاح أداء حكومته وتفادي انفراط عقدها كي ينجح في الاستحقاق الانتخابي المقبل كرئيس جامع وناجح استطاع إعادة الاستقرار لتأدية المهمة الاولى منها وهي «إجراء انتخابات»، وثانياً بين دوره الذي جاء على اساسه رئيسا للحكومة من بوابة موافقة إيرانية سعودية غير مباشرة على الصفقة اللبنانية، فيصبح الحريري ووزراء حزب الله وحركة امل شركاء الحفاظ على هذه الصيغة ايضاً بطريقة او باخرى مع مخاوف حريرية كبرى من فشل مهمته مبكراً وخسارة قدرته على استعادة شعبيته سنياً وخسارة فرصة إقليمية قد لا تتكرر اجمعت على عودته للسراي.

يتدخل الحريري في كل مرة يحصل فيها سجال بين الوزراء لعدم تكبير الهوة بينهم وللحفاظ على صورة الحكومة المستقرة القادرة على تمثيل حيثيته ونفوذه السياسي داخل ابواب الجلسات المغلقة الذي يؤثر بدوره على الناخب السني و«هالة» زعيمه الذي انتظره طويلا لاصلاح ما افسده غيابه داخل تياره والطائفة.

يبدو الحريري مستسلماً بالضرورة لثنائية الحفاظ على العلاقة الجيدة مع العهد يساعده في هذا علاقة ودية نسجها مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل اولاً إضافة لرعايته الحل اللبناني الناجح الذي يسعى اليه ظريف على ما يبدو مع الدول الخليجية ثانياً بزيارات ناجحة آخرها للدوحة والاعلان عن الرغبة بالتنسيق مع السعودية لموسم الحج هذه السنة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى