نظام المال والطائفية ينجح باحتواء التغيير السنيورة وجنبلاط سيضحكان أكثر وأكثر!

ناصر قنديل

– في كلّ مرة يشعر اللبنانيون بالتفاؤل مع نقلة نوعية تنتجها موازين قوى كان لنضال شاقٍّ الفضل بإنتاجها، يكتشفون بعدما يهدأ سطح المياه الهائجة والمائجة أنّ عليهم الاختيار بين الأمرّين، وأنهم وضعوا ضمن معادلات أحلاها مرّ. حدث هذا مع وصول العماد إميل لحود إلى رئاسة الجمهورية، عندما أحبطت قوة الاندفاع الإصلاحية وحوّلتها حروب تصفيات أجهضت العهد ومرّرت قانوناً انتخابياً تكفّل بتمييع ما تبقى، ويحدث اليوم مع وصول العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية وتحوّل النقاش في البلد في الشأنين التأسيسيّين في البعدين السياسي والاقتصادي، اللذين تمثلهما الموازنة العامة معطوفة على سلسلة الرتب والرواتب، وقانون الانتخابات النيابية معطوفاً على حلم السير بقانون يعتمد النسبية.

– من حيث ندري أو لا ندري صار النقاش في الموازنة وسلسة الرتب والرواتب محوره إنقاذ السلسلة التي تشكل حقاً مكتسباً للموظفين من الضياع، ولو أدّى إنقاذها إلى تشذيبها على حساب الحقوق من جهة، وضمان مرور الموازنة بدون ضرائب ترهق كاهل الفقراء، ولو مرّت بعض من هذه الضرائب التي لا تسبّب الموت جوعاً من جهة أخرى، لكن ما أراده نظام المال والطائفية قد تحقق وهو وضع السلسلة والضرائب في كفتين متقابلتين، تحت شعار تمويل السلسلة، فمن يريد السلسلة عليه أن يوفّر لها التمويل، ويؤمّن لنا الطعم فنلتقطه فرحين بالسؤال لماذا لا تفرض الضرائب على المصارف وتوقف مزاريب الهدر والفساد. وهذه شعارات جذابة للمدافعين عن الفقراء، ويدور الجدل حول كيف ولماذا وبكم؟ لكن أصحاب النظام نفذوا بجلدهم ووقعنا بحبائلهم بقبول معادلة السلسلة مقابل الضرائب والسعي لدوامة البحث بالتمويل.

– لقد صمّم النظام المحاسبي لوزارة المالية بإشراف البنك الدولي ومعونته التقنية في زمن وزير المال الخبير الرئيس فؤاد السنيورة، وكان كلّ المهمّ في هذا النظام دمج خدمة الدين الذي يشكل البيضة الذهبية لنظام المال والطائفية في قلب الموازنة، ونقل كلّ تصحيح للأجور والرواتب إلى خارجها، وهذا مخالف لأبسط قواعد وضع الموازنات في بلدان العالم، ولبنان نفسه قبل الفلسفة السنيورية المالية كان يعدّ موازناته في السبعينيات بتضمين تصحيح الأجور لصلب الموازنة، وفقاً لما عُرف ببدلات غلاء المعيشة والسلم المتحرّك، ولم تكن خدمة الدين يوماً جزءاً من بنية الموازنة الأصلية بل ضمن ملحق، يجري البحث عن كيفية تمويله بواردات إضافية إذا لم تحقق الموازنة فائضاً يكفي لتمويله.

– الأصل في الموضوع هو هنا، عندما تتشكل الموازنة الإجمالية البالغة أربعة وعشرين ألف مليار من ثلاثة أثلاث كل منها ثمانية آلاف مليار ليرة، ثلث للرواتب والأجور متضمناً السلسلة، وثلث للنفقات الاستثمارية والإدارية للدولة، حيث الهدر والفساد، وثلث لخدمة الدين، مَن الذي يقرّر أن ثلثاً واحداً من الثلاثة أثلاث يبقى فوق النقاش، وواحداً يقع عليه التفتيش بحثاً عن الهدر لتخفيضه والثاني تحذف منه السلسلة إلى خارجه لجعلها موضوعاً للبحث عن كيفية تمويله، والحساب البسيط يقول، إذا كان دخل الدولة من وارداتها المقدرة هو ستة عشر ألف مليار من دون أي ضريبة جديدة يكفي لتمويل الرواتب ومن ضمنها السلسلة، والنفقات الاستثمارية والإدارية، ويتحقق فائض بقيمة ثمانمئة مليار ليرة، قبل تخفيض النفقات الإدارية والاستثمارية بالتقشّف أو ملاحقة

التتمة ص8

الهدر أو الفساد، فالطبيعي وفقاً لقوانين الموازنات العامة وطرق إعدادها، أن تُقرّ الموازنة على هذا الأساس ويفتح حساب جانبي لما سيخفّض عبر التقشف وما سيحقّق من فائض عبر مكافحة الهدر والفساد، ويكون في الموازنة ملحق اسمه خدمة الدين العام يتمّ البحث في كيفية تمويله.

– قبل الدخول في كيفية مناقشة تمويل خدمة الدين العام، والمقصود هو الفوائد البالغة ثمانية آلاف مليار ليرة. وهي تعادل هذه السنة تماماً قيمة أرباح المصارف مما سُمّي بالهندسة المالية الكريمة التي أجراها مصرف لبنان لحساب المصارف. وهي المصارف المستفيدة من هذه الفوائد التي يمنع البحث في كيفية تمويلها، فكيف في أصلها وفصلها، فتخترع لنا حكاية اسمها تمويل السلسلة، ونصير نبحث ونحك رؤوسنا من أين وكيف، ونتبارى في تجنيب الفقراء الورطة، والقضية أصلها أن نرتضي اللعبة بربط السلسلة بكذبة عدم وجود تمويل لها، بينما خدمة الدين قد نفذت بريشها وصارت في منطقة الأمان، والسبب بسيط، بغير ربط الضرائب الجديدة بتمويل السلسلة لا يمكن حذف بنود من السلسلة بذريعة غياب التمويل، ولا يمكن فرض ضرائب جديدة بذريعة الحرص على تمرير السلسلة، وللذين يرغبون بالتجربة، يكفي أن يقولوا السلسلة مموّلة من ضمن الموازنة وتعالوا نناقش كيف نمول خدمة الدين العام وتخيّلوا ماذا سيحدث وكيف ستنقلب الأمور، خصوصاً أنه في مغارة خدمة الدين يجلس نظام المال والطائفية ممدّداً قدميه على أكتافنا، وبمجرد أن يستقيم النقاش على هذا الأساس، البحث في ترشيق وتمويل خدمة الدين ندلي بدلونا، وهناك الكثير من الحلول السهلة والبسيطة.

– في قانون الانتخابات النيابية، لا نقاش في أنّ النسبية الكاملة هي النظام الانتخابي الذي يحقق هدفين على الأقلّ، توسعة مجال التمثيل النيابي لنقل الحياة السياسية وليس نصفها الأقوى فقط، إلى داخل البرلمان، وتشجيع الناخبين على مشاركة لا تهمل أصواتهم وتسهّل تحويلها سياسة، وكلما اتسعت الدائرة الانتخابية تحقق هدف ثالث هو إفساح المجال لقوى جديدة تغييرية عابرة للبنان لتمتلك حيّزاً جيداً من التمثيل لا يتحقق لها، ولن يتحقق لها بنظام الدوائر الصغيرة، خصوصاً في النظام الأكثري.

– لرفض النسبية التي يخشاها نظام المال والطائفية حتى الموت، أنتج أهل النظام، معادلة التمييع وتضييع الوقت، مستخدمين فزاعة الوقوع بالفراغ، التي تفرض العودة لقانون الستين، فصار الشعار الذي يرفعه التغييريون هو لا للستين أولاً، وتوهّمنا للحظة أنّ هناك من يريد العودة لقانون الستين، وأن لا للستين ستسبّب لهم الموت ذعراً فيهرعون لقانون يعتمد النسبية، لأنهم يريدون قانون الستين وكلما يئسوا من عودته للحياة ارتضوا البديل الممكن، والكل يعلم أنّ شعارَي لا للتمديد ولا للفراغ مؤقتان، لأن لا تمديد ممكن لفترة طويلة وليس التمديد قانوناً بديلاً، ولا الفراغ حلّ قابل للدوام، فالتباري يجري بين قوانين ولا ليس بين ما قد يحدث ما لم يصدر قانون جديد، والمباراة بدت حصراً بين قانون الستين وقانون يعتمد النسبية الكاملة.

– لدى التدقيق بالمتغيّرات السياسية والانتخابية، سنكتشف أنّ القوى التي ترفض النسبية الكاملة بحاجة ماسة لتغيير قانون الستين، لأنه ليس موثوقاً بتحقيق النتائج التي ترغبها، فلا الشوف كدائرة يناسب النائب وليد جنبلاط بلا ضمّه إلى عاليه، ولا طرابلس كدائرة تناسب الرئيس سعد الحريري بدون ضمّها أو فرزها، ولا البقاع الغربي وراشيا بتحالفات جديدة وأوزان جديدة مطمئن لكليهما، وزحلة صندوق مفاجآت، ودائرتان من بيروت على الأقلّ تشغلان بال الرئيس الحريري ما لم تضمنهما تحالفات شاملة لها أثمانها الانتخابية في نهاية المطاف بمقاعد تحسم من الحصة النهائية.

– اطمأن أهل الطائفية والمال إلى أنهم نجحوا بوضع الستين المرفوض قطعاً من دعاة النسبية والنسبية المرفوضة بالمطلق ممن نفترض أنهم دعاة الستين، وصارت المعادلة تعالوا لنبحث معاً عن قانون بديل هو تسوية في نهاية المطاف، وتسوية هنا تعني قانون السكين، أيّ قص دوائر ونقل مقاعد بين نظام أكثري ونسبي، ليضمن الذين لديهم ما يخشونه من قانون الستين بديلاً عنه أفضل منه، ويبيعون لدعاة النسبية القبول بالتخلّي عن الستين، قانون السكين كإنجاز، فالقضية صارت «لا للستين»، وليست «نعم لقانون أشدّ عدالة من قانون الستين».

– بالمقارنة بين المشاريع المتداولة للنسبية وقانون الستين يمتاز الستين برغم ظلمه لنصف الناخبين ورمي أصواتهم في سلة المهملات، أنه يعتمد دوائر تاريخية هي الأقضية، وهذه إحدى شروط الصحة في قوانين الانتخابات، ألا تخترع دوائر ليست جزءاً من الذاكرة الجمعية للناخبين، ولا تنتمي للتوزيع التاريخي للديمغرافيا، وفي لبنان منها ثلاثة فقط، الأقضية والمحافظات الخمس ولبنان دائرة واحدة، وكلّ جديد مطعون فيه بالسكين، كما يمتاز قانون الستين بغموض نتائجه وتوقعاته الانتخابية قياساً بما سيولد معلوم النتائج سلفاً، وهذا أيضاً أحد شروط الصحة في قوانين الانتخابات، والذين يرفضون قانون الستين يفعلون ذلك للخلاص من الشائبة التي يتضمّنها باعتماده النظام الأكثري الإقصائي، وليس لاستبداله بنظام يشوّه النسبية فيضمن بتطبيق جزئي لها نتائج الإقصاء المنشودة من الستين، ويزيد على مساوئه سيئتين، بإلغاء كلّ غموض في النتائج وإغلاق كلّ باب للمفاجآت الانتخابية والتحالفات، وابتداع دوائر لا يعرف اللبنانيون معياراً لاعتمادها.

– إذا بقيت قواعد النقاش كما هي الآن، فعندما ينتهي نقاش الموازنة والسلسلة وقانون الانتخابات سيضحك الرئيس الحريري كثيراً، وتضحك المصارف أكثر، لكن النائب جنبلاط والرئيس السنيورة سيضحكان أكثر وأكثر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى