بعد «داعش»… «إسرائيل» تحاول إخراج سورية من محور المقاومة

د. عصام نعمان

أدرك بنيامين نتنياهو أنّ تنظيف العراق وسورية من «داعش» ليس أمراً بعيد المنال، ولعله في بلاد الرافدين بات وشيكاً. أدرك ايضاً أنّ مفاعيل وتداعيات خطيرة ستنعكس على «إسرائيل» نتيجةَ هذا الحدث. لذا شدّ الرحال إلى موسكو للمرة الرابعة خلال 18 شهراً ليتدارس مع فلاديمير بوتين المخاطر الماثلة وليستحصل منه على ما أمكن من ضمانات وتطمينات.

يوحي ظاهر الحال بأنّ حصيلة الزيارة الخاطفة كانت محدودة. ذلك أنّ الرجلين لم يعقدا مؤتمراً صحافياً مشتركاً، وأنّ الناطق بإسم الكرملين ديمتري بيسكوف ردّ على تقارير إعلامية منسوبة إلى مصدر قريب من نتنياهو حول سماح موسكو للطيران الحربي الإسرائيلي باستهداف حزب الله من الأجواء السورية، ردّ قائلاً: «لا مكان لهذه المزاعم في الواقع اطلاقاً».

ماذا بحث رئيس الحكومة الإسرائيلي مع الرئيس الروسي؟

يتضح من تسريبات نُسبت إلى مصدر ديبلوماسي روسي أنّ ثلاثة محاور دارت حولها المباحثات: أولها الوضع في الجولان السوري المحتلّ الذي يعتبره نتنياهو «غير قابل للنقاش». الثاني يتعلق بضمانات تطلبها «إسرائيل» لمرحلة ما بعد التسوية في سورية أبرزها منع إيران من تعزيز وجودها فيها. الثالث: يتعلّق بما يمكن أن يقوم به اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة لرفع أو تقليص العقوبات الأميركية المفروضة على روسيا.

من الواضح أنّ المحور الثالث هو مجرد إغراء بخدمةٍ مجزية يمكن أن تقدّمها «إسرائيل» لروسيا مقابل تأمين مطالبها موضوع المحورين الأول والثاني.

«إسرائيل» لا تخفي خشيتها مما تخطط له سورية وربما ايران أيضاً بعد تنظيفها من «داعش». فالقيادة السورية كانت استجابت مطلباً وطنياً ببناء مقاومة شعبية لتحرير الجولان ما أدّى إلى مسارعة تل أبيب لشنّ غارة جوية على موكب سيارات على مقربة من القنيطرة أودت بحياة قائدين: ضابط إيراني برتبة لواء ومجاهد لبناني هو نجل القائد المقاوم الأشهر الشهيد عماد مغنية. ثم ما لبثت «إسرائيل» أن تابعت عدوانها السافر بعد أيام بإطلاق صاروخ على شقة يسكنها القائد المقاوم سمير القنطار في مكان غير بعيد عن دمشق فأودت بحياته أيضاً.

المقول إنّ نتنياهو حاول الحصول من بوتين خلال اجتماعهما الأخير على تأكيدات روسية بعدم السماح لقوات حزب الله الناشطة في سورية بالانتقال إلى جبهة الجولان بعد التوصل الى تسوية سياسية مرتقبة للحرب. بوتين لا يستطيع، وربما لا يريد، إعطاء تأكيدات لـِ»إسرائيل» في هذا المجال لأنّ الأمر يتعلق بمسألتيّ سيادة سورية على أراضيها من جهة وتحالفها مع إيران من جهة أخرى.

لعلّ أهمّ محاور مباحثات موسكو الأخيرة وضعُ سورية بعد دحر «داعش». فقد ركَّز نتنياهو على ما أسماه «الخطر الفارسي» محذراً من أن «يحلّ الإرهاب المتطرف بقيادة إيران محلّ إرهاب «داعش» والقاعدة». صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية اليسارية كشفت أنّ نتنياهو طالب بإدراج بند يقضي بسحب القوات الإيرانية من سورية في حال التوصل الى تسوية سياسية في مفاضات جنيف. وكانت وسائل إعلامية إسرائيلية أشارت إلى أنّ إيران ترغب في إقامة قاعدة بحرية لأسطولها على الساحل السوري.

يتحصّل من كلّ هذه الواقعات والمعطيات نشوء خشية ضاغطة لدى «إسرائيل» من أن تؤدّي هزيمة «داعش» وأمثاله في العراق وسورية إلى قيام تضامن وتعاون أوسع بين أطراف محور المقاومة يهدّد أمنها القومي. ذلك أنّ رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أعلن ونفّذ سياسة جريئة بضرب مواقع لـِ «داعش» داخل سورية بتنسيق معلن مع حكومتها، فيما أعلنت «حركة النجباء» العراقية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني عشية زيارة نتنياهو لموسكو تشكيلَ «فيلق لتحرير الجولان السوري المحتلّ». الناطق باسم «النجباء» هاشم الموسوي قال في طهران: «هذا الفيلق مدرّب ولديه خطط دقيقة، ومكوّن من قوات خاصة مزوّدة أسلحة استراتيجية متطوّرة … لن تخرج من سورية إلاّ بعد خروج آخر إرهابي منها».

في المقابل، تقاتل الولايات المتحدة «داعش» بقوةٍ من مشاة البحرية المارينز وبمؤازرة قوة عسكرية من حلفائها الأكراد في شمال شرقي سورية، فماذا ستفعل بعد إخراج «داعش» من الرقة؟ وماذا سيكون موقفها إذا ما أصرّت الحكومة السورية وحلفاؤها، حزب الله والحرس الثوري الإيراني وفيلق النجباء وغيرهم، على مواصلة القتال حتى خروج آخر جندي أجنبي من سورية سواء كان أميركياً أو… إسرائيلياً؟

الجواب يتوقّف على ما يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة وتركيا و»إسرائيل» في سورية من جهة ودول محور المقاومة وروسيا من جهة أخرى. هاكم بعض الترجيحات:

أميركا، في ظلّ دونالد ترامب، ما زالت على تحالفها مع «إسرائيل» وتواطئها معها ضدّ كلّ مَن تعتبره مناهضاً لاحتلال فلسطين ومتعاطفاً مع تنظيمات المقاومة في عالم العرب. إلى ذلك، هي ضالعة في مخطط استعماري – صهيوني قديم يرمي الى تفكيك سورية والعراق ولبنان الى كيانات قبلية واثنية ومذهبية متنازعة. في هذا الإطار، ستثابر واشنطن على دعم قوات الأكراد السوريين الإنفصاليين الساعين الى إقامة كيان للحكم الذاتي في شمال شرق سورية، وكذلك إقامة كيان «سنّي» يضمّ محافظات أو أقساماً منها ممتدة على جانبيّ الحدود السورية – العراقية. إنّ الإمعان في اعتماد هذه السياسة قد يحمل واشنطن على التباطؤ في سحب قواتها من سورية والعراق إلى حين الفراغ من إقامة الكيانات المصطنعة المأمولة.

تركيا، في ظلّ رجب طيب أردوغان، ستثابر على محاربة إقامة كيان كردي على حدودها الجنوبية وذلك بالتنسيق مع روسيا، كما يُستفاد مما رشح أخيراً من قمة بوتين أردوغان. وقد تجد نفسها في صراع مع أميركا إذا ما أصرّت إدارة ترامب على دعم الأكراد الانفصاليين.

«إسرائيل» لن تلجأ، على الأرجح، إلى شنّ الحرب على حزب الله المقاومة في سورية ولبنان بسبب حال توازن الردع القائمة بين الجانبين. وتفادياً لتكبّد خسائر سياسية واقتصادية، وتداركاً لمخاطر تنامي قدرات أطراف محور المقاومة، ستثابر «إسرائيل» على اعتماد «الحرب الناعمة» ضدّ لبنان وسورية والعراق وإيران بعناصرها الثلاثة الرئيسية: الفتنة المذهبية السنيّة – الشيعية، العمليات الإرهابية المنفذة بواسطة تنظيمات مأجورة، وبناء حلف معادٍ لإيران وحلفائها قوامه دول عربية محافظة و»معتدلة».

سورية والعراق سيثابران على اعتماد نهج استعادة وحدة البلاد الجغرافية والسياسية وذلك بمكافحة «داعش» واخوته لإجلائهم عن المناطق التي سيطروا عليها، وتطوير العلاقات بينهما وترفيعها الى مستوى تحالف سياسي وعسكري واقتصادي متين، ودعم قوات المقاومة العربية ضدّ «إسرائيل» كما ضدّ التنظيمات الانفصالية.

تنظيمات المقاومة العربية، اللبنانية والفلسطينية والسورية والعراقية، ستثابر بدورها على تطوير قدراتها العسكرية وترفيعها تكنولوجياً في وجه «إسرائيل» وحلفائها الإقليميين.

إيران ستدعم حلفاءها سياسياً وعسكرياً، من دون الانزلاق إلى حرب مدمّرة مع خصومها الإقليميين. غير أنّ كلّ ما سبق بيانه من معطيات وتحركات سيؤدّي غالباً الى إطالة أمد الصراعات التي تعصف بمعظم دول المنطقة بلا هوادة.

وزير سابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى