وجهة نظر لمحدّدات الموقف الروسي من العدوان على اليمن

أحمد المضواحي

بانهيار الاتحاد السوفياتي وانحلال حلف «وارسو» لمصلحة تمدّد حلف «ناتو» وتراجع النفوذ الروسي في المستوى الدولي لمصلحة اكتساح أميركي غربي للعالم، ولأسباب موضوعية كثيرة ومعقدة في مرحلة سابقة، وصلت دولة روسيا الاتحادية لما يشبه انعدام الوزن من حيث القدرة على التأثير في اتجاه سياسات آخرين يستهدفونها وفي القرارات الدولية، في منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ورأينا، مثلاً، الموقف الروسي الضعيف من غزو الناتو وملحقاته العراق واحتلاله ونهبه ومحاولة تقسيمه، ثم غزو ليبيا ونهبها وتقسيمها بين قوى متطرفة متصارعة.

وأخطر من ذلك، رأينا ضعف روسيا الواضح، حتى بمواجهة استمرار الغرب وأدواته بمحاولات حصارها بالعقوبات الظالمة وتطويقها بالأنظمة العميلة وبالتحالفات والقواعد، لمنعها من الثبات ومن التواجد المشروع حتى حيث مصالحها الحيوية الأساس، كالمتوسط وبعض الدول المطلة عليه، ضمن عمل مستمرّ لا يتوقف، لإنهاكها وتركيعها، وصولاً لتقسيمها والسيطرة على أجزائها.

البعض لا يدرك، أو لا يعرف، أنّ صراع روسيا، بأشكاله، مع الغرب وأدواته في بعض مناطق العالم، هو صراع وجود وفي بعضها الآخر صراع مصالح ونفوذ، وأنّ روسيا انتقلت من موقع الضعف إلى موقع القوة في عهد بوتين، لذا فمن يدرك ذلك فقط يمكنه قراءة وفهم فارق الموقف الروسي من عدوان صهاينة العالم وأدواتهم على سورية وعلى اليمن.

هناك مؤثر أو محدّد آخر، هو أنّ محاولات الغرب بسط سيطرته على طرق الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن تهدّد وتستهدف أولاً الصين، تجارتها ونطاق مصالحها الآخذ بالاتساع، في منطقة تعادل أهمّيتها بالجغرافيا السياسية أهمية ثرواتها الهائلة وكتلتها البشرية وتمثل سوقاً وشريكاً لا يُستهان بأهميته، لذا فصراع قوى الغرب مع الصين، فيها، متعدّد الأسباب والأهداف ويفرض عليها عرقلة خطط قوى الغرب المهيمنة في المنطقة، وذلك يجنّب روسيا مواجهة حيث لا ضرورة، ويمنحها فرصة توجيه جهدها واهتمامها بشكل أكثر فاعلية لحماية أمنها القومي ضمن حدودها وفي محيطها، ثم التدرّج في ما عدا ذلك، بدءاً بسورية الحليفة التي تدافع روسيا فيها عن نفسها أولاً، بحرب استباقية على جماعات العنف والتكفير القادمة من مختلف جمهوريات روسيا الاتحادية وجوارها، ويتمّ تدريبها عملياً كي يعود الباقون منها مع أمثالهم لخلق بؤر توتر وصراع فيها تسهل النيل منها، وتدافع عن نفسها حين تتواجد لدى حليف تاريخي وفي منطقة مصالح مشروعة لها، في الوقت الذي تحاول قوى الغرب منعها من ذلك.

ومع أنّ روسيا، لهذه الأسباب وغيرها، أوكلت بجانب ما، إن صحّ التعبير، الموضوع اليمني للصين، إلا أنه لا يمكن الاستهانة بالدور الإنساني والسياسي والإعلامي الروسي الداعم لحق اليمنيين في مقاومة العدوان والاحتلال والتقسيم، ولحقهم في العيش الكريم، بعيداً عن وصاية الغير عليهم وتدخله في شؤونهم.

خلاصة هذا الأمر أنّ روسيا تعمل بالعسكر والأمن حيث يجب، لكنها كذلك، في بعض القضايا والأزمات، تحاول مع غيرها جرّ دول الغرب الاستعماري للانكشاف في مربعات المواجهة بما يسمّى «الشرعية الدولية»… الميدان الأهمّ الذي ظلّ حكراً لخدمة ادّعاءات وسياسات هذه الدول، لكنه آخذ بالتحوّل لصالح تعدّدية إيجابية، وهنا، وبعد ان اتضحت أمور كثيرة، لا يجدر الذهاب بعيداً لتفسير الموقف الروسي من قرار مجلس الأمن 2216 الخاص باليمن، وعلى كلّ صاحب قضية عادلة، في إطار حقه باستخدام كلّ الوسائل المشروعة لانتزاع حقه، الاستفادة من هامش العدالة الممكن، والمساهمة ببذل الجهد ليتسع أكثر.

كاتب وشاعر يمني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى