الاستقرار الإقليمي وديمقراطية الغرب التكفيرية

د. رائد المصري

لقد أُشْبِعت الدراسات في التآمر العربي على قضايانا المحقَّة في المنطقة العربية، والتي تتجسَّد اليوم في الحرب المسعورة على الدولة السورية بأدوات تكفيرية إلغائية هدامة، متمثِّلة بإسرائيل كمستعمر تابع للمنظومة الإمبريالية، وبالقوى والسلفيات التكفيرية التي أعلنت سورية أرضاً للجهاد العالمي، هدماً وقتلاً واستباحة وتضليلاً، مستندة على فتاوى وهابية وعلى قوة النفط والغاز فيها، في استمرار دور وظيفيٍّ تاريخيٍّ يُعاد تجديده كتابع ذليل ومطواع ككلب الحراسة في خدمة صاحب المشروع وفي خدمة المستعمرين الجُدد.

فحين تتطوَّر أدوار الحرب السورية وعليها بهذه الأدوات الإقليمية نكون أمام الحديث وأمام المعطى الأميركي بالانتقال الى الخطة «ب»، والتي سبق وأُعْلن عنها. تبدو تجلياتها ظاهرة للعيان في الدخول الأميركي المزخَّم بترسانة عسكرية وفي استقدام جنود المارينز الى الشمال السوري، وفتح وإنشاء مطارات عسكرية فيها تحت ستار وواجهة قتال وطرد تنظيم داعش الإرهابي من الرقة، وهو ما عطَّل ورقة عمل أستانة ومفاوضات تثبيت وقف النار ومراقبته، وفصل المسلحين الإرهابيين عن غيرهم لتثميرها في مفاوضات جنيف السياسية المرتقبة، والبدء بإجراء العمليات والإصلاحات السياسية، والتشاركية وفق قواعد الالتزام بمكافحة الإرهاب في سورية وعالمياً.

هذه المفاعيل تبدو مستحيلة مع البدء بتنفيذ مخططات واشنطن القاتلة في سورية، سواء كانت تريد بحضورها أي أميركا موازنة الحضور الروسي وامتلاك أوراق القوة فيها، أو سواء كانت تريد الانسحاب لكلِّ الأطراف المتقاتلة من الأرض السورية ومنها الروسية والإيرانية، أو سواء كانت لجهة البقاء وتعزيز هذا الحضور الأميركي، بغية استنزاف أكثر للدولة السورية وصولاً الى حالة الشَّلل التام والناجز، وكلها سيناريوهات قاتلة ومكلفة، حيث أتت زيارة ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للقاء ترامب في مباركة واضحة وتأمين الغطاء المالي لهذه العمليات العسكرية الاستنزافية في سورية من بوابة الرقة، واستكمال تنفيذ مشروع التقسيم وإقامة ستاتيكو ديمغرافي ثابت يكون أمراً واقعاً بما يتجسَّد مع المقولة الأميركية القديمة المتجدّدة من أجل أن نطرد داعش وننتصر عليها، يجب أن تحلَّ محلها دولة «سنية»، يكون مزاجها العام طائفياً مذهبياً تقسيمياً، وخطابها السياسي قريباً وبلون النفحة الداعشية، لجهة العداء للدولة السورية ولروسيا ولإيران.

حيث قد بدأ الحديث حول إنشاء جيش في الشمال السوري مدعوم أميركياً من أبناء العشائر والعائلات العربية، يكون مقبولاً في المزاج العام لدى أبناء الشعب السوري كما يزعمون وعلى خصومة مع أبناء سورية من الأكراد وعلى عداء طبعاً مع الدولة السورية، حتى تحلَّ مكان الفراغ الذي سيتركه تنظيم داعش بعد انسحابه أو انهزامه، أو تهريبه وتهريب قادته الأساسيين والعاملين المؤثِّرين في قراراته بإشراف أميركي عبر الحدود التركية أو الأردنية الى مناطق في شمال إفريقيا كتونس والجزائر والمغرب وليبيا، التي تريد وبحسب المشروع الاستعماري الأميركي جعل أكبر القواعد العسكرية الاستراتيجية متواجدة على المتوسط في سرت الليبية.

منذ العام 2000 وضعت إدارة الاستعمار الأميركي خطة مفصلة في استهداف كل من لبنان وسورية والعراق وإيران واليمن وليبيا والسودان.

واليوم وباستثناء لبنان عمد ترامب إلى اتخاذ قرارات بمنع دخول مواطني هذه الدول الأراضي الأميركية بحجة الإرهاب، قد تبدو مصادفة للبعض وللعقل الجمعي العربي الذي أثنى عليه محمد بن سلمان وعلى قراراته العنصرية، ووصفها بأنها صائبة ولا تصيب الإسلام وشرعيته التي يمثلها أو تمثلها المملكة السعودية. لكن الناظر والمترقِّب يرى ويتابع أنه ومن خلال هذه الخطط والتقارير المسرَّبة أميركياً، أن سورية بحالة استنزاف كبرى ومحاولات التقسيم جارية وقائمة على قدم وساق بمعونات ومساعدات خليجية وسعودية، تجلَّت بالإفراج عن المَحَافظ المالية لدول الخليج في أميركا، وبدء تفكيك أرامكو للحاجة إلى السيولة النقدية التي فقدت في حروب المستعمر الأميركي، ومساعدة هذا الأميركي المستعمر في تجديد وإعادة تجديد بناه التحتية، وترسانات مصانعه العسكرية، وانتشاله من أزماته المالية والاقتصادية الخانقة، وإيداعه كلَّ هذه المبالغ الهائلة من وفورات النفط والغاز، لأقول له: «خذ هذه أموالي لكي تحكمني بها في المستقبل». إنها مفارقات عجيبة في السياسات الدولية لم ولن تخطر على بال أحد. وبالعودة الى المشروع الأميركي فبعد سورية العراق النازف حرباً وحصاراً ومذهبية وتقسيماً على الأبواب، وإيران التي تُحاصَر وتُقام التحالفات الجديدة للدول الإقليمية تحت الستار المذهبيّ والسيطرة على العالم العربي، لمنعها وإضعافها وتفكيكها من أجل السيطرة والاستحواذ على مضيق هرمز الجيواستراتيجي. واليمن الذي وضعوه على مشرحة التقسيم والحروب، لتأمين باب المندب والمرور الحيوي لسفن الغرب التجارية والعسكرية، وتأمين كيان الاحتلال الصهيوني من أية مخاطر مستقبلية، لكون الخطاب السياسي لجماعة أنصار الله غير ملائم لأدوات المشروع الاستعماري. وليبيا اليوم التي تتقاسمها الفصائل الإرهابية المسلحة واندثار معالم الدولة فيها، من أجل وضع اليد عليها وإقامة منشآت عسكرية وقواعد أميركية على المتوسط للسيطرة الكاملة على الإقليم. والسودان كذلك الذي عانى ويعاني التقسيم والفقر وكان انفصال جنوب السودان دليلاً على هذا المشروع بأداته الصهيونية في التجزئة والشرذمة وعلى الطريق تقسيماً ينتهي بمقاطعة دارفور.

إن هذا الاستعراض ربَّما يَعرِض عنه القارئ العربي ويعتبره ممجوجاً وغير ذي قيمة، لكن لنتمعَّن فيه ونقارن بما جاء به، وما هو المشروع الأميركي الاستعماري ومخططاته الدموية التي نشهد فصولها يومياً، أقلَّه منذ بداية القرن الحالي… لكن للأسف العقل الجمعي العربي قرّر أنه لا يريد أن يفهم أو أن يرى حقيقة مشاريع التدمير، لأن العقل الباطني لا زال بدوي النزعة والتفكير…

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى