هل ينتظر التفاهم بين حركة أمل والتيار الوطني الحر «الجهاد الأكبر»؟

روزانا رمّال

تجزم مصادر متابعة لحركة الاتصالات بين التيار الوطني الحر وحركة أمل لـ«البناء» أن ورقة التفاهم المزمع الإعلان عنها برعاية وجهود المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم ستحوي ضمناً مفهوماً واضحاً لقانون الانتخاب وللتعاطي مع المعركة الانتخابية كمبدأ يحكم العلاقة بين الطرفين لما فيه مصلحة استقرارها وديمومتها. وعلى هذا الاساس أتى طرح رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي يبدو أنه وضع للدرس من قبل حركة أمل على ما أوحت أوساطها غير المرتاحة له، بالتالي فإن اي ورقة قبل إنجاز الملف الاهم «قانون الانتخاب» بالنسبة لمضمون العلاقة يصبح أبعد أو أصعب بأقل تقدير. فورقة التفاهم مرتبطة بالتفاهم على «قانون» والعكس صحيح ايضاً أي أن موعد الإعلان عن تفاهم رسمي بين الحركة والتيار هو موعد تلقائي لإعلان قريب عن اتفاق على قانون انتخاب جديد بين الطرفين، «كل الأمل أن لا يخضع القانون لمنطق الجهاد الأكبر الذي أطلقه بري والذي يبدو ان اللبنانيين في قلبه اليوم».

تبدو عقدة قانون الانتخاب اليوم متوقفة عند أغلبية تسعى الى تحقيق اكبر قدر ممكن من المقاعد القادرة على حفظ أوزان بات من الصعب البقاء على ما كانت عليه، كل المجتمعين على طاولة البحث الشاق لصيغة مرضية يجمعون على ضرورة إنتاج قانون عادل، لكنهم أيضاً يجمعون ضمنياً على ضرورة الحفاظ على اوزانهم. وحده النائب وليد جنبلاط يجاهر بالرفض والتعقيد من دون مجاملات ربما. إنه واحد من أبرز المعترضين على مجمل الصيغ المطروحة وآخرها صيغة طرحها الوزير جبران باسيل يقول نوابه إنها لا تبدو انها قابلة للحياة.. العلاقة بين التيار والحزب التقدمي الاشتراكي ليست في أبهى حللها في الاحوال كلها.

وحده الرئيس بري قادر على تذليل العقبات التي تحول دون التوافق بين التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي، وتبدو العلاقة الايجابية المفترضة بين حركة امل والتيار قادرة على التأسيس لنتيجة جدية بهذا القبيل، فالتفاهم بين التيار الوطني الحر وحركة أمل يعني التفاهم بين عقلية الأحزاب السياسية الحاكمة لعقود سابقة حكمت المنطق السياسي في البلاد وبين النهج الإصلاحي الذي يدعو اليه التيار الوطني الحر والنائب وليد جنبلاط هو أحد اركان نظام الحكم السائد ايضاً ومن دون شك فإن اي توافق بين العونيين وحركة امل هو تقليص للهوة الواقعة بين الاشتراكيين والعونيين على خلفيات عديدة، بينها قانون الانتخاب وملف النفط وغيرها..

ورقة التفاهم بين حركة أمل والتيار الوطني قادرة على تذليل الكثير من العقبات وقادرة أن تقرب المسافات بين بري والتيار، خصوصاً بعدما كان التوجه لاعتباره أحد أركان المعارضة بوجه العهد. فالرئيس بري الذي رشح الوزير سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية استجاب معه فريق من اللبنانيين كان من الممكن ان يشكل جبهة معارضة للعهد، وما انبثق عنه من تفاهمات اخصها التفاهم بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل الذي أدى لثنائيات ازعجت بري في طريقة معالجتها للملفات. وكان له رأي فيها على انها محاولات لثنائية تشبه «رياض الصلح وبشارة الخوري»، ولهذه الإشارة دلالات عديدة في تلك الفترة.

الإيجابية الحاصلة تؤكد أهمية التفاهم القادر على تذليل العقبات التي تحول أيضاً دون تفاهم التيار وقوى أخرى في البلاد، أبرزهم تيار المردة والحيثية التي يمثلها الوزير سليمان فرنجية لأن أي تفاهم بين التيار الوطني الحر وحركة أمل سيضم اتفاقاً على قانون الانتخاب، كما بات مؤكداً «مع عكسه الصحيح»، بالتالي فإن الأكيد ايضاً أن هذا لن يكون على حساب تيار المردة فليس وارداً أن يتجاهل الرئيس بري أهمية الحفاظ على الاوزان والاحجام التي تنصف الأفرقاء الآخرين وبينهم فرنجية.

وبالعودة للثنائية التي تحكم العلاقة بين المستقبل والتيار الوطني الحر التي ازعجت بري اول «الأمر»، فإنها الثنائية ذاتها التي أنتجت صيغة المقترح الأخير الذي أطلقه باسيل وحول القبول فيه من عدمه يقول نواب في كتلة التنمية والتحرير إن ما طرحه باسيل يأتي في إطار الأفكار، وليس بالضرورة ان يكون قانوناً اخيراً، يجب درسه قبل الحكم عليه مستغربين وضع باسيل لمهلة محددة لإعطاء موقف منه. هذا الكلام يفسر ضمناً رفض من جهة الرئيس بري لمقترح باسيل ويعيد محاولات البحث إلى المربع الاول.

نجح التيار الوطني الحر بنسج شبكة كبرى من العلاقات بين المذاهب والطوائف على امتداد لبنان، لكن التفاهم بين حركة امل والتيار هو تفاهم سياسي بامتياز لأول مرة، فقد سبق وكسر التيار الوطني الحر الجمود بتحالفه الوثيق مع حزب الله الذي حمل بعداً استراتيجياً قرّب بين الشيعة والمسيحيين، موزعاً بين المحلي والإقليمي تداعياته، بعكس ما ستؤسس له ورقة تفاهم حركة امل والتيار الوطني الحر المفترض أن تبني مندرجات لعلاقة مغايرة لا تبتغي إحداث خرق في العلاقة بين المسيحيين والشيعة الموجودة اصلاً، بل الساعية لعلاقة سياسية متينة منسجمة مع فريق غرق في دهاليز اللعبة السياسية المحلية وحفظ تقسيماتها وتفرعاتها عن ظهر قلب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى