الأمهات الفلسطينيات والعربيات هل هناك مكان للفرح…؟

راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

هذا يوم للفرح النسوي… يوم تكرّم فيه نساء العالم بأسره، فهؤلاء النسوة ركائز أساسية لبناء الأسر والمجتمعات والدول والشعوب، وعلى وعيهن وعلمهن وخبرتهن وتجاربهن وحسن تربيتهن واخلاقهن ودورهن ونشاطهن ومشاركتهن في العمل المجتمعي والإنساني والإقتصادي والكفاحي والنضالي، وما تتمتعن به من حقوق وحريات شخصية، يتوقف عليه ويقاس مدى رقي الشعوب ونهضتها وتطورها، وانتشالها من براثن الجهل والتخلف والفقر والجوع والتحرّر من نير الإحتلال والإستعمار.

عيد الأمّ يجري الإحتفال به أسرياً وشعبياً وجماهيرياً وعلى مستوى القوى والأحزاب والسلطات الحاكمة، وكلّ يعبّر عن الإحتفاء بأمه او بأمهات حزبه وبلده وشعبه بالطريقة التي يراها مناسبة، وبما يخدم الهدف وردّ جزء من العرفان والجميل لهذه الأم التي كانت وما زالت صانعة الرجال والنساء، وبانية مجد الشعوب وعزتها ورفعتها ودرجة تقدّمها.

نحن مع حق كلّ الأمهات في المجتمع الإنساني ان يجري تكريمهن والإحتفاء بهن، ولكن نحن نرى ونعتقد بأنّ من هُن أولى بالتكريم، النساء اللواتي حرمن من الفرح والتكريم، بسبب ظروف وأوضاع بلدانهن، حيث فلسطين منذ سبعين عاماً تعيش تحت احتلالاً غاشماً، ينغّص على أبناء شعبها ونسائها الفرحة، وكذلك هُن النساء العربيات، حيث حروب التدمير الذاتي – الحروب المذهبية والطائفية – وما جلبته لبلدانهن من قتل وتدمير وتهجير و«تسليع» لهن ولبناتهن…

كيف ستحتفل امّ فلسطينية بعيد الأمّ، وهي من استشهد/ت ابنها/ ابنتها، او تمّ إعدامهم بدم بارد…؟ وكيف ستحتفل بعيد الأمّ، مَن ابنها او زوجها خلف جدران سجون الإحتلال منذ ما يزيد على ربع قرن أو أكثر..؟ كيف ستحتفل بعيد الأمّ من هي تحت حاصر ظالم ودمّر بيتها في قطاع غزة، وتعيش هي وأطفالها في العراء، تفترش الأرض وتلتحف السماء…؟ كيف سيحتفل من يهجرون قسراً من مخيماتهم في سورية ولبنان في رحلة تيه جديدة…؟

كيف ستحتفل بعيد الأمّ من تنتظر تحرّر جثمان ابنها الشهيد المحتجز في ثلاجات التبريد الإسرائيلية، ونار قلبها مشتعلة، فهي لم تره ولم تستطع تقبيله ولم تتكحّل عيناها برؤيته، او وداعه بما يليق به؟

هؤلاء هن نساء فلسطين الماجدات، شهيدات وأسيرات وأمهات لشهداء وأسرى، ينتظرن خروجهم من المعتقل أو ينتظرن تسلّم جثامين أبنائهن الشهـداء والذين مضى على البعض منهم أكثر من عام في ثلاجات الاحتلال، الاحتلال الذي يعـذّب الشهيـد وأهل الشهيد وعائلة الشهيد ويمتهـن كـرامـة الإنسـان فـي موتـه وحياتـه.

وحال المرأة العربية، ليست بأفضل من حال المرأة الفلسطينية، وخصوصاً بعد اندلاع ما سُمّي بـ «ثورات الربيع العربي»، حيث جرى ويجري «تسليع» المرأة العربية، أيّ بيعها وشرائها كأيّ بضاعة، وامتهان كرامتها وانتهاك حرمة جسدها واستغلالها جنسياً، حتى الطفلات منهن، كما جرى مع النساء السوريات والعراقيات والليبيات وغيرهن، حيث وجدنا كيف أنّ العصابات التكفيرية والإرهابية من القاعدة ومتفرّعاتها من «داعش» و«النصرة» وبقية الألوية والتشكيلات الإرهابية، كانت تبيع النساء اليزيديات والسوريات في أسواق النخاسة لقوادي أمراء ومشايخ الخليج.

وليس هذا فقط، فالكثير منهن فقدن الزوج والأخ والابن في حروب التدمير الذاتي والحروب المذهبية والطائفية التي غذّتها وموّلتها مشيخات النفط والكاز وجماعة الخليفة السلجوقي والغرب الاستعماري على بلدانهن، واللواتي عدد لا بأس به منهن اضطررن للقيام بأعمال قاسية متناقضة ومتعارضة مع كرامتهن ومبادئهن وقيمهن، من أجل تأمين مصدر دخل لأسرهن وعائلاتهن، وكذلك وجدت الكثير منهن حالها، تترك بلدها ووطنها في رحلة لجوء محفوفة بالكثير من المخاطر إلى العديد من الدول الغربية، أو أن تقيم في مخيمات في الدول المجاورة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الإنسانية والبشرية.

في ظلّ واقع فلسطيني وعربي كهذا، تتعرّض فيه المرأة للظلم والاضطهاد وامتهان الكرامة، والحطّ من شأنها وقيمتها والتعامل معها كسلعة، فإنّ احتفالها بعيد الأمّ سيكون بطعم الحزن والألم وسكب الدموع على الأحباب والغياب شهداء، أسرى، مهجرين ومبعدين.

في عيد الأم رغم كلّ الحزن والألم والظلم والاضطهاد، فهؤلاء الأمهات هنّ عناوين ورموز صمود وعطاء وتضحية، ومصدر فخر وعز لشعوبهن وأمتهن، هن ماجدات هذه الأمة في وطن أجدب من القادة الحقيقيين لهذه الأمة، فنحن أمام قادة لا ينصرونهن ولا يدافعون عنهن ولا ينتقمون لشرفهن وكرامتهن بل إنّ بعضـاً منهـم جــزء مـن عمليـة الامتهـان هـذه.

الظلم والاضطهاد والعدوان يا ماجدات هذا الوطن لن يدوم، وسيأتي يوم الحرية والانعتاق، وستكون الاحتفالات بعيد الأم جماعية، في الساحات والميادين كلها، في كلّ شارع وحيّ وحارة من شوارع وأحياء وحواري وأزقة مدننا وقرانا، لن يكون هناك فواصل وحدود وجدران بين أقطارنا، سيهزم مشروع التقسيم والتجزئة والتذرير والتفكيك لجغرافيتنا العربية وإعادة تركيبها على تخوم وحدود المذهبية والطائفية، سينتصر مشروعنا القومي والعروبي، رغم كلّ الدماء والتضحيات،

أمهاتنا في فلسطين وعلى طول جغرافيا عالمنا العربي من خليجه إلى محيطه، أنتن مصدر فخرنا واعتزازنا أعتز بكلّ أمّ ضحّت وتضحّي من أجل وطنها وأسرتها، من أجل أداء رسالة قيمية وأخلاقية وتربوية ونضالية ووطنية. أفتخر بكلّ أم تفني حياتها من أجل أسرتها وأطفالها بعد فقدان الزوج، واعتزّ بوالدتي التي دفعت ثمناً باهظاً في حياتها حتى أقعدها المرض، حيث سهرت على تربيتنا سنين طويلة، تعرّضت للذلّ والمهانة من قبل جنود الاحتلال ومخابراته، عندما كانت تخرج فجراً ولتعود في ساعة متأخرة من الليل لزيارتنا في سجون الاحتلال ومعتقلاته أنا وأشقائي، فطوبى لكلّ أمهات شهدائنا وأسرانا، وألف تحية لكلّ نساء أمتنا الماجدات، الصابرات في عيد الأمّ على طول وعرض جغرافيا عالمنا العربي.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى