«أستانة 3» وجولة جنيف المقبلة

حميدي العبدالله

بغضّ النظر عن النتائج التي تمخّضت عنها جولة «أستانة 3»، إلا أنّ جولة جنيف المقبلة التي ستعقد في 23 من الشهر الحالي ستختلف عن غيرها من جولات جنيف.

هذا التقدير يستند إلى مجموعة من المعطيات السياسية والميدانية أبرزها:

أولاً، جولة جنيف الجديدة تعقد بعد لقاء رؤساء الأركان للجيوش الروسية والأميركية والتركية. ومعروف أنّ هذا اللقاء حتمته ظروف ومعطيات تتصل بتطورات الميدان وتحديداً في المنطقة الواقعة في محيط منبج، وهذا التطور الميداني هو الذي أرغم الولايات المتحدة على التخلي عن مواقفها المعارضة لأيّ تنسيق عسكري رفيع المستوى مع روسيا، باستثناء تنظيم الطلعات الجوية.

وبديهي أن توضع القوات الروسية والأميركية في مناطق شمال سورية يجعل احتمال البحث عن حلّ عسكري للأزمة السورية أمر في غاية الصعوبة، ودونه مواجهة عسكرية مباشرة بين أكبر دولتين عسكريتين في العالم. ومن الطبيعي أنّ مثل هذه المواجهة لن تقع، ولكن تداخل خطوط التماس تدفع هذه الأطراف ليس فقط لتنسيق الأوضاع الميدانية، بل وأيضاً للبحث عن حلّ سياسي للأزمة في سورية، وأسّس هذا الحلّ باتت واضحة، وقد حظيت بإجماع دولي، سواء عبر تفاهمات فيينا، أو عبر قرار مجلس الأمن 2254، وهذا يعني أنّ الحلّ السياسي بات ممراً إجبارياً للحؤول دون وقوع مواجهة عسكرية مباشرة بين روسيا والولايات المتحدة، وهذا التطور يجعل لجنيف مستقبلاً سياسياً أكيداً.

ثانياً، انتشار الجيش السوري في مواقع فاصلة بين «قوات سورية الديمقراطية» المدعومة أميركياً، وبين «قوات درع الفرات» الواجهة السورية للاحتلال التركي للمنطقة الواقعة بين الباب وجرابلس، وبالتالي فإنّ انتشار الجيش السوري في هذه المنطقة بات يضغط لصالح إيجاد حلّ سياسي، وجنيف هو الإطار المناسب للبحث عن هذا الحلّ.

ثالثاً، التقدّم الذي حققه الجيش السوري في الريف الشرقي لمدينة حلب، إضافة إلى تحرير تدمر ومحيطها من سيطرة داعش، حيث بات الجيش السوري وحلفاؤه القوة الأساسية في محاربة الإرهاب وتحديداً داعش.

تحرير هذه المناطق يحدث تغيّراً كبيراً في موازين القوى يصبّ في مصلحة الحلّ السياسي.

هذه التطورات تشير إلى احتمال انطلاق حوارات جنيف المقبلة على أساس جدول الأعمال الذي تمّ التوافق عليه، ولكن ذلك لا يعني حدوث اختراقات سريعة، بل إطلاق مسار قد يستمرّ أشهراً بانتظار تطورات سياسية أو ميدانية لتحديد ما سيؤول إليه الحوار في جولات جنيف التي ستتكرّر بشكل أسرع من أيّ مرحلة سابقة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى