الوظيفة العامة في حضن المحسوبيات والزعامات

لور أبي خليل

في مجتمع مثل لبنان، حيث استشرى الفساد في معظم مؤسسات الدولة وإداراتها. يفترض إرساء الشفافية التنظيمية التي تساعد المجتمع على التطوّر والتنمية في مختلف نواحيه الاقتصادية والاجتماعية والإدارية، وذلك طبعاً لبناء دولة عادلة نزيهة وقوية. وهنا تكون العملية على شكل مثلث يلتقي فيه العامل البشري بالعامل الأخلاقي أي التربية والسلوك ويشكلان قاعدة رأسها الهيئات والمؤسسات في المجتمع، فتكون العلاقة إما تبادلاً سليماً وإما انحرافاً. ففي الدولة – الأمة الكلّ معرّض للعقاب في حال قام بأيّ عمل مخلٍّ بالقوانين، إلا انه عند غياب مفهوم الدولة – الأمة يظهر الفساد بشكل واضح لأنّ الناس تنظر إلى مصالحها كأساس، فتنتفي عندئذ قاعدة وحدة المجتمع التي هي مبنية على اساس وحدة المصالح، وهنا نستطيع القول إنّ فكرة المجموع تلغي فكرة الفساد، بما انّ المجموع يعني المصلحة الواحدة التي تملك القدرة على معرفة أدوات الانحراف. ففي لبنان توجد فكرة مجاميع وطنية تسعى الى تأمين مصلحة المجموع فيظهر عندئذ تضارب مصالحها مع مصالح الآخرين. وخير دليل على ما سبق المادة 37 التي وردت في سلسلة الرتب والرواتب التي تلغي دور الجهات الرقابية من تفتيش مركزي وديوان محاسبة وهيئة عليا للتأديب مما يعني رفع الحصانة الوظيفية ووضع موظفي الدولة تحت سلطة رئيسه المباشر وكل رئيس تحت سلطة رئيسه حتى نصل لمجلس الوزراء الذي خوّل بالتحكم بالموظف وإعفائه من خدماته بعد تقريرين يصدران عن الدائرة المعنية به مباشرة. وهذا يضع الموظف تحت رحمة المحسوبيات والزعامات الطائفية والمناطقية وليس تحت سلطة القانون. وهنا نثبت الذي سبق آنفاً وجود مجاميع وطنية تضعف من إرساء دولة الحق والقانون. إن ضمان وحماية الحقوق المدنية هي من المبادئ التي لم تعرف حتى الآن انتهاكاً في لبنان رغم كلّ ما مرّ من أحداث وبالرغم من الانهيار المؤسسي الحالي بقيت هذه الحقوق مصونة في الدستور والقوانين، لأنه حيث تسود الدولة يفترض ان يسود القانون ولكن الواقع الآن مغاير لذلك بعد الذي تم إدخاله في سلسلة الرتب والرواتب وتحديداً في المادة 37 مما دفع برئيس الهيئة العليا للتأديب القاضي مروان عبود بتوجيه نداء إلى رئيس الجمهورية بوصفه حارس الدستور وحاميه على خلفية إقرار السلسلة. كلّ الذي حصل كان مع مشاركة النخب السياسية التي تعيش في أبراج عاجية في تمرير بقصد أو بغير قصد هذه المادة التي تلغي مبدأ المساءلة بحسب القانون الوظيفي، لأنّ هؤلاء عندما يتبوأون مركزاً سياسياً كالنيابة أو الوزارة لا يعودون بحاجة إلى مساعدة المواطنين في تلبية حاجاتهم، ويصل هذا الأمر الى درجة اللامبالاة لانّ النواب لم يقدّموا اقتراحات أو دراسات لحلّ أزمة النقل أو المياه أو البطالة أو الفقر أو الكهرباء أو التلوث… الى ما هنالك من أزمات اجتماعية واقتصادية، خصوصاً انّ دور النخب السياسية وتحديداً النواب هو وضع مخطط استراتيجي للإصلاح الإداري والمالي والاقتصادي وحماية وتفعيل دور الهيئات الرقابية مجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي وديوان المحاسبة والهيئة العليا للتأديب وتأكيد استقلاليتها من نفوذ السلطة التنفيذية. إنّ الإمكانية في إجراء الإصلاحات اللازمة في القطاع العام تبدأ عبر تفعيل دور الدولة الرعوية التي تضمن للمواطن السكن اللائق والمياه النظيفة والرعاية الصحية والاجتماعية والتعليم والشيخوخة، أي بما يُعرف بسياسة الحماية الاجتماعية. وهذا يتم عبر تفعيل دور المؤسسات العامة والهيئات العامة المنوط بها تقديم هذه الخدمات وليس عبر سحب الصلاحيات من السلطات الإدارية. كل ذلك يجب أن يكون مقروناً بوقف الهدر في المال العام ووضع نظام ضرائبي عادل وإيقاف المحاصصة التي تفقد المصداقية في النظام السياسي، وفي الدولة بشكل عام. والإصلاح لا يعني إطلاقاً اقتناص الصلاحيات من السلطة المخوّلة بالمحاسبة.

ولكي يكون هناك إصلاح يجب أن يؤمن به المسؤولون، ولكن مَن هي الجهة التي يجب أن تتولى عملية الإصلاح ومن أين يجب أن تبدأ وما هي أهدافها وأبعادها، نترك هذا السؤال للوزير المختص؟

دكتورة في العلوم السياسية والإدارية

باحثة وخبيرة في شؤون التنمية الاجتماعية ومكافحة الفساد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى