دمشق تفرض معادلاتها العسكرية براً وجواً… وتسقط طائرة استطلاع الخليل: المصارف عرضت علينا مليار دولار… ومتمسكون بالسلسلة

كتب المحرّر السياسي

الجمعة ستكون جنيف على موعد مع الحوار السوري السوري مجدداً، وما جرى خلال الأسبوع الماضي يلقي بظلاله على اللقاء المرتقب الذي يستعدّ له الدبلوماسيون الروس ليكون نقلة نوعية في المسار السياسي للأزمة السورية، كما تنقل مصادر إعلامية روسية مطلعة لـ«البناء»، فمحاولات كسر المعادلات العسكرية عبر التدخل «الإسرائيلي» المباشر، أو عبر الهجمات النوعية في العاصمة السورية، كتلك التي عاشها شمال دمشق لأربع وعشرين ساعة، عبر الزجّ بنخبة وحدات جبهة النصرة لإحداث خرق يغير الخريطة السورية في العاصمة، كانت كلها لفرض إجراء جنيف 5 في ظل توازن قوى سلبي لا يسمح لموسكو بالرهان على إحداث اختراق جدي، عنوانه طرح تشكيل حكومة موحّدة يرحل إليها البحث بدستور جديد والتحضير للانتخابات بدلاً من وضع هذين البندين على جدول أعمال الحوار، فحكومة تتبنّى مواجهة الإرهاب كأولوية، في ظل الدستور السوري والرئاسة السورية، تضمن تسريع الحرب على الإرهاب، وتفتح الباب للمعارضة الوطنية للمشاركة في هذه الحرب، وتمثل سورية بمواليها ومعارضيها في حلف دولي إقليمي للحرب على الإرهاب، وتضمَن عودة سورية إلى المجتمعَيْن الدبلوماسيين الغربي والعربي، هي حكومة قادرة على وضع دستور جديد والإشراف على انتخابات جديدة على أساسه، لكن شرط نجاح هذه المبادرة هو التعاون الدولي والإقليمي، الذي لا يتحقق إلا بالتسليم بالفشل في تغيير المعادلات العسكرية.

تحت عنوان تغيير المعادلات العسكرية جرت اختبارات قوة نوعية واستثنائية اليومين الماضيين فرض خلالها الجيش السوري مدعوماً سياسياً وعسكرياً من حلفائه، قدرة ردع ممتدة من الجو إلى البر، من صواريخ ردع الغارات «الإسرائيلية» إلى ردع هجمات النصرة في دمشق وانتهاء بإسقاط طائرة استطلاع «إسرائيلية» أمس في القنيطرة. ووفق هذه المعادلة تتحرّك موسكو في الوقت الفاصل عن الجمعة لاختبار أهلية الوضعين الدولي والإقليمي لاستخلاص النتائج والتخلّي عن اختبارات مشابهة قد يخرج أحدها عن السيطرة ويقع ما ليس في الحسبان.

لبنانياً، يتقدّم السعي لإنجاز قانون الانتخابات على السلسلة بعدما أدّت مناقشات السلسلة دورها في تغييب السعي لإنجاز القانون، لكن هذه المرّة تأكيدات على الإنجاز وعدم العودة للتناوب في استهلاك الوقت بين القانون والسلسلة، بعدما اضطرت مناقشات السلسلة وتمويلها وزير المالية علي حسن خليل إلى الكشف عن جوهر المواجهة الدائرة حول السلسلة والضرائب، بصفتها مواجهة مع المصارف التي تريد تفادي تسديد أي ضرائب عادلة، وبعدما فشلت بتمرير صفقة إعفائها من الضرائب الجديدة مقابل سداد مليار دولار من أرباحها في الهندسة المالية الأخيرة التي أجراها مصرف لبنان، وقلنا سنفرض ضريبة قانونية على هذا الربح الاستثنائي وستسددون موجباتكم، حاولوا التغطي بحركة الشارع لتموت السلسلة والضرائب معاً، مؤكداً التمسك بالسلسلة والضرائب، مع استعداد لتعديل وإلغاء كل ما يمسّ الطبقات الفقيرة، مثل الزيادة على الضريبة على القيمة المضافة.

لقاءات وجهود رئاسية للإنقاذ

مع عودة قانون الانتخاب الى الواجهة وجدول الأولويات الجديد الذي طرحه رئيس المجلس النيابي نبيه بري بتقديم القانون على ما عداه من ملفات وقضايا أخرى، وفي حين وقّع وزير الداخلية نهاد المشنوق أمس، مرسوم دعوة الهيئات الناخبة للمرة الثانية وأحاله الى رئاسة مجلس الوزراء، تكثفت اللقاءات والمشاورات على مستوى الرئاسات الثلاث في محاولة جديدة لإنقاذ البلاد من الدخول في نفق أزمة فراغ جديدة تطال هذه المرة المجلس النيابي وتعطل باقي المؤسسات لم يلحظها الدستور ولم يحدد آليات إدارتها، كما قال الرئيس بري.

رئيس الحكومة سعد الحريري الذي وجد نفسه في مواجهة الشارع ولم يستطع احتواءه وامتصاص غضبه، رغم مخاطبته مباشرة واستعداده لتبديد هواجس المتظاهرين إزاء السياسة الضرائبية ومحاولات إجهاض سلسلة الرتب والرواتب وتعثر مشروع الموازنة في الحكومة، فإن الاستحقاق النيابي يبقى هاجسه الأول مع استمرار التباعد بين القوى حول صيغة انتخابية جديدة، وضغط المهل الدستورية وعدم جهوزية تيار المستقبل الشعبية واللوجستية والمالية لخوض الانتخابات المقبلة في موعدها.

هذا الواقع الذي يحكم المشهد السياسي وهموم الملفات، حمله الحريري إلى بعبدا وعين التينة، حيث التقى مساء أمس الرئيس بري الذي استبقاه على مائدة العشاء، وتناول الحديث الاستحقاق الانتخابي وقانون الانتخابات والأوضاع السياسية والمعيشية والمالية بما في ذلك سلسلة الرتب والرواتب.

وكان الحريري قد التقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في بعبدا، وجرى عرض للأوضاع العامة في البلاد، إضافة الى المواضيع الملحّة المطروحة على الساحة الداخلية. ووضع الحريري رئيس الجمهورية في أجواء الاتصالات واللقاءات التي يُجريها مع الوزراء المعنيين، من أجل الإسراع في إيجاد السبل الكفيلة بوضع الحلول اللازمة لكل المواضيع تمهيداً لبحثها نهائياً وإقرارها.

وأكد رئيس الحكومة على التزامه بسلسلة الرتب والرواتب وأنه «لا داعي للتظاهر، لأن كل الكتل السياسية متفقة على إقرار السلسلة، وهناك بعض الامور السياسية التي يتم حلها، إضافة الى السعي لتأمين موارد لإقرارها».

وتطرّق الرئيسان الى موضوع قانون الانتخاب وأكد الحريري أن «هناك حواراً إيجابياً جداً بين مختلف الأفرقاء السياسيين وسنصل لقانون جديد للانتخابات يرضي تمثيل اللبنانيين في مجلس النواب»، معلناً «انفتاح المستقبل على كل القوانين التي يتم تقديمها منها النسبية والمختلط، وأننا لا نشكل عقبة في هذا المجال وما يهمنا هو ارتياح أفرقاء آخرون في البلد على غرار وليد بك جنبلاط وغيره، للقانون الجديد».

..والمشنوق توقع التمديد وقانون في نيسان

وفي سياق ذلك، توقّع الوزير المشنوق أن يُبصر قانون الانتخاب النور في نيسان المقبل، وخلال جولته على الرئيسين عون وبري للتشاور في موضوع الاستحقاق الانتخابي، نقل عن الرئيس عون «إصراره على إجراء الانتخابات النيابية، وإذا كان لا بدّ من تأجيل تقني فيجب ألا يتجاوز أشهراً قليلة بعد صدور القانون»، مؤكداً «أن لا انتخابات من دون قانون جديد»، ومتوقّعاً إنجاز القانون خلال نيسان المقبل، لأن الأمور لا تحتاج أكثر من ذلك بعد التطورات الحاصلة كلها»، وطمأن الى «أن الوضع الأمني تحت السيطرة».

وجزم المشنوق بعد لقائه بري «أن لا فراغ تحت أي ظرف، وأن الرئيس بري سيقوم بالجهود والمساعي من أجل العمل على إقرار قانون جديد للانتخاب ومنع الفراغ».

تأجيل الانتخابات بات حتمياً

ولفت وزير داخلية أسبق لـ«البناء» الى أن «وزير الداخلية قام بواجباته بتوقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، وامتناعه عن التوقيع مخالف للقانون وتعطيل للعملية الانتخابية والاستحقاق الانتخابي، لكنه أوضح أن من حق رئيس الجمهورية التريث ورفض التوقيع، لانه أقسم على الدستور وتعهد للبنانيين في خطاب القَسَم وفي البيان الوزاري للحكومة بأنه سيكون هناك قانون جديد».

ولفت الى أن «الانتخابات باتت بحكم المؤجلة منذ اليوم، ولا يمكن إجراؤها في موعدها، حتى ولو أقر القانون اليوم، إذ تحتاج وزارة الداخلية الى وقت لتنفيذ الإجراءات التي سيتضمنها قانون الانتخاب الجديد الذي يمكن أن يشمل آليات انتخاب جديدة وترتيبات لوجستية وأمنية، خصوصاً إن حصلت تقسيمات إدارية جديدة»، ورجّح أن «يحتاج إقرار قانون جديد الى فترة ما بين شهر وشهرين كي يُقرّ إذا ما استمرت النقاشات بين القوى السياسية وتمّ تمريره في الحكومة والمجلس النيابي، غير أن الأهم هو إقرار الجميع بأهميّة إدخال النسبية في أي قانون جديد، لكن محور البحث هو في نسبة النسبية. هل نسبية كاملة أم نصف نسبية أم أقل منذ ذلك؟ واستبعد الوزير الأسبق الوصول لمرحلة الفراغ النيابي في ظل العهد الجديد ووجود الرئيس عون في الرئاسة الأولى، فضلاً عن أن الفراغ التشريعي ليس من مصلحة أحد».

صيغة باسيل لم تمُت…

ولا يزال النقاش مستمراً في صيغة الوزير جبران باسيل التي لم تمُتْ، وهناك تقدّم على صعيد التوافق عليها، بحسب مصادر التيار الوطني الحر، وفي السياق، قالت مصادر في 8 آذار لـ«البناء» إن «حزب الله لم يعلن بعد موقفه النهائي من اقتراح باسيل ولا يزال قيد الدرس، ومن المرجّح أن يطلب تعديلات عليه»، موضحة أن «كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله واضح لجهة الإصرار على النسبية على الدوائر الكبرى، إذا كانت النسبية على الدائرة الواحدة مرفوضة». ورجّحت المصادر أن «تصل القوى السياسية في نهاية المطاف الى توافق حول الستين معدلاً في بعض الدوائر، لكنه لن يلبي طموحات الشعب اللبناني ولن يحل الأزمة التي ستواجه الجميع في الانتخابات المقبلة».

ولفتت المصادر الى أن «بري سيبلغ النواب في لقاء الأربعاء بأن قانون الانتخاب بات أولوية ويتقدّم على ما عداه من قضايا وملفات، وبالتالي سيتم تأجيل السلسلة الى ما بعد إنجاز القانون وإجراء الانتخابات النيابية، وذلك بسبب ضغط المهل القانونية التي تمّ تجاوزها ودخلنا في مرحلة الخطر الذي سيؤدي الى الفراغ إذا لم يتدارك الجميع الأمر».

خليل: مؤامرة لتطيير السلسلة

في غضون ذلك، لا يزال الشأن المالي والمعيشي محور اهتمام المعنيين لتوضيح حقيقة السياسة الضرائبية الجديدة التي ستعتمدها الحكومة في مشروع الموازنة ربطاً بسلسلة الرتب والرواتب. وحذر وزير المال علي حسن خليل «ممن يحاول استغلال الوضع وفتح سجال لتطيير سلسلة الرتب والرواتب وتصفية حسابات»، واعتبر أن «ما حصل في المجلس النيابي مؤامرة سياسية لفتح سجال من أجل تطييرها»، وقال في مؤتمر صحافي: إنّ «مجلس الوزراء لم يقرِّر إعفاء أيٍّ من الشركات، لا في الحكومة السابقة أو الحالية»، مؤكّداً أنّه «لا يمكن إقرار موازنة أو سلسلة من دون إصلاح حقيقي».

ولفت إلى أن «ما حُكيَ عن ضرائب تطال معيشة الناس كذب وافتراء وتشويش على إقرار السلسلة والموازنة، وأقول إنّنا ضدّ أيّ ضريبة تطال حياة الناس، ونحرص على مناقشة أمر الضريبة على القيمة المضافة».

وأضاف: «ما كان يجب تحصيله من شركات الأموال والمصارف منذ العام 2014 وحتى اليوم يعادل ملياري دولار، وإذا تأخّرنا فسنخسر المزيد، وسأسعى إلى تحصيل ضرائب على الأرباح الاستثنائيّة التي حصّلتها المصارف من الهندسة المالية، والتي وصلت إلى 5 مليارات دولار».

واعتبر أن «ثمة معضلة سياسية ستؤدي إلى مزيدٍ من التوترات. وهي عدم الاتفاق على قانون للانتخاب والمشكلة لديها طابع سياسي».

ومن جهته أكّد رئيس لجنة المال والموازنة النيابيّة النائب كنعان، أنّ هناك «مسرحيّات بفصول متنوّعة وأدوار تتوزّع على حساب السلسلة، ويذهب الشعب ضحية ذلك»، لافتاً إلى أنّ الهدف هو حماية أصحاب رؤوس الأموال. وقال كنعان في مؤتمر صحافي أمس، إنّه «طوال مسار السلسلة لم يتحفّظ أحد على الضرائب، وإذا كان هناك مَن بدّل رأيه فليصارح الناس بذلك».

وإذ يعود الحراك المدني الى الشارع في تظاهرة دعا اليها الأربعاء المقبل في ساحة رياض الصلح، رفضاً للضرائب المجحفة بحق الشعب، أعلن أساتذة التعليم الثانوي الرسمي الاستمرار بالإضراب المفتوح في جميع الثانويات ودور المعلمين ومراكز الإرشاد والمركز التربوي للبحوث والإنماء من أجل استعادة الحقوق.

جلسة للحوار الثنائي

وعلى وقع التطورات، انعقدت جلسة الحوار الـ41 بين «حزب الله» و«تيار المستقبل»، مساء أمس، في عين التينة، بحضور المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» حسين الخليل، الوزير حسين الحاج حسن، النائب حسن فضل الله عن الحزب، ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري السيد نادر الحريري والوزير نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر عن تيار «المستقبل». كما حضر الوزير علي حسن خليل.

واستكمل المجتمعون بحسب بيان «النقاش حول التحضيرات لقانون الانتخابات»، وأكدوا «ضرورة إقراره بالسرعة الممكنة ورفضهم القاطع للوصول الى الفراغ في المجلس النيابي لما له من تداعيات خطيرة على الأوضاع ودعوا جميع القوى الى استمرار التشاور للوصول الى قانون جديد».

كما تطرّق البحث الى الملفات المالية والمعيشية وضرورة مشاركة القوى السياسية والاجتماعية في نقاش هادئ وموضوعي للوصول لحلول تجنّب ذوي الدخل المحدود اي أضرار، وتساعد على قيام الدولة بواجباتها المالية.

عون والحريري وباسيل إلى الخارج

وتشهد البلاد حالاً من المراوحة والركود خلال الأسبوع المقبلين، بسبب غياب معظم المسؤولين والوزراء في زيارات خارجية، وفي حين غادر وزير الخارجية جبران باسيل إلى واشنطن أمس، للمشاركة في اجتماع التحالف الدولي لمحاربة تنظيم «داعش» الإرهابي الذي دعا اليه وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون بمشاركة 68 دولة اعضاء في التحالف الدولي. ويبحث المؤتمرون في سبل القضاء على تنظيم «داعش»، يبدأ الرئيس الحريري اليوم زيارة رسمية إلى مصر يلتقي خلالها رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي والمسؤولين المصريين يرافقه عدد كبير من الوزراء. ومن المتوقع أن يغادر الرئيس عون إلى الأردن أواخر الشهر الحالي للمشاركة في القمة العربية.

ونقل زوار رئيس الجمهورية عنه لـ«البناء» أنه يعول على مشاركته في القمة العربية في الأردن لجهة بلورة موقف عربي موحّد حول ما يجري في القدس والقضية الفلسطينية بشكلٍ عام ومواجهة خطر تهميش القضية وتزوير هوية القدس وتشريع الاستيطان في ظل تواطؤ الإدارة الاميركية الحالية والرئيس الاميركي الجديد.

ولفتت المصادر الى أن مواقف الرئيس عون عن فلسطين والمقاومة تعتبر متقدّمة جداً على صعيد الواقع العربي والوحدة الوطنية في الداخل، لكنها لفتت الى أن هذه الموقف أثارت انزعاجاً كبيراً لدى دول غربية وعربية وخليجية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى