بعد عشرين عاماً… الأردن يطلق سراح الدقامسة

بعد عشرين عاماً، مدة محكومية السجن المؤبد، أفرجت السلطات الأردنية عن الجندي السابق أحمد الدقامسة الذي عرفه العالم بتنفيذه عملية «الباقورة» التي شكلت أهمّ منعطف في حياته،

وقد تحوّل بموجبها من جندي «مجهول» إلى «قاتل» و»إرهابي» لدى البعض، ورمز وطني وبطل قومي لدى غالبية الأردنيين والعرب.

ففي 13 آذار 1997 أطلق الدقامسة النار على طالبات «إسرائيليات» كنّ يزرن منطقة الباقورة، فقتل سبعاً منهن وجرح أخريات.

وقال الدقامسة خلال محاكمته إنّ هؤلاء «الإسرائيليات» استهزأن به، وكن يضحكن ويطلقن بعض النكات تجاهه أثناء صلاته.

التحق الدقامسة بالجيش عام 1987 وكان حينها في الخامسة عشرة من عمره. وبعد عشر سنوات من الخدمة العسكرية اعتقل الدقامسة وسرّح من عمله وحكم عليه بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة بعد إدانته بإطلاق الرصاص من سلاحه في آذار 1997 أثناء تأديته الخدمة العسكرية بمنطقة الباقورة على طالبات مدرسة «إسرائيلية» كنّ يتنزهن في المنطقة، فقتل سبعاً منهن.

أمضى الدقامسة نحو عشرين عاماً وراء أسوار السجون، ولم تفلح المطالبات والمناشدات الكثيرة في وضع حدّ لسجنه بما فيها تلك الصادرة من جهات رسمية أو شبه رسمية.

ومثلت عملية الباقورة أهمّ منعطف في حياة الجندي الأردني، وعلى الفور تمّ اعتقال الدقامسة ومحاكمته عسكرياً، وحكم عليه بالسجن المؤبد.

ودفعت العملية، التي جاءت بعد ثلاث سنوات من توقيع معاهدة وادي عربة، الملك حسين حينها إلى السفر لـ«إسرائيل» وتقديم اعتذار رسمي إلى حكومتها، وتقديم التعازي لأهالي وذوي الفتيات. ورفضت الحكومات الأردنية المتعاقبة الاستجابة للمطالبات بالإفراج عن الدقامسة، وفي معظم الأحيان لم تردّ على هذه المطالبات التي تحوّلت مع الوقت إلى قضية رأي عام في الأردن، وحتى على مستوى الشارع العربي في أحيان عديدة.

ويبدو أنّ الحكومة الأردنية لم تنظر فقط إلى الجانب «الجنائي» المتعلق بكونها عملية «قتل»، وفق توصيفها وتصنيفها، بل نظرت إليها في إطار أوسع يتعلق برمزية المكان والزمان وتداعيات ونتائج العملية، وهي الأبعاد ذاتها التي حوّلت العملية وصانعها الدقامسة إلى بطل شجاع بنظر الكثيرين، خصوصاً أنّ العملية نفذت في مكان حساس أريدَ له، وفقاً لاتفاقية «وادي عربة» ولروح وأجواء «السلام» الجديد مع الاحتلال «الإسرائيلي» أن يكون ملتقى سياحياً يفد إليه سكان «الضفتين» ويمثل متنفساً آمناً للسياح «الإسرائيليين».

ويعاني الدقامسة ظروفاً صحية صعبة، وفق محاميه وذويه، وأصيب خلال فترة اعتقاله بعدد من الأمراض المزمنة منها السكري والضغط وتصلب الشرايين، وقد دخل في إضراب مفتوح عن الطعام أكثر من مرة.

وعام 2010 أصيب ببداية جلطة قلبية بعد دخوله في إضراب عن الطعام، ثم خضع لاحقاً عام 2014 لعملية قسطرة في القلب، وبالإضافة إلى وضعه الصحي شكا الدقامسة أكثر من مرة من سوء الظروف في معتقله.

وظلت قضية الدقامسة حاضرة بقوة في الساحة الأردنية عبر المطالبات النقابية والسياسية والشعبية بالإفراج عنه، وتكريمه باعتباره بطلاً قومياً لا مجرماً إرهابياً.

وفضلاً عن المطالب الشعبية والسياسية والنقابية، كان لافتاً عام 2011 قول وزير العدل حسين مجلي إنه لا يعرف ما هي السيادة بالنسبة إلى الأردن إذا لم يتمكن من الإفراج عن سجين، في إشارة إلى المطالبات الشعبية بالإفراج عن الدقامسة.

وشارك مجلي، وهو نقيب المحامين الأسبق وترأس هيئة الدفاع عن الدقامسة إبان محاكمته، في اعتصام أقامته اللجنة الشعبية للإفراج عنه، وقال إنه راجع كافة رؤساء الحكومات السابقين مطالباً بالإفراج عن الجندي السابق.

وقد احتجت الخارجية «الإسرائيلية» لدى القائم بالأعمال الأردني في «تل أبيب» على تصريحات مجلي التي أيد فيها إطلاق الدقامسة، ولكنّ الحكومة الأردنية تنصّلت من تصريحات وزيرها. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية «بترا» حينها عن المتحدث باسم الخارجية محمد الكايد أنّ «التصريحات التي أدلى بها وزير العدل المحامي حسين مجلي حول قضية أحمد الدقامسة لا تعبّر عن الموقف الرسمي للحكومة الأردنية على الإطلاق».

كما طالب مجلس النواب يوم 12 آذار 2014 بالإفراج عن الدقامسة، رداً على اغتيال «تل أبيب» القاضي رائد زعيتر يوم 10 آذار 2014 عند جسر الملك حسين الحدودي، وهي العملية التي كثفت الضغوط الشعبية الأردنية المطالبة بمعاملة «إسرائيل» بالمثل والإفراج عن الدقامسة.

وازداد غضب الشارع الأردني بعد تكرار جرائم القتل التي يرتكبها الاحتلال بحقّ مواطنين ثم تمر من دون عقاب، خاصة ما تعلق منها بقتل زعيتر، والشاب سعيد العمرو يوم 16 أيلول 2016 برصاص مجندة «إسرائيلية» عند باب العمود بالقدس المحتلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى