تفجير العملية السياسية في سورية؟

روزانا رمّال

مرة جديدة وعلى وقع انطلاق العملية الدبلوماسية في أستانة المتعلقة بحل الازمة السورية قبل تزخيمها أممياً، تفجيرات تهز العاصمة السورية دمشق بعد سلسلة أحداث أمنية كبرى.

تفجير قصر العدل وقبله حافلات لنقل زوار أغلبهم عراقيون لمزار ديني..

وكما على وقع محادثات أستانة كان على مسمع ومرأى المتحاورين في جنيف تفجير ضخم هزّ القيادة العسكرية في حمص.

بات واضحاً أن جهة ما تصوّب نحو الخيار السياسي وتخشى أن يبتّ بالأمور بالشكل الذي لا يبعث عليها بالطمأنينة، اللافت أن المقارنة بين التفجيرات باتت من منطلق المرجعيات وما يرتّب عليها عملياً. فإذا كان التصويب على مؤتمر جنيف قد جرى وهو برعاية غربية واضحة وحضور أو مباركة أميركية، فإن التصويب على أستانة هو استهداف للمؤتمر الذي لا تحضره واشنطن، لكنها توافق عليه ضمناً، بالتالي مَن هو المتهم الحرّ الحركة وكيف يمكن أن تخرج الأمور عن حسابات عن عناصر الحل السياسي نظراً لأحجام الأهداف وأبعاد الاستهدافات؟

تؤكد نوعية الأهداف ومباغتتها لجهة عدم توقع حدوثها بعد فترة هدوء لا يُستهان بها في دمشق، وقبلها في حمص، على استحالة أن تنفذ عمليات كبرى في هذا الحجم، وهي القادرة على الإطاحة بالمفاوضات برمتها من دون غطاء كبير .

جهة وازنة تحرك المجموعات الإرهابية بالاتجاهين على وقع المفاوضات من جنيف حتى أستانة في الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى آذار الحالي. واذا كان الأميركيون قد وافقوا على سيرورة العملية السياسية ويضغطون باتجاه دعم تحرير الموصل في غضون أيام، كما صرّح أحد المسؤولين الأميركيين، وأكد العبادي، فإن هذا يعني ان الميدان السوري والعراقي يتقدمان ضمن المنطق نفسه الذي يفترض المواجهة السياسية أخيراً.

وعلى أن تركيا التي تعاني من تجاهل وإهمال واشنطن بسبب عمليات الشمال السوري والموافقة الأميركية الضمنية على التعاون بين قوات سورية الديمقراطية والجيش السوري، مع ما تؤكد مصادر لـ البناء عن أن الأتراك ضغطوا باتجاه عدول المعارضة عن رفضهم الحضور في مؤتمر أستانة ونجاحها في ذلك رغم الاستقالات اسامة ابو زيد الناطق الرسمي والانقسامات الحاصلة بينهم على شكل التمثيل، فإن هذا يسقط الاتهام المباشر عن دعم تركي او تغطية للعمليات الانتحارية والتفجيرات التي تحدث مؤخراً في رسالة تصعيد واضحة.

باتت تركيا تجد في مؤتمر أستانة ملاذاً قادراً على ضمان بعض الشروط القادرة على حفظ بعض المكتسبات الى جانب روسيا وعليه تبقى إسرائيل أحد أبرز أركان التصعيد السوري الحاصل، خصوصاً بعد زيارات متتالية لمسؤولين إسرائيليين الى روسيا آخرهم نتنياهو لبحث مصير الجنوب السوري.

القصف على المفاوضات معنوياً، هو ضغط بحجم القلق الإسرائيلي الذي يحيط بدائرة العسكريين والأمنيين في إسرائيل المتخوّفين من أن تمر المحادثات بسلاسة تفرض إيران لاعباً أساسياً في المعادلة السورية من دون ان يكون للشروط الإسرائيلية وقع عند القيادة الروسية، وعملياً فإن مبدأ المحادثات السياسية بالمجمل هو منطلق روسي منذ بدايات الازمة وكل استهداف للدبلوماسية التي تحيط بالملف السوري هو استهداف لروسيا بشكل او بآخر.

لم يعُد نتنياهو من موسكو في زيارته الأخيرة مطمئناً لناحية تواجد حزب الله في الجنوب السوري، ولم يعد مطمئناً ايضاً لجهة جذب الروسي لناحيته وإخراج ايران من المعادلة. الزيارة التي اجبرت روسيا على الاعلان عن توضيح بأنها لا تغطي عملية إسرائيلية ضد حزب الله كشفت المزيد ايضاً عن تمسك روسيا بعلاقة جيدة مع حزب الله لوجوده كضرورة في الميدان السوري حالياً.

هوية المفجّر في قلب العاصمة السورية إسرائيلية بشتى الحسابات السياسية والعسكرية. ففي وقت تدرك إسرائيل انها غير قادرة على إحداث أي خرق عبر التفجيرات غير قادرة على إعادة معارك كبرى إلى المربع الأول، حيث كان ممكناً إحداث خرق أو إنجاز إسرائيلي فيه تدرك ايضاً أنها لن ترتضي إنجاح مفاوضات بدون إيجاد مقعد يجعلها قادرة على البت في مصير انتشار حزب الله بشكل خاص في الجنوب السوري. ولهذا ارتفع منسوب التقدم نحو حرب إسرائيلية في الجنوب السوري أكثر من أي وقت مضى.

الضغط الإسرائيلي على المفاوضات الروسية مغطّى أميركياً بشكل أو بآخر من دون أن تعرقل واشنطن شكل الحركة السياسية وكل الرسائل التي تصل لموسكو ودمشق وطهران لا تبدو أنها بصدد إيقاف العجلة السياسية.

الرعاية الروسية – التركية للمؤتمر تؤكد أمراً أساسياً، وهو عدم التساهل بالقضايا الشكلية التي تهم الطرفين في مسألة الحضور والتمثيل بالمؤتمر، ويؤشر الجهد التركي في الضغط على المجموعات للحضور لأستانة الى بعثرة واضحة المعالم تحيط بالوفد المعارض ما يصعّب مهمة التوصل إلى اتفاق في أستانة 3 قادر على أن يأخذ حيّز التنفيذ عسكرياً، بعد أن فقدت المونة بين القوى على الأرض وتوزعت بحسب الجغرافيا، لكنه قادر من جهة أخرى على كشف هشاشة الطرف المعارض المفاوض غير الجدي في إطلاق جبهة سياسية موحّدة للتوصل لحل ليترك الأمر كلياً للجبهات المتبقية امام الجيش السوري بين دير الزور والرقة..

وحده صدى الاعتراض الإسرائيلي يلوح في أفق التدهور الكبير الحاصل ضمن المجموعات المسلحة. وهو الصدى الذي تأمل منه إسرائيل بأدواتها ان يزخم حضور المعارضة بالمحافل الدولية عبثاً والتوقف عند شروطها في جنوب سورية بلحظة التفاوض الساخن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى