جنيف والتفاوض على بند الإرهاب

ناصر قنديل

– من زاوية الشكل يدور الصراع بين الدولة السورية والمعارضة على توصيف الحرب في سورية كمدخل ضروري لتحديد وجهة ومهمة وأولويات الحل السياسي، فإن كان صراعاً أهلياً حول هوية نظام الحكم فشيء وإن كان حرباً مع الإرهاب فشيء آخر، ولذلك تضع المعارضة التي يقف وراءها معكسر دولي إقليمي أولوية التفاوض لبند الانتقال السايسي، وتضع الدولة ومعها حلفاؤها أولوية التفاوض لبند الإرهاب.

– التفاوض لا يحسم الصراع بل يترجم موازينه التي يحددها الميدان طالما نحن في حرب، والجولة التي شكلتها معارك حلب جعلت موقع الدولة هو الأقوى، ومنحت لمفهومها مزيداً من القوة، فنجحت بفرض بند الإرهاب في الجولة السابقة من جنيف، رغماً عن أنف وتجاهل المبعوث الأممي في بنوده الثلاثة المقترحة للحرب على الإرهاب كبند تفاوضي، ولأنّ الوفود المفاوضة بوجه الدولة تسعى لدخول الجولة الجديدة من التفاوض بما يتيح لها تحسين فرصها وأوراقها الذي كان إحدى وظائف التصعيد الذي تشهده سورية.

– تبدو الدولة السورية مرتاحة لتصدّر الأحداث التي يشهدها الميدان للجولة التفاوضية، ولذلك يبدو الحسم العسكري السوري مؤجلاً لما بعد جنيف، مع الاكتفاء بالصدّ والردّ، حسب الحاجة أثناء المفاوضات، فالمعارك والهجمات تخوضها جبهة النصرة التي تصنّف وفقاً للوائح الأمم المتحدة كتنظيم إرهابي، وليس من مهمة التفاوض تعريف تنظيمات واستثناء أخرى إلا بقياس علاقتها بالإرهاب المصنف أممياً، والعمل وفقاً لتوصيفات الأمم المتحدة وتصنيفاتها، فلن يفيد الوفد المعارض الزجّ باسم حزب الله، أو الإكثار من الحديث عن إيران لدغدغة الأميركي و«الإسرائيلي»، فبين القوى المنخرطة بالقتال في سورية داعش والنصرة المصنفان إرهابيين، والقضية العالقة للتفاوض هي قضية النصرة، رغم ادّعاء الجميع بالقطع معها.

– جنيف والتزامن مع التصعيد الذي تقوده النصرة علناً فرصة ثمينة للمفاوض السوري لوضع الموقف من النصرة في هذه اللحظة بالذات، وبلغة واضحة، مَن معها ومَن ضدّها، بدءاً من المبعوث الأممي وانتهاء بالوفود المفاوضة، مَن يعتبر حرب النصرة من جوبر إلى حماة أفعالاً إرهابية والمشاركة فيها إعلان انضمام لمعسكر الإرهاب، ومن يعتبرها خلاف ذلك، لأنّ المفاوضات قائمة على أساس القرار 2254 الذي يدعو لمحاربة النصرة بالاسم كتنظيم إرهابي.

– قبول ورفض الوفد المفاوض باسم المعارضة لإدانة هجمات النصرة انتصار سياسي دبلوماسي لسورية، ولأن الرفض هو المرجّح فالمشغّل واحد والمرجع واحد والمصير واحد، فسيكون تعليق المفاوضات لأنّ المطلوب مفاوضته هو جزء من معسكر الإرهاب، وسيكون الوفد السوري المفاوض مدعواً لتكرار كلمة النصرة مراراً مع كل جملة، مَن منكم مع النصرة ومَن ضدها، سنسمعها عشرات المرات في الإعلام وفي البيانات وفوق طاولة المفاوضات، وسيضطر دي ميستورا لأن يعلن إدانة الهجمات التي تشنّها جبهة النصرة، ويربك الذين حرّضهم على التصعيد وهو يعلم أن لا حول لهم ولا قوة إلا بالنصرة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى